22 نوفمبر، 2024 7:30 م
Search
Close this search box.

ردا على سلوى بكر …لاتسرقوا آدميتهم وطفولتهم !

ردا على سلوى بكر …لاتسرقوا آدميتهم وطفولتهم !

وليد ومهند وفراس ،ثلاثة تلاميذ نجباء ينتمون الى أسر محترمة من الطبقة المتوسطة،كان الأول منهم -وليد- المصاب بالتوحد يجلس عن يميني،والثاني -مهند- المصاب بشلل الأطفال يجلس عن يساري،بينما حافظ فراس اليتيم على جلوسه الدائب والدائم في المقعد الخلفي طوال سني الدراسة الابتدائية وكذلك فعل في امتحانات البكالوريا لاحقا، ومن عجائب الصدف أن أخبار هؤلاء الأحبة لم تنقطع عني طوال حياتي،ربما لأنهم كانوا وما زال بعضهم يسكن في منطقة قريبة من تلك التي أسكنها وأخبارهم تتناهي الى سمعي تباعا على لسان هذا او ذاك لتعتصر قلبي منذ ذلك الحين وحتى كتابة السطور !
كان لوليد الحصة الأكبر من سخرية جموع التلاميذ التي لاتحفظ شيئا من كتاب الله تعالى في مدارس جلها تحمل أسماء وعناوين أعلام العرب والمسلمين الافذاذ ” المثنى ، خالد بن الوليد ، ابن سينا، ابن خلدون ،ذات النطاقين ،عمر المختار ، الرازي ، الطبري ، ابن كثير ، ابن الجوزي ، وهلم جرا ” الا انها تفتقر لسجاياهم وفي مقدمتها أخلاقهم وتربيتهم القرآنية منذ نعومة أظافرهم وعهد الصبا وكلهم من قراء وحفظة كتاب الله تعالى ولولا ذلكم الحفظ في بواكير حياتهم لما سمعت بهم ولا عنهم اطلاقا ، حيث كانت حصة القرآن الكريم ، حصة ثانوية بإمكان أي معلم أن يشغلها في أوقات فراغه بدرس آخر تماما كسبا للوقت الضائع كليا في العطل الرسمية والمهرجانات والكرنفالات وما يسمى بالمناسبات الوطنية وما اكثرها ، كان وليد يعاني الأمرين بعد قرع الجرس وخلال الفرصة وأثناء الدخول والخروج من والى المدرسة والصفوف، لكونه مصابا بالتوحد ولم يكن في عموم العراق آنذاك في حقبة السبعينات مراكز متخصصة ولا مدارس خاصة لتعليم أطفال التوحد وتأهيلهم نفسيا وتربويا يديرها أكفاء وخبراء في علاج المتوحدين وتدريسهم على وفق مناهج عالمية مخصصة لهم ،كان هؤلاء المساكين وهم بأمس الحاجة الى رعاية صحية خاصة يزجون في المدارس الحكومية المكتظة ذات الدوام الثنائي والثلاثي،الصباحي والظهري والمسائي ،على ما بهم من جراح نفسية غائرة ، ومشاكل في النطق يتربع على عرشها التلعثم والتأتأة وتكرار الكلام والحركات اللاارادية ،وتشتت الذهن ،وفقدان التركيز ، وقلة الفهم ، وضعف الانتباه ، من دون أدنى مراعاة لأوضاعهم النفسية والذهنية المركبة والمعقدة التي تتطلب رعاية خاصة على أعلى المستويات ، والحق يقال لقد كنت مضطرا في وقتها أن ألعب متطوعا دور البودي غارد لحماية جاري وليد والذب عنه من صولة المستأسدين والمتنمرين على سواء امتثالا لوصية والده الحنون في كل زمان ومكان لحين عودته الى المنزل سالما غانما بأقل قدر من الخسائر المادية في كتبه وقرطاسيته ودفاتره وملابسه وطعامه وكانت تتعرض للعبث والسرقة المتتالية من كلا الجنسين تحت يافطة”الضحك والمزاح الثقيل”، وبأقل ما يمكن من التصدعات والشروخ النفسية العميقة والتي كان يبدو اثرها جليا على محياه فالدموع التي كان ينجح بحبسها برباطة جأش احيانا ، كانت تغالبه أحايين فتتناثر على وجنتيه المتوردتين بين الفينة والأخرى ، الا إن دفاعي لم يكن ليجدي نفعا خارج نطاق المرحلة الابتدائية ليتعداها الى المرحلة المتوسطة التي ينشأ في أحضانها المراهقون وقد يتوطن فيها بعضهم ويعشعش طويلا على مقاعدها بوجود فوارق عمرية وجسدية قد لاتسمح لي بالمجابهة معهم والدفاع عن وليد المتوحد امامهم بخلاف ما كان عليه الحال في المرحلة الدراسية التي سبقتها، لم يكن امام وليد من خيار غير ترك مقاعد الدراسة بقرار قهري واضطراري صعب للغاية كان قد اتخذه والداه رغما عنهما لحماية فلذة كبدهم من التنمر المتواصل فور تخرجه من السادس الابتدائي خشية أن تسوء أحواله النفسية وتنهار قواه العقلية أكثر فأكثر بما لاتحمد عقباه ، فظل وليد حبيس بيته من غير زواج ولا اسرة ولا تعليم ولا عمل حتى يومنا هذا متأثرا بكم الأذى والسخرية الهائل الذي كان يتعرض له على يد بقية التلاميذ الاصحاء وسط صمت شبه مطبق من الطاقم التعليمي في وقت كانت العلمانية والافكار اليسارية تتحكم بالعراق ومدارسه وكان يحلو لهم تسمية الدين بـ” التراث ” وكانوا يزعمون وعلى خطى بعضهم من المعاصرين بأن تعليم القرآن الكريم وأحكامه وأخلاقه في المدارس الابتدائية بمثابة مصادرة لحقوق الطفولة وانتهاك لها، ولو كان الخلق القرآني الرفيع مفعلا في عموم مدارسنا آنذاك على مستوى المعلمين / المعلمات اضافة الى التلاميذ وأسرهم لما حدث لوليد ما حدث سابقا ولاحقا وحسبهم في ذلك قوله تعالى في محكم التنزيل للقضاء على ظاهرة التنمر : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ “.
لم يختلف الحال كثيرا مع مهند المصاب بشلل الأطفال فهذا الطالب المسكين كان يتعرض الى تهكم كبير أسفر عن تغيبه كثيرا عن المدرسة ولعل أشد ما كان يحزنه ويفت في عضده ويؤلمه هو تنابرهم بالالقاب ونعته بأوصاف وكلمات جارحة على خلفية العاهة التي أصيب بها من غير ارادته ما أثر سلبا على مستواه العلمي وتحصيله الدراسي ومجمل درجاته الفصلية والسنوية ، مهند هذا لم يكتف بحمل جراحاته على كاهله لينوء بثقلها طوال حياته بل وكان يتهم والده بأنه هو السبب في ما يعانيه لتقصيره وعدم اهتمامه بتلقيحه ضد مرض شلل الأطفال في الموعد المحدد والعمر المناسب للتلقيح فأصيب بعاهة مستدامة،الأمر الذي إنعكس سلبا على موقف مهند من والده مستقبلا وقد ظهر ذلك جليا حين حجر على والده وتحفظ على أمواله عند كبر سنه لسبب ظاهره أن والده قد تزوج على والدته بأخرى ، وباطنه غير المعلن ان والده هو السبب فيما يعانيه من عذابات على حد وصفه،ولو أن المعلمين والتلاميذ اسوة بذويهم قد تربوا على أخلاق القرآن الكريم منذ الصغر لما حدث كل ما حدث،والباري عز وجل يقول في محكم التنزيل “وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ” ولو أن مهند وأمثاله قد تربوا على خلق القرآن الكريم منذ الصغر لما حدث ما حدث ، والباري عز وجل يقول ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ” .
فراس وأقرانه من التلاميذ فضلا عن طواقم التربية والتعليم الا ما رحم ربك كانوا بدورهم ضحية للجهل والتجهيل بأحكام القرآن الكريم فهذا الطالب المثابر كان يتيما، وأسباب يتمه أن والده وكان ضابطا نزيها في الجيش العراقي وقد اتهم من قبل الحزب الحاكم آنذاك، بأنه ينتمي الى حزب معارض وما اكثر الاحزاب السياسية المتنافرة والمتناحرة والمتقاطعة التي أعقبت اسقاط الملكية يومذاك في العراق ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، وكل ايدولوجية وسياسة وفكرة تتمكن من الحكم كانت تلعن اختها وتقصي وتهمش غرماءها تباعا ، فأعدم الاب بتهمة الانتماء الى احد الاحزاب القومية المعارضة ، الا أن الطفل قد عانى ما عانى ولاشأن له في كل ما حدث لوالده ، ولا في انتماءاته الفكرية ، ولا بالقرار المجحف الذي صدر بحقه ، والباري عز وجل يقول ” أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ” الا ان التلاميذ اسوة ببعض المعلمين والمعلمات كانوا يعيرونه بما وقع لوالده ويسخرون منه ، فأصيب الفتى المسكين بعقد نفسية لاحصر لها كانت سببا في هجرته بمعية والدته الارملة وشقيقته اليتيمة الى خارج العراق الى غير عودة ، ولكم تمنيت لو ان كل واحد من المتنمرين قد لقن يومها في حصص تعليم القرآن الكريم قوله تعالى وحفظه عن ظهر قلب ” فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ” لتغير كل شيء ولحاز كل ذي حق على حقوقه كاملة وغير منقوصة .
واقول لمن يستكثر تعليم الأطفال أحكام القرآن الكريم وتحفيظهم بعض سوره وآياته المباركات وتعليمهم قصصه وامثاله وحكمه وأخلاقه ، ويرفض شرحها وتفسيرها لهم منذ الصغر على قدر أفهامهم ودرجة استيعابهم “انكم تسرقون طفولتهم وتعبثون بأخلاقهم وتبددون أحلامهم وتمزقون حصانتهم ” ولاريب أن الإحجام عن تدريس وتعليم وتحفيظ آيات القرآن الكريم وسوره في المدارس الابتدائية وقبلها في الكتاتيب والدورات الصيفية إن وجدت ، إنما تمثل السرقة الحقيقية للطفولة بعينها ما سينجب لنا كما هائلا من الساخرين والمتنمرين والمتهكمين والعاقين والمتنابزين بالكنى والالقاب لتتحول مدارسنا ومجتمعاتنا الى رحم ولادة لأمثالهم سيكون ضحاياها تباعا امثال المغرر بهم وليد ومهند وفراس ، علما بأنهم ليسوا ثلاثة تلاميذ ، وانما بضعة ملايين ! اودعناكم اغاتي

أحدث المقالات