يعطل الجهود الدبلوماسية للحرب الأوكرانية .. صراع “صقور الحرب” يشطُر “أوروبا” !

يعطل الجهود الدبلوماسية للحرب الأوكرانية .. صراع “صقور الحرب” يشطُر “أوروبا” !

وكالات – كتابات :

رغم عدم وجود مؤشرات على قرب نهاية الحرب في “أوكرانيا”، فإن المساعي الدبلوماسية لا تتوقف، فما فرص نجاح تلك الجهود ؟.. ولماذا يُمثل الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، كلمة السر فيها ؟

تصف “روسيا” هجومها على “أوكرانيا”، الذي بدأ يوم 24 شباط/فبراير الماضي، بأنه عملية عسكرية خاصة، هدفها منع عسكرة “أوكرانيا”، بينما يصف الغرب؛ بقيادة “الولايات المتحدة”، ذلك الهجوم بأنه غزو شنه “بوتين”، بهدف استعادة أمجاد “روسيا القيصرية”. وعلى أية حال الأزمة الأوكرانية؛ في الأصل أزمة جيوسياسية، طرفاها “روسيا” وحلف الـ (ناتو)، بقيادة “الولايات المتحدة الأميركية”، حيث ترى “موسكو” في سعي حكومة “كييف”، برئاسة “فولوديمير زيلينسكي”، الانضمام للحلف العسكري الغربي؛ تهديدًا لأمنها القومي.

وبشكلٍ عام تنتهي الحروب إما بانتصار عسكري حاسم يُحققه أحد الأطراف ويُجبر الطرف الآخر على الاستسلام، وإما بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار نتيجة للجهود الدبلوماسية، وفي حالة الحرب الروسية في “أوكرانيا” لا تزال الأمور مفتوحة على جميع الاحتمالات.

لماذا “بوتين” كلمة السر ؟

يُشير مصطلح: “الجهود الدبلوماسية”؛ بشأن الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، إلى مسارين مختلفين، الأول يتعلق بالسعي لوقف الحرب، وهذا طرفاه “روسيا”، و”أوكرانيا” وخلفها الدول الغربية الداعمة، أما الثاني فيُشير إلى المعسكر الغربي نفسه، إذ إن الغرب ليس على قلب رجل واحد بشأن الأزمة الأوكرانية، حتى وإن سعوا لإخفاء خلافاتهم؛ بحسب تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.

مصدر الصورة: سبوتنيك

وفي القلب من الخلافات داخل المعسكر الغربي؛ يأتي الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”، نفسه، أو بمعنى أدق التعامل معه كما كان الحال قبل الحرب، فهناك زعماء غربيون يعتقدون أن التعامل مع الرئيس الروسي بات مستحيلاً، بينما يرى آخرون أن ذلك ليس صحيحًا بالضرورة.

وتناول تحليل نشرته صحيفة (الغارديان) البريطانية؛ بعنوان: “إلى أي درجة هناك أمل في الدبلوماسية في إنهاء الحرب (الروسية-الأوكرانية) ؟”، هذا الشق من الخلافات داخل المعسكر الغربي ومدى القدرة على تجاوزه ؟

إذ يُهدد الخلاف الدبلوماسي المرير على نحو متزايد بشأن عدم استعداد “ألمانيا” لتزويد “أوكرانيا” بأسلحة ثقيلة؛ بالتحول إلى نزاع أوسع بين الحلفاء الغربيين، حول ما إذا كانوا مستعدين لقبول تسوية سلمية تجعل “فلاديمير بوتين” قادرًا على إعلان انتصاره.

وقال مسؤول غربي للصحيفة البريطانية، إن القادة الغربيين منقسمون بين أولئك الذين يعتقدون أنهم يستطيعون العمل مع “روسيا”؛ بقيادة “بوتين”، بمجرد إنتهاء الحرب، وأولئك الذين يعتقدون أنهم لا يستطيعون فعل ذلك.

هذا الخلاف فتح الباب أمام خلافاتٍ أكثر عمُقًا تتعلق بتسليح “أوكرانيا”، وجدوى فرض حظر على استيراد “النفط الروسي”، وما إذا كان يتعين على “كييف” قبول التنازل عن جزء من أراضيها في نهاية الحرب كضريبةٍ للسلام.

تُركز النقطة المباشرة للصراع بين “أوكرانيا” وبعض حلفائها على توريد الأسلحة لـ”أوكرانيا”، وأيضًا على الأجواء السيئة التي تتسبب فيها “ألمانيا”؛ في إرساء سلسلة معقدة من شأنها أن تجعلها تزوِّد جيرانها الشرقيين بالأسلحة – خاصة “بولندا والجمهورية التشيكية” – وهذا بدوره سيُرسل كميات كبيرة من الأسلحة إلى “أوكرانيا”.

وتُعاني “كييف” من خسائر فادحة بسبب عدم وجود أسلحة بعيدة المدى. قال القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية؛ “فاليري زالوغني”، إن تسليم الأسلحة لا يمكن أن يتأخر: “نحن في حاجة ماسة إلى أسلحة تجعل من الممكن ضرب العدو من مسافة بعيدة”.

الخوف من التصعيد ضد “روسيا”..

ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، نقلاً عن مصادرها في الـ (ناتو)، أن أعضاء التحالف وافقوا بشكل غير رسمي على عدم تزويد “أوكرانيا” بأسلحة معينة، خوفًا من أن ترى “روسيا” أن تسليم الدبابات والطائرات المقاتلة يعني دخول الغرب الحرب، وبالتالي تتخذ إجراءات انتقامية، لكن ما يعنيه هذا القرار من الناحية العملية يظل موضع خلاف.

كانت هناك أيضًا تقارير من مصادر أميركية تُفيد بأن “إسرائيل” رفضت طلبًا أميركيًا بالسماح لـ”ألمانيا” بإرسال صواريخ (سبايك) المضادة للدبابات إلى “أوكرانيا”. تُنتَج صواريخ (سبايك) في “ألمانيا” بتكنولوجيا إسرائيلية، بموجب ترخيص إسرائيلي. ومنذ بداية الهجوم الروسي على “أوكرانيا”، في شباط/فبراير، اتخذت “إسرائيل” موقفًا محايدًا ورفضت تزويد “أوكرانيا” بالسلاح.

تأتي الخلافات في الوقت الذي حثت فيه بعض الأصوات الأميركية المؤثرة، من الدبلوماسي المخضرم؛ “هنري كيسنجر”، إلى صحيفة (نيويورك تايمز)، “أوكرانيا” على إدراك أنها قد تضطر إلى خسارة الأراضي لصالح “بوتين”.

وفي إشارة إلى التوترات، حذرت وزيرة الخارجية البريطانية؛ “ليز تروس”، في خطاب ألقته في “سراييفو”، الغرب، من التراجع والإسترضاء، وأصرت على أن الحاجة إلى توريد الأسلحة كانت ملحة، قائلةً: “ما لا يمكننا فعله هو رفع العقوبات، وأي إسترضاء من شأنه أن يجعل بوتين أقوى على المدى الطويل”.

مصدر الصورة: BBC

وأصرت الوزيرة البريطانية على أنه لا يمكن رفع العقوبات الخاصة عن “روسيا” حتى يُغادر “بوتين”؛ “أوكرانيا”، تمامًا. وتحظى الوزيرة بحلفاء أقوياء في “أوروبا الشرقية” و”دول البلطيق”، لكن الأمور تبدو مختلفة بشكل واضح في “باريس” و”برلين”. وترى “تروس” أن أي تراجع في الموقف الغربي قد يؤدي إلى نزاع طويل الأمد.

تبنى وزير الخارجية الأوكراني؛ “دميترو كوليبا”، نبرة ساخرة وغير مفهومة تقريبًا في “المنتدى الاقتصادي العالمي”؛ في (دافوس)، هذا الأسبوع، حول بطء تسليم الأسلحة. وانتقدت “بولندا”؛ “ألمانيا”، بشدة، وفي داخل “ألمانيا” تعرض المستشار؛ “أولاف شولتز”، للهجوم، بزعم أنه بدا وكأنه لا يُريد أن يخرج أي من الجانبين منتصرًا من الحرب، وهو موقف ينفيه “شولتز”.

قالت “ماري أغنيس ستراك زيمرمان”، رئيسة لجنة الدفاع في (البوندستاغ) والعضوة بحزب (الديمقراطيين الأحرار)، لـ (الغارديان): “لا يجب أن يرى العالم ألمانيا في نهاية الحرب على أنها طرفٌ خاسر، لمجرد أننا غير قادرين على التنظيم والتواصل”.

خلافات ومواقف تتغير باستمرار..

في وقت مبكر من الخلافات، اقترحت “ألمانيا” تزويد “أوكرانيا” بسرعة بالأسلحة الثقيلة في: “نظام دائري”، حيث ستوفر دول “أوروبا الشرقية”؛ مثل “بولندا وجمهورية التشيك”، دبابات الحقبة السوفياتية لـ”أوكرانيا”، مع تجديدها بواسطة دبابات (ليوبارد) الألمانية الحديثة. ومن الصعب الكشف عما إذا كان الفشل في تحقيق ذلك يرجع إلى الجمود البيروقراطي أو التسويف، أو هو انعكاس للحالة المستنزفة للقوات المسلحة الألمانية، بحسب الصحيفة البريطانية.

وفي خطاب ألقاه في (دافوس)، حاول “شولتز” رفض المزاعم القائلة إنه لا يفهم حجم القضايا المطروحة، وقال إن الهجوم الروسي، في 24 شباط/فبراير، جاء مثل قصف الرعد. ووصف حرب “بوتين” بأنها: “إمبريالية”، تُحاول العودة إلى زمن كانت الحرب فيه أداة شائعة.

قال “شولتز”: “ليس فقط دولة أوكرانيا على المحك، ولكن النظام العالمي الذي يُلزم القوة بالقانون”. وأدعى أن “بوتين” قد خسر بالفعل كل أهدافه الإستراتيجية. وأضاف: “يبدو أن استيلاء روسيا تم على أوكرانيا بأكملها، بعيدًا عما كان عليه في بداية الحرب. تؤكد أوكرانيا أكثر من أي وقت مضى على مستقبلها الأوروبي. هدفنا واضح، يجب ألا يربح بوتين هذه الحرب”.

وأكد المستشار الألماني في تصريحاته؛ أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام يُمليه “بوتين”، على عكس تصريحات؛ “بوريس جونسون”، الذي أصر دائمًا على أن “بوتين” يجب أن يخسر الحرب، وأن يُشهَد وهو يخسر الحرب.

كانت “تروس” من أوائل الشخصيات الأوروبية التي رددت المزاعم الأوكرانية؛ بأنها لا تستطيع خسارة الأراضي في الحرب، ولكن يجب أن تستعيد الأراضي التي فُقِدَت لصالح الانفصاليين الروس؛ منذ عام 2014. وقال الرئيس البولندي؛ “أندريه دودا”، في “كييف”، هذا الأسبوع: “فقط أوكرانيا هي التي لديها الحق في تقرير مستقبلها، لا يمكن اتخاذ قرارات بشأن مستقبلها بدونها”.

رغم وجود أصوات مختلفة داخل المشهد الدبلوماسي الأوكراني، يبدو أن موقف “زيلينسكي” العام هو نفسه. قال في اجتماع في (دافوس) عبر الفيديو: “عندما تقول أوكرانيا إنها تُقاتل لاستعادة أراضيها فهذا يعني أن أوكرانيا ستُقاتل حتى تستعيد كل أراضيها، هذا لا يعني أي شيء آخر، يتعلق الأمر بسيادتنا وسلامة أراضينا واستقلالنا”.

في الوقت الحالي؛ لا يبدو أن هناك أي احتمال بأن تُشير “روسيا” إلى مثل هذا التراجع، بل على العكس تمامًا، لكن هذا لا يعني أن البلدان لا تتقدم لتقديم خدمات الوساطة الخاصة بها. على سبيل المثال قام رئيس الوزراء الإيطالي؛ “ماريو دراغي”، بإعداد خطة معقدة من أربع نقاط قُدِّمَت رسميًا إلى الأمين العام لـ”الأمم المتحدة”.

ستشمل الخطوة الأولى في الخطة وقف إطلاق نار خاضع للإشراف، و”نزع السلاح” من خط المواجهة. سيكون هذا بمثابة مفاوضات متعددة الأطراف في مؤتمر حول الوضع المستقبلي لـ”أوكرانيا”، وإحياء اقتراح الحياد الأوكراني المستقبلي المدعوم بضمانات أمنية توفرها القوى الكبرى. وهذا يمكن أن يمنح مظلةً أمنية لـ”أوكرانيا”؛ قبل نهاية عملية السلام، ويكون بمثابة بديل لطموح “أوكرانيا” السابق لعضوية الـ (ناتو).

مصدر الصورة: رويترز

ستكون المرحلة التالية هي معاهدة ثنائية بين “أوكرانيا” و”روسيا” حول: “قضايا الحدود”. تُشير لغة الاقتراح إلى حرية تنقّل الأشخاص والحياة الاقتصادية، والحكم الذاتي الفعلي للأراضي المحتلة، ومنطقة اقتصادية واحدة، فضلاً عن الضمانات المدنية للأقليات الروسية، بما في ذلك ضمانات استخدام اللغة. سيكون هذا قريبًا جدًا من “اتفاقية مينسك”، وهي صيغة أشرفت عليها “فرنسا وألمانيا”؛ ولم يُحبها الأوكرانيون قط.

أما المرحلة الأخيرة فستكون عبارة عن صفقة كبيرة بشأن العلاقات بين “الاتحاد الأوروبي” و”حلف شمال الأطلسي” و”روسيا”، وإحياء محادثات الاستقرار الإستراتيجي، ودور جديد لـ”منظمة الأمن والتعاون في أوروبا”، وإعادة النظر في بعض القضايا الأخرى التي كانت تُناقَش بين “الولايات المتحدة” و”روسيا”؛ الصيف الماضي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة