تعتمد أغلب الدول المتقدمة في تطورها وازدهارها العمراني والتكنولوجي والحضري على التربية والتعليم إذ أن التربية والتعليم ذو أهمية كبيرة في تطور العلوم والمعرفة في أي بلد من البلدان ، حيث يمكن قياس مدى تطور وتحضر البلد عن طريق معاينة نظام التربية و التعليم المطبق فيها من حيث نوع المناهج التي تدرس في المدارس والجامعات ونسب المشاركين فيها ومثال على ذلك نهوض اليابان وصعودها للقمة في سلم التطور التقني والمعرفي بعد الانتكاسة التي أصابتها ، ويعود ذلك لتركيزهم على التعليم في بلادهم من حيث تم زج أكبر عدد من الأفراد فيه لأنه يمثل السبيل لإنتاج الموارد البشرية ذات المهارة العالية كالمهندسين والأطباء والقانونيين والعباقرة في بعض الأحيان والذين يقع على عاتقهم بناء البلد وتطوير إمكانياته واستثمار طاقاته بالشكل الذي يجعل البلد في مصاف الدول المتقدمة . لذلك تقوم الدول المتقدمة بتخصيص الميزانيات الكبيرة للتعليم ومحاولة ترصينه وتحصينه من كل ما يضعفه ويهدد كيانه وخاصة مرض الفساد الذي اجتاح أغلب دول العالم ولم تسلم منه حتى المؤسسات التعليمية والتربوية التي يقع على عاتقها إنشاء وتربية الأجيال وهنا ومن غير الممكن ألا تبدأ الجهات المعنية في وزارتي التربية و التعليم العالي والبحث العلمي بإيجاد حلول سريعة وعاجله وواضحة لهذا المرض العضال (الغش العلمي الدراسي) في العراق الذي أصاب الحركة العلمية والتربوية .. الغش الدراسي قبل عقود كان يسري ببطء شديد وحالاته منفردة وقليلة أما ألان فقد أصبح حالة عامة تصيب المعنيين من التربويين والتدريسيين بالذعر من مستقبل التربية والتعليم في العراق، ولكي لا نبرر للظروف التي مر بها البلد من دور فيما قلل من أمكانية توفير الوسائل الصادقة والحلول الناجحة لاستئصال الغش في الامتحانات ندعو في بداية هذا الموضوع الموسع ولمن يقرأه أن يضع مستقبل الوطن وأبنائه أمام عينيه وخصوصا وزيري التعليم والتربية في العراق .. وان نبتعد عن الالتزام غير الدقيق فيما يطرح من مقترحات تخص الموضوع لكي لا نصحوا بعد سنين في العراق ولا نجد غير أطباء بلا طب ومهندسين بلا هندسة ومعلمين ومدرسين ومحامين لا يفقهون مما درسوا شيئا , أنها ألامية العلمية الجديدة التي حلت علينا بعد الاحتلال الغاشم على قطرنا العراقي بسب انخفاض الذوق العام , وأحب أن اشير في هذا المقال عن الغش في اختبارات الطلبة في المراحل الدراسية الأولية و الجامعية ، حيث تفشت هذه الظاهرة بشكل يجلب الانتباه وبعمليات متنوعة ومبتكرة عن الغش ومزاولته في الاختبارات مختلفة المواضيع والمواد , حيث يلجأ الطلبة أحيانا إلى الغش نتيجة تقصيرهم في واجباتهم ودراستهم بما يجعلهم محرجين إذا قرب الامتحان وهم لم يسترجعوا شيئاً من المواد التي درسوها وهي ظاهرة تفشت أيظاً عند الطلبة نتيجة اقتصار معظمهم على دراسة ومراجعة المادة ليلة الامتحان , ولقد أعدنا وكررنا على الطلبة مرات ومرات إن الطالب المجد عندما ينهي يومه الدراسي ويعود إلى بيته يراجع ما أخذه من مواد ويؤشر على الغامض وغير المفهوم منها ليسأل أستاذه في المحاضرة القادمة أو زملاءه عنها لتفسيرها وفهمها .
ولكن الطالب اليوم يدوّن تحصيله العلمي اليومي ويتراكم أسبوعا بعد اسبوع حتى ليلة الامتحان عندها يبدأ الطالب بمراجعة مادة الامتحان فيجد فيها الكثير من الالتباسات والغموض الذي لا يفهمه بل وحتى هناك فقرات لم يدونها الطالب فلا يجد لها ارتباطا مع فقرات مدونة فيحصل الارتباك لدى الطالب ويسهر ليله بإعداد وسائل الغش المختلفة للاستفادة منها وقت الامتحان , فمن هذه الوسائل السماعات اللحمية الجديدة والكتابة على اليدين والساعدين والكتابة على الساقين والقدمين أو الكتابة على القميص بما فيه من طيات وخفايا أو الكتابة على البنطلون أو الجبة أو التنوره أو الربطة وحتى الجوارب كلها وسائل مخفية للغش . ومن وسائل الغش الكتابة على المسطرة والمساحة أو تدوين المواضيع وخزنها في الحاسبة أو على الموبايل . ومن وسائل الغش أيظاً تحدث الطالب مع من بجواره والتقاط الجواب منه بالنظر أو بالسؤال ويتواصى بعض الطلبة مع بعضهم لكشف أجوبتهم للآخرين للنقل منها أو كتابة الأجوبة على قصاصات ورقية وتمريرها بين الطلبة . ومن وسائل الغش فتح الدفاتر والكتب خلال الامتحانات والنقل منها في غفلة من الأستاذ المراقب, ومن وسائل الغش الكتابة على الرحلة أو جدران القاعة أو أرضية القاعة أو حتى على الحذاء وريش المراوح السقفية والأبواب والشبابيك والبردات كل ذلك يستثمره الطلبة المقصرون في واجباتهم الدراسية كوسيلة للإجابة غير المشروعة فهو كالغريق الذي يتعلق ولو بقشة لإنقاذ نفسه . ولو استثمر الوقت الذي يقضيه الطالب بأعداد الغش لو استثمره في الدراسة لكان أفضل وإذا كانت المادة قد تراكمت عليه وتزاحمت مواضيعها فيمكن التركيز على قسم منها وضبطها والإجابة منها فلا ينبغي لجوء الطالب إلى هذه الظاهرة السيئة كوسيلة للنجاح , وهنالك من يلجأ لعدد من الطلبة إلى الغش أيظاً عند تراكم القوانين واشتقاقاتها وكثرة المعادلات وتطبيقاتها فينسخها الطالب في وريقات يخرجها عند الحاجة فينقلها إلى كراسة الامتحان , ويلجأ الطلبة إلى الغش عندما لا يستطيع معظمهم متابعة الأستاذ ومراجعة محاضراته لصعوبتها أو عدم ترابطها وغموض بعض الفقرات فيها . وغالبا يلجا الطلبة المتخلفون عن الدراسة إلى هذه الظاهرة الذميمة كما أن بعض صيغ الأسئلة الشبحية تشجع على الغش مثل أجب بخطأ أو صح فهذه يلتقطها الطالب بسهولة ممن في جواره وحتى على مسافة وكذلك أسئلة أملأ الفراغات الآتية أو اختر الجواب الصحيح ، اذكر أسماء المواد الآتية ، أو الأسماء المؤشر عليها في الشكل أو الرسم وعدد واذكر ، فهذا النمط من الأسئلة يشجع على الغش إن لم يسيطر على قاعة الامتحان سيطرة تامة لان أية غفلة من المراقب تعطي فرصة مناسبة للطالب للغش ممن بجواره بالسؤال أو الالتقاط أو الجهر البسيط بالجواب , وتفشى الغش نتيجة تهاون المسؤولين عن الامتحان عن ضبط الامتحان , بل يتراخى بعض المسؤولين كمدراء التربية ومدراء المدارس مثلاً في المراقبة والتغاضي عن الغش في قاعة الامتحان للحصول عن نسبة نجاح عالية ويكسب المكافأة . ففي يوم كنت عند مدير للتربية وكان أحد مدراء قاعات الامتحان هناك يلوم المدير ومعاونيه على عدم تجاوبهم معه بإرسال من يردع الطلبة الذين يملون الأجوبة من خارج قاعة الامتحان للطلبة بما اضطره على الضرب على الأبواب لكي لا يسمع الممتحنون الأجوبة وأخيراً اضطر إلى سحب مسدسه وإطلاق طلقات رادعة في الهواء ضربت أحداها سقف القاعة وعادت فاستقرت في ظهر أحد المراقبين بما اضطرهم إلى نقله إلى المستشفى ، فما كان من المدير الا أن يوجه اللوم إلى مدير القاعة بل أسمعه كلمات موجعة وأنه هو الذي يتحمل مسؤولية ما جازف به , وفي حادث أخر كان أحد مدراء قاعة امتحان الطلبة الخارجيين قد أذاه فوضى الطلبة في القاعة والإملاء بمكبرات الصوت من الخارج فأستنجد بمدير التربية ومعاونيه فلم ينجده أحد واستنجد بالشرطة ولم يجبه أحد وأستنجد بالأمن فلم يجبه أحد . وبعد انتهاء الامتحان لذلك اليوم كتب مدير القاعة تقريراً عن مجريات الامتحان بأنها غير مضبوطة وأنه استنجد بكافة المسؤولين فلم يجبه أحد وأنه توقع حصول حالات غش متماثلة في الدفاتر الامتحانية وأنه لم يستطع معالجتها وأرسل التقرير مع الدفاتر الامتحانية لكنه لم يرسل نسخة منه إلى مديرية التربية توقعاً منه سعي مدير التربية الحثيث إلى لجان التصحيح والحصول على التقرير بأية وسيلة وتمزيقه . وعند وصول التقرير شكلت لجنه تحقيقية حول الموضوع وبعد التحقيق الطويل والعريض وجّه ألفات نظر إلى ذلك المدير ( مدير القاعة الامتحانية ) ودار الحول ولا زال مدير التربية في منصبه وحصلت الامتحانات الوزارية فكانت إحدى القاعات تضم أولاد المسؤولين والمتنفذين فجرى فيها من الغش جعل لجان التصحيح تقرر غش جميع طلبة القاعة وفي جميع المواضيع الدراسية فيبدو أن الغش كان جهراً وبدون حياء واعتبر جميع طلبة القاعة راسبين في صفهم لذلك العام وعوقب على أثرها مدير التربية وآخرين ونقلوا إلى مكان أخر ، فلو عولج الخطأ الصغير لما حصل الخطأ الكبير ولو اتقى المسئول الله وزجر نفسه عن الغش لما حصل ما حصل فالتهاون في مراقبة الامتحانات يشجع على الغش وعلى الجهر به , كما إن بعض صيغ الأسئلة تشجع على الغش وانتقال الأجوبة بين الطلبة داخل القاعة الامتحانية منها : أجب بخطأ أو صح على العبارات الآتية ، أو أكمل الجمل الآتية ، أو اختر الجواب الصحيح . كلها تساعد على الغش لأن معظم الجواب بكلمة أو ببضع كلمات يسهل تداولها أو نقلها أو سماعها , ومن مظاهر الغش : تسريب الأسئلة الامتحانية وأجوبتها إلى الطلبة مقابل مبالغ من المال وقد حصلت مثل هذه الظواهر مع الأسف الشديد في الثانويات والجامعات وقد عوقب عدد من الأساتذة على ذلك ولكن الظاهرة تفشت كثيراً فلم نكن نتوقع يوماً من الأيام أن يفضح الأستاذ أو المدرس سره بتسريب أسئلته مهما كانت ظروفه لأنها أمانة علمية يجب أن تصان مهما صعبت الظروف واسودت الدنيا بعين صاحبها .. وأخيرا أحب أن أوجه عناية المسؤولين في وزراتي التربية والتعليم العالي بايجاد وسائل جديدة لمكافحة الغش الدراسي : وهي ..
أولاً ـ النصح والارشاد لا ينفع مع الطلبة في هذا الجانب فهو يريد أن ينجح بأية وسيلة ولذا فأن الردع أفضل وسيلة لمعاقبة الغاشين من الطلبة واستئصالهم من المجتمع الطلابي ليتعظ بهم الآخرون وينتهوا عن هذه الظاهرة السيئة .
ثانياً ـ تجنب الأسئلة الشبحية التي يميل إليها كثير من المدرسين والأساتذة لسهولة تصحيحها واستغراقها وقتاً قصيراً لكنها لا تعلم شيئاً وتوفر فرصة مناسبة للغش وتستبدل هذه الأسئلة الشبحية بأخرى فكرية منها : اشرح بإيجاز أو اشرح بالتفصيل مع الأشكال والأمثلة ، وعلل ما يأتي مع ذكر أمثلة وأعط تفسيراً واضحاً للظواهر الآتية ، ما الفرق بين ، وقارن بين …. أرسم الشكل وأشر عليه .فلا بد من التركيز على الأسئلة الفكرية التي تنمي التفكير وتدفع الطالب إلى الإجابة الصحيحة وأن تكون الأسئلة شمولية وليست مركزة على فصل واحد أو بضعة فصول .
ثالثاً ـ مراقبة الامتحانات مراقبة جادة وملاحظة الطلبة والانتباه لكل حركة تحصل داخل القاعة وأن لا يسمح بالأسئلة خلال الامتحان لينشغل الأستاذ بتوضيح بعض الأسئلة فيعطي فرصة للطلبة للغش . وأن يستعين أستاذ المادة بآخرين ممن يتوسم فيهم الحرص والأمانة في مساعدته على المراقبة . لأن بعض المساعدين من عادتهم التغاضي عن الغش في القاعة وقسم منهم ينقل الأجوبة من طالب لأخر وقسم منهم يملي على الطلبة بعض الأجوبة فلا بد من الانتباه إلى ذلك وتنمية الأمانة العلمية لدى الجميع , ويمكن السيطرة على الامتحانات الوزارية بتقسيم قاعات الامتحان إلى قطاعات لا يزيد عدد الطلبة في القطاع الواحد عن ( 20 ) طالباً يرصد لهم مراقب يتحمل مسؤولية مراقبتهم وفق الخرائط المدونة عن هذه القطاعات .
رابعاً ـ مراقبة الامتحانات الوزارية مراقبة شديدة مركزياً ولا مركزياً وتهيئة مفارز أمنية من الشرطة والأمن لحماية القاعات من تسرب الأجوبة والغش كما أن على المسؤولين في التربية إبداء الحزم والشدة في هذا الجانب وعدم التهاون في حقوق الطلبة المجدّين عندما يحصل زملاء لهم درجات تنافسهم حصلوا عليها بالغش .
خامساً ـ ردع المتهاونين والمتساهلين في الغش وعدم تكليف ضعاف الشخصية بالمراقبة لأن الضعيف في شخصيته لا يضبط القاعة ولا يسيطر عليها ويخرج زمام الأمور عن سيطرته .
سادساً ـ معاقبة الذين يُمسكون بالغش وعدم التهاون معهم وتطبيق القانون عليهم أفراداً أو جماعات ليعتبر الآخرون بهم .
سابعاً _ تفتيش الطلبة قبل دخولهم القاعة الامتحانية وتجريدهم من وسائل الغش والتأكد من خلوّ ملابسهم وأجسامهم وأدوات القرطاسية من الغش والكتابة عليها .
ثامناً ـ منع الطلبة من تداول الأدوات بينهم في القاعة الامتحانية كالحاسبات والمساحات والمساطر وحتى الأقلام .
تاسعاًً ـ غرس المفهوم العلمي لدى الطلبة وأن الدراسة تنمي فيهم الجانب العلمي وتراكم المعلومات على بعضها لتكوين خلفية علمية جيدة لدى الطلبة ليتخرج وقد تسلح بمعظم المعلومات التي درسها وأن تكون الدراسة للتحصيل العلمي وليس للامتحان والنجاح فقط فمتى ما اقتنع الطلبة بذلك لم يجنحوا ولم ينحرفوا بل سيركزون همهم للدراسة وجمع المعلومات والاستفادة من مختلف المواد الدراسية .
عاشراً ـ تقليص عدد المقبولين في الجامعات بما لا يزيد على ( 30 ) طالباً لكل قسم في الكليات المختلفة لتسهيل السيطرة عليهم في التدريس والاختبارات الشفوية والتحريرية لأن زيادة عدد الطلبة في القاعة الامتحانية إلى ( 50 ) أو إلى ( 100 ) في بعض الأحيان تجعل الفائدة قليلة والسيطرة على الامتحانات ضعيفة . ويوجه الطلبة الذين حصلوا على مجاميع منخفضة إلى المعاهد والكليات المهنية التي يغلب فيها الجانب المهني على الجانب الفكري لأن المجتمع يحتاج حاجة ماسة إلى هؤلاء لتعزيز مكانتهم في المجتمع وتوفير المورد المالي المناسب لهم .. ولله .. الآمر