خلال الأسابيع المقبلة .. من “ميلونشون” إلى “لوبان” شبح التعايش السياسي يُطارد “ماكرون” !

خلال الأسابيع المقبلة .. من “ميلونشون” إلى “لوبان” شبح التعايش السياسي يُطارد “ماكرون” !

وكالات – كتابات :

يعود الناخبون في “فرنسا” إلى صناديق الاقتراع؛ خلال حزيران/يونيو الجاري، لاختيار ممثليهم في “الجمعية الوطنية”؛ (البرلمان)، في انتخابات تُمثل مفترق طرق للرئيس؛ “إيمانويل ماكرون”، فهل يتعرض لشل حركته ويضطر لـ”التعايش السياسي” ؟

كان “ماكرون” قد فاز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات؛ التي جرت في نيسان/إبريل الماضي، بعد أن فاز في الجولة الثانية بنسبة: 58%؛ مقابل: 42% حصلت عليها مرشحة اليمين المتطرف؛ “مارين لوبان”، ليُصبح بذلك أول رئيس يفوز بفترة ثانية منذ؛ “جاك شيراك”، قبل أكثر من 16 عامًا.

لكن وبمجرد إعلان النتيجة، وفي خطاب النصر وسط فرحة مناصريه عند “برج إيفل”، إنطلقت التكهنات بشأن العقبات التي تنتظر الرئيس، وظهر على الفور وصف: “البطة العرجاء”؛ على لسان المحللين، والسبب هو الانتخابات البرلمانية، وما قد تُسفر عنه من وضع يوصف فرنسيًا: بـ”التعايش السياسي”.

ماذا يعني “التعايش السياسي” في “فرنسا” ؟

نظام الحكم في “فرنسا”؛ نظام رئاسي يُعطي للرئيس سيطرة شبه كاملة على كافة النواحي التنفيذية في البلاد، ويجعله صاحب القرار الأول في قضايا السياسة الخارجية والأمن والقوات العسكرية، بالإضافة إلى السياسات الداخلية، لكن في حالة انتماء الرئيس لتيار سياسي وفوز تيار سياسي آخر بالأغلبية في “الجمعية الوطنية”؛ أو “البرلمان الفرنسي”، تتقلص كثيرًا صلاحيات الرئيس لصالح رئيس الحكومة؛ الذي ينتمي للأغلبية البرلمانية.

ومن هنا يأتي مصطلح: “التعايش السياسي”، حيث يكون الرئيس مضطرًا لأن: “يتعايش” مع رئيس الوزراء المنتمي للأغلبية البرلمانية، وهو ما يعني ببساطة أن يكون الرئيس مُجبرًا على التخلي عن بعض من الوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، وربما أغلبها، أي أنه يُصبح بمثابة: “البطة العرجاء” سياسيًا.

مصدر الصورة: رويترز

وعرفت “فرنسا” هذا النوع من “التعايش السياسي” ثلاث مرات خلال الجمهورية الخامسة، كانت أول مرة في عهد الرئيس الأسبق؛ “فرانسوا ميتران”، مع “جاك شيراك”؛ (بصفته رئيسًا للوزراء)، في الفترة من: 1986 حتى 1988. وكانت المرة الثانية من “التعايش السياسي”؛ بين “ميتران” أيضًا؛ و”إدوار بلادور”، من: 1993 إلى 1995، أما المرة الثالثة والأخيرة فكانت بين؛ “جاك شيراك”، كرئيس في تلك المرة، ورئيس الوزراء الاشتراكي؛ “ليونيل غوسبان”، من 1997 إلى 2002، بحسب تقرير لموقع (فرانس24).

في تلك الحالة يجد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؛ أنه لا مفر من “التعايش” معًا من أجل تسيير شؤون البلاد. وينعكس هذا الوضع سلبًا، بطبيعة الحال، على رئيس الجمهورية الذي يمتلك في الأحوال العادية أغلب – إن لم يكن كل – الصلاحيات، فيجد نفسه مضطرًا للتخلي عن بعض الصلاحيات المتعلقة بالسياسة الداخلية.

ماذا لو فشل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في “التعايش” معًا إذاً ؟.. يمكن لرئيس الجمهورية أن يُجبر؛ رئيس الحكومة، على تقديم الاستقالة، لكن في تلك الحالة يتم حل البرلمان؛ (الجمعية الوطنية)، والذهاب لانتخابات برلمانية مبكرة، لكن هذا السيناريو لم يحدث خلال المرات الثلاث السابقة من: “التعايش السلمي”.

ما الذي يجعل هذا السيناريو محتملاً بالنسبة لـ”ماكرون” ؟

يرأس “ماكرون” حزب (الجمهورية إلى الأمام)، الذي أسسه قبل انتخابات 2017، وهو ينتمي إلى تيار الوسط سياسيًا، لكن خلال فترة “ماكرون” الرئاسية الأولى؛ أبتعد الرئيس عن الوسط بصورة لافتة، وأصبح أقرب إلى اليمين، وأحيانًا اليمين المتطرف، للفوز بأصواته، وهو ما جعله يفقد قاعدته الانتخابية الشعبية التي أوصلته لـ”قصر الإليزيه”؛ عام 2017، كأصغر رئيس في تاريخ “فرنسا”.

ورغم فوز “ماكرون” بفترة رئاسية ثانية، فإن ذلك لا يعني ترجمة لشعبيته هو أو شعبية الحزب أو التيار السياسي الذي يُمثله، بقدر ما يُمثل رفضًا لليمين المتطرف، الذي تأهلت مرشحته “لوبان” لجولة الإعادة الحاسمة بفارق ضئيل أمام مرشح اليسار الراديكالي؛ “جون-لوك ميلونشون”، زعيم حزب (فرنسا الأبيه).

واعترف “ماكرون” نفسه، في خطاب الانتصار، مساء الأحد 17 نيسان/إبريل الماضي، بهذه الحقيقة، حيث أقر بأن كثيرين ممَّن صوتوا له فعلوا ذلك لمنع “لوبان” من الوصول إلى الرئاسة، وليس لأنهم يدعمون أفكاره. وقال لمناصريه: “لن يُعاني أحد من الإهمال والتهميش، لن تكون المدة المقبلة مثل الولاية السابقة، سنستكشف معًا طريقًا جديدًا للإنجاز من أجل خمس سنوات أفضل”.

أما بالنسبة لحزب “ماكرون”؛ (الجمهورية إلى الأمام)، فقد جاء أداؤه في انتخابات الأقاليم التي أجريت؛ في حزيران/يونيو من العام الماضي، كارثيًا بكل المقاييس، إذ لم ينجح أي من مرشحي الحزب، بل ولم يتأهل أي منهم لجولة الإعادة الحاسمة من الأساس، في مؤشر واضح على مدى تراجع شعبية الحزب، الذي يرى كثير من المراقبين أنها مرتبطة بالأساس بشعبية “ماكرون” نفسه.

وقد بدأت بالفعل العملية الانتخابية، إذ تقدمت الأحزاب السياسية بأوراق مرشحيها خلال الفترة من: 16 إلى 20 آيار/مايو الماضي، فيما تجري الجولة الأولى من التصويت؛ 12 حزيران/يونيو الجاري، والجولة الثانية يوم 19 من الشهر نفسه.

وقد أعلنت “مارين لوبان” عن ترشحها بالفعل، وهو ما يعني أنها ستكون مرشحة فوق العادة لرئاسة الحكومة، إذا ما فاز تيار اليمين المتطرف؛ الذي تنتمي إليه، بأغلبية برلمانية في تلك الانتخابات، وهذا الاحتمال وحده كفيل بأن تكون هناك حاجة ملحة لإعادة تعريف: “التعايش السياسي” في “فرنسا”، فـ”لوبان” و”ماكرون” تَواجها في الانتخابات الرئاسية مرتين متتاليتين، والعداء بينهما لا يحتاج للتوضيح، فكيف يمكن أن “يتعايشا” معًا ؟

ماذا يعني “تقييد” ماكرون سياسيًا ؟

تسعى الأحزاب السياسية الكبرى في “فرنسا” إلى الفوز بأكبر عدد من مقاعد “الجمعية الوطنية”، البالغ عددها: 577 نائبًا، فالتكتل السياسي الذي ينال الأغلبية يُمكنه تغيير القوانين وفرض أجندته السياسية من خلال التشريعات، هذا بخلاف مراقبة أعمال وأداء الحكومة، ومساءلة الوزراء كتابيًا أو شفهيًا مرتين في الأسبوع؛ (الثلاثاء والأربعاء)، بشأن المستجدات السياسية والاقتصادية في الدوائر الانتخابية التي فازوا فيها، أو حول مواضيع تتعلق بالشؤون الداخلية للبلاد.

ويمكن لأي تكتل سياسي فائز بعدد: 185 مقعدًا؛ أن يطلب تنظيم استفتاء شعبي بخصوص أي تغيير دستوري يراه مناسبًا، شرط أن تحصل هذه المبادرة السياسية على: 04 ملايين توقيع من قِبل الناخبين. أما فيما يخص عملية الرجوع إلى “المجلس الدستوري”، لكي يبتّ في شرعية قانون ما أو حكم ما، فهذا يتطلب من الحزب أن يضم: 60 نائبًا في “الجمعية الوطنية”. وفي حال وقع: 58 نائبًا على اقتراح يقضي بسحب الثقة من الحكومة، يتم قبل كل شيء تنظيم نقاش عام ينتهي بالتصويت على هذا الاقتراح.

وقد تشكّلت بالفعل تكتلات سياسية في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أبرزها الاتفاق بين حزب (الخُضر) وحزب (فرنسا الأبية) اليساري، بزعامة “ميلونشون”، وفقًا لما ذكره زعيما الحزبين قبل أيام، مع سعي اليسار لتشكيل جبهة مشتركة في مواجهة “ماكرون” في الانتخابات البرلمانية.

مصدر الصورة: آسوشيتد برس

وتُشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن “ماكرون” ما زال بإمكانه تفادي سيناريو: “التعايش السياسي”، الذي سيكون بمثابة كابوس حقيقي للرئيس، سواء فاز اليمين المتطرف بزعامة “لوبان”؛ أو الجبهة المشتركة من اليسار الاشتراكيّين.

فقد أظهر استطلاع أجرته مؤسسة (هاريس إنتراكتيف)، في الفترة من: 24 إلى 25 نيسان/إبريل الماضي، أن اليسار الموحد سيحصل على: 33% من الأصوات، بالتساوي مع تحالف حزب “ماكرون” والمحافظين، رغم أن ذلك يمكن أن يتحول إلى أغلبية لصالح الرئيس في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية.

وأظهر الاستطلاع نفسه حصول اليمين المتطرف على: 31%، رغم أن التحركات لبناء تحالفٍ أقل وضوحًا في نهاية الأمر، حيث ينقسم أعضاء المحافظين بين الرغبة في الانضمام إلى ائتلاف “ماكرون”، أو البقاء مستقلين أو الميل إلى صف “لوبان”.

وتُعتبر قضية سن التقاعد في “فرنسا”؛ حجر الزاوية في الإصلاحات التي يُريد “ماكرون” إدخالها، حيث يُريد رفع سن المعاش في البلاد إلى: 65 عامًا، إضافة إلى حزمة أخرى من التعديلات يرفضها جميع المنافسين له في الانتخابات؛ “كلوبان” و”ميلونشون”، اللذين يُريدان تحديد سن المعاش عند: (60 عامًا)، إضافة إلى وعود أخرى، عكس ما يُريد “ماكرون” تنفيذه اقتصاديًا تمامًا.

يقترح “ميلنشون” رفع الحد الأدنى للأجور وخفض سعر الوقود إلى يورو واحد فقط، إضافة إلى تقديم منحة طلابية تُقدر: بـ 1063 يورو، بينما يرى “ماكرون” أن هناك ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد، ويُريد تقديم إمتيازات أكثر لأصحاب الأعمال بغرض خلق مزيد من فرص العمل، وهي الإصلاحات التي يصفها منتقدوه بأنها تخدم الأغنياء فقط.

الخلاصة هنا؛ أن فكرة “التعايش السياسي”؛ في “فرنسا”، تبدو احتمالاً واردًا بقوة عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهل يجد “ماكرون” نفسه مُجبرًا على قبول أي من أبرز منافسيه، “لوبان” أو “ميلونشون”، كرئيس للوزراء ؟.. الإجابة ستتضح للجميع خلال أسابيع قليلة.

مصدر الصورة: رويترز

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة