مع مكاسب تركية هامة بعد اعتقال “البغدادي” .. هل يتداعى “داعش” من الداخل ؟

مع مكاسب تركية هامة بعد اعتقال “البغدادي” .. هل يتداعى “داعش” من الداخل ؟

وكالات – كتابات :

لم يكد تنظيم (داعش) يتعافى من تداعيات مقتل زعيمه السابق؛ “عبدالله قرداش”، في شهر شباط/فبراير الماضي، أثناء عملية أميركية خاصة في شمال غرب “سوريا”، حتى تحدثت تقارير عن تمكن السلطات التركية؛ يوم 26 آيار/مايو المنصرم، عن اعتقال الزعيم الحالي لتنظيم (داعش) الإرهابي؛ “جمعة البغدادي”، المُكنَّى: “أبوالحسن الهاشمي القرشي”، في عملية أمنية خاصة نُفذت في “إسطنبول”؛ منذ أيام، في خطوة تُمثل ضربة موجعة للتنظيم الإرهابي، الذي فقد الكثير من قدراته خلال السنوات الماضية بفعل غياب قياداته المؤثرة.

وتطرح عملية اعتقال “أبوالحسن القرشي”، تساؤلات رئيسة حول مستقبل التنظيم وأنشطته وبنائه الداخلي، وحول جهود مكافحة الإرهاب بوجه عام؛ بحسب تحليل أعده “محمد فوزي”؛ ونشره موقع مركز (إنترريغونال) للتحليلات الإستراتيجية.

إخفاق تنظيمي..

مستهلاً الكاتب تحليله: تُسيطر حتى الآن؛ حالة من الضبابية على عملية إلقاء القبض على؛ “جمعة البغدادي”؛ وذلك في ضوء عدم إعلان السلطات التركية عن أي تفاصيل مرتبطة بالعملية، وتأكيد تقارير أن الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغان”، سيُعلن الخبر وحيثيات العملية بنفسه خلال الأيام المقبلة، وعدم تفاعل التنظيم الإرهابي مع الأمر حتى اللحظة، لكن الكشف عن اعتقال زعيم التنظيم، والحيثيات المتاحة حتى الآن تطرح جملة من الدلالات يمكن استعراضها على النحو الآتي:

01 – فشل إستراتيجية “التعتيم” الداعشية: مع اغتيال “الولايات المتحدة”، في شباط/فبراير الماضي، زعيم تنظيم (داعش) السابق؛ “أبوإبراهيم الهاشمي القرشي”، الذي تولى قيادة التنظيم بعد؛ “أبوبكر البغدادي”؛ حرص التنظيم على تبني إستراتيجية: “التعتيم”، فيما يتعلق بقيادته الجديدة؛ حيث أكتفى التنظيم، في 10 آذار/مارس الماضي، بالإعلان عبر متحدثه الإعلامي؛ “أبوعمر المهاجر”، عن اختيار: “أبوالحسن الهاشمي”، خليفةً للتنظيم الإرهابي، ووصفه: بـ”الشيخ المجاهد الجليل والسيف الصقيل”، دون ذكر أي تفاصيل عن هويته، وهي إستراتيجية تستهدف التعتيم على هوية الزعيم الجديد للتنظيم، منعًا للتوصل إليه واستهدافه؛ كما حدث مع “البغدادي” و”القرشي”، لكن عملية اعتقال الزعيم الجديد للتنظيم تؤكد فشل هذه الإستراتيجية في الحيلولة دون اصطياد قادة التنظيم.

مصدر الصورة: رويترز

02 – مُراقبة مُطولة لـ”جمعة البغدادي”: أشارت العديد من التقارير إلى أن الزعيم الأسبق لتنظيم (داعش)؛ “أبوبكر البغدادي”، مع اضطراره في الأشهر الأخيرة من قيادته للتنظيم، إلى التواري عن الأنظار، بدأ يعتمد بدرجة متزايدة على شقيقه: “جمعة البغدادي”، لنقل رسائله وتعليماته إلى شبكات وأفرع التنظيم في داخل “سوريا” وخارجها؛ الأمر الذي جعل “جمعة البغدادي”؛ يتردد باستمرار على الشمال السوري ومدينة “إسطنبول”، وهو ما ساهم في رصده من قبل أجهزة الاستخبارات التركية والأميركية والعراقية، لكن بعض التقديرات لفتت إلى أن الدافع وراء عدم اعتقاله في تلك الفترة، كان يرتبط برغبة هذه الأجهزة في التوصل إلى مكان شقيقه؛ “أبوبكر البغدادي”. ومن ثم فإن التحركات المستمرة للزعيم الجديد للتنظيم الإرهابي بين الشمال السوري و”إسطنبول”، هي من الاعتبارات التي يمكن في ضوئها فهم عملية إلقاء القبض عليه.

03 – تنامي الخلافات داخل تنظيم (داعش): إحدى المقاربات التفسيرية التي يُمكن في ضوئها فهم عملية إلقاء القبض على الزعيم الجديد لتنظيم (داعش) الإرهابي، تتمثل في تنامي الخلافات الداخلية داخل التنظيم، أو بمعنى أدق قيام بعض الدوائر داخل التنظيم بالإبلاغ عن مكان؛ “جمعة البغدادي”، وهي مقاربة تتعاظم أهميتها في ضوء ما أُثير عن خلافات داخل التنظيم حول أهلية؛ “جمعة البغدادي”، لقيادة التنظيم، خصوصًا مع الحديث عن إصابته: بـ”شلل نصفي في الوجه”، فضلاً عن اعتراض العديد من الاتجاهات داخل التنظيم على عدم معرفة هوية الزعيم الجديد، وعدم معرفة نسبه، وهي أزمة تدخل في إطار العديد من الأزمات البنيوية العميقة التي يُعاني منها التنظيم في السنوات الأخيرة.

04 – الإرتباط بالسياق الداخلي التركي: كان السياق الداخلي التركي من المحددات الرئيسة الحاكمة لإلقاء الأجهزة الأمنية التركية القبض على زعيم تنظيم (داعش)؛ وذلك في ضوء تصاعد التحركات الداعشية في الداخل التركي، التي كان آخرها إعلان “وزارة الداخلية” التركية، في 24 آيار/مايو 2022، عن إحباط عملية انتحارية كان يُخطط التنظيم الإرهابي لشنها في مدينة “إسطنبول”، وتأكيد الوزارة أن التنظيم خطط لشن: 12 عملية إرهابية في الأراضي التركية؛ منذ بداية العام الحالي، فضلاً عن توقيف عشرات الأشخاص في الأسابيع الماضية بتهمة الانتماء إلى تنظيم (داعش).

أيضًا لا يُمكن قراءة العملية بمعزل عن سعي النظام التركي إلى مواجهة انتقادات المعارضة؛ حيث تصاعدت الانتقادات الموجهة للسلطات التركية؛ في ملف مواجهة تحركات تنظيم (داعش)، وجرى اتهام السلطات بالتقصير، فضلاً عن حديث بين الدوائر المعارضة عن تنسيق بين السلطات وبين التنظيم الإرهابي.

مصدر الصورة: رويترز

ومن ثم؛ سعت السلطات التركية عبر هذه العملية إلى تأكيد قدرة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على مواجهة هذه التحركات الإرهابية وإفشالها، سعيًا إلى مواجهة هذا التهديد، ومواجهة انتقادات المعارضة، خصوصًا أن هذه الانتقادات كانت من الركائز الرئيسة للمعارضة في حملاتها الانتخابية السابقة.

05 – خدمة أجندة السياسة الخارجية لـ”أنقرة”: يؤكد توجه الرئيس التركي نحو الإعلان بنفسه عن العملية وحيثياتها، على رغبة “أنقرة” في توظيف هذه الخطوة بما يخدم سياستها الخارجية، ويضغط على “واشنطن” عبر هذا الملف؛ حيث كان أحد الاعتبارات التي تُسوقها “واشنطن”؛ لرفض فكرة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، هو استمرار نشاط خلايا داعشية في هذه المنطقة، ووجود تنسيق بين “أنقرة” وهذه الخلايا، ومن ثم ترغب “أنقرة” من جانب في تأكيد قدرتها الأمنية والاستخباراتية على مواجهة تهديد تنظيم (داعش)، والتقليل من قيمة الرهان الغربي على جهود الأكراد في مواجهة (داعش)، بما يخدم مساعيها لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، وهو المسعى الذي يستهدف إبعاد “قوات سوريا الديمقراطية”؛ وإحلال اللاجئين السوريين محلها.

تداعيات محتملة..

إذا تأكدت الأنباء الواردة بإلقاء “تركيا” القبض على زعيم تنظيم (داعش)، فإن هذه العملية سوف تحمل جملة من التداعيات يمكن تناول أهمها على النحو الآتي:

01 – تعميق أزمة القيادة في تنظيم (داعش): من التداعيات المهمة التي ستترتب على عملية اعتقال زعيم تنظيم (داعش) – حال تأكيد العملية – تعميق أزمة القيادة التي يُعاني منها التنظيم، خصوصًا مع تركيز مقاربات مكافحة الإرهاب الإقليمية والدولية على إستراتيجية: “قطع الرؤوس”، وهي الإستراتيجية التي أدت إلى تعرض التنظيم؛ في السنوات الأخيرة، للعديد من الضربات النوعية التي أدت إلى مقتل أغلب قيادات الصفين الأول والثاني، سواء على مستوى القيادة المركزية للتنظيم أو على مستوى الأفرع، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع أعداد المؤهلين لتولي القيادة.

02 – زيادة الانقسامات الداخلية: يشهد تنظيم (داعش) الإرهابي؛ في السنوات الأخيرة، خصوصًا مع الهزائم العسكرية الكبيرة التي تعرض لها، حالة انقسام داخلية كبيرة، وهي الانقسامات التي إرتبطت بأبعاد فقهية ودينية، وهو ما عبرت عنه الخلافات بين التيارين: “البنعلي” و”الحازمي”، فضلاً عن الخلافات التي ترتبت على استهداف القادة الكاريزميين للتنظيم، وتباين الرؤى داخل التنظيم حول مآلات القيادة، هذا بالإضافة إلى شعور العديد من القواعد التنظيمية بحالة من الإحباط نتيجة التراجع الكبير الذي مُني به التنظيم في السنوات الأخيرة، وهي حالة الإحباط التي أدت إلى سخط على قيادة التنظيم. وهكذا، ربما تدفع عملية اعتقال؛ “جمعة البغدادي”، باتجاه تعميق هذه الانقسامات داخل التنظيم.

03 – تغييرات في إستراتيجية التنظيم: دائمًا ما تؤثر عمليات اغتيال قادة التنظيمات الإرهابية على إستراتيجيات هذه التنظيمات حركيًا وتنظيميًا وعسكريًا.

ومن ثم؛ قد تدفع عملية إلقاء القبض على؛ “جمعة البغدادي”، باتجاه إحداث تغييرات في إستراتيجية التنظيم على مستوى العمليات في المرحلة المقبلة؛ إذ يُتوقع أن يُركز التنظيم على تنشيط أذرعه في الأقاليم المختلفة، مع السعي إلى شن هجمات انتقامية ردًا على إلقاء القبض على قائده، فضلاً عن أن العملية ربما تدفع باتجاه تبني التنظيم إستراتيجية أكثر تحوطًا فيما يتعلق باختيار قائده الجديد، بما يضمن تقليل احتمالية استهدافه، كما أن عملية اختيار القائد الجديد نفسها قد تشهد بعض المتغيرات؛ حيث كان اختيار “جمعة البغدادي”، تعبيرًا عن استمرار صعود الاتجاه الدعوي في قيادة التنظيم، ومن ثم ربما نشهد سيطرة الجناح العسكري على قيادة التنظيم، في مقابل تراجع الاتجاه الدعوي أو الفقهي.

04 – التوظيف التركي المتوقع للعملية: لن تقتصر تداعيات عملية إلقاء القبض على؛ “جمعة البغدادي”، على حدود التنظيم نفسه، بل ستُحاول “تركيا” توظيف العملية على أكثر من مستوى؛ فمن جانب سوف تُحاول “أنقرة” توظيف العملية والتحركات الأخيرة في مجال مكافحة الإرهاب لتأكيد فاعلية جهودها الأمنية والاستخباراتية في هذا المجال، وتهميش دور “قوات سوريا الديمقراطية”، والتحرك لإنشاء منطقة آمنة في حدودها مع “سوريا” بطول: 30 كيلومترًا، وهو التحرك الذي برزت معالمه مع الإعلان التركي عن عملية أمنية كبيرة ستُجرَى قريبًا في هذه المنطقة.

هذا فضلاً عن أن؛ “البغدادي”، يُمثل صندوق معلومات كبيرًا سوف تسعى “أنقرة” إلى الاستفادة منه، سواء على مستوى مواجهة تحركات التنظيم على الأراضي التركية، أو حتى على مستوى توظيف ذلك في إطار العلاقات مع الحلفاء أو المنافسين.

ومن جانب آخر؛ سوف تُحاول “أنقرة” استثمار هذه العملية على المستوى الداخلي، في مواجهة اتهامات التقصير أو حتى التعاون مع التيارات الإرهابية.

وفي الختام، يمكن القول إن عملية إلقاء القبض على؛ “جمعة البغدادي” – حال تأكيدها – تطرح العديد من التداعيات المهمة التي ستتجاوز حدود التأثير على البناء الداخلي والإطار الإستراتيجي والحركي للتنظيم، نحو الدفع باتجاه بعض المتغيرات الإقليمية التي سترتبط بسعي “أنقرة” إلى توظيف العملية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة