عندما أتابع الفضائيات اليوم، اشعر بالضنك والضيق يجثم على صدري، وأنا أرى كيف تغيرت أذواق الجمال عند المخرجين والمنتجين عن ذي قبل. انه تحول ذوقي لا يمكن تفسيره سوى عن وجود خلل في منظومة ومقايس وقواعد الجمال المتعارف عليها، والتي لا تختلف عليها الأجيال. ربما يكون التأكيد أن يكون عنصر الجمال المؤثر حاضراً في العنصر النسائي كي يستطيع المشاهد الانسجام والمتابعة لدرجة الإدمان من شروط دخول المجال الفني فضلاً على الموهبة. لذا ظهر جيل من الفنانات، وحتى وقت متأخر من (الصاكات) حتى أصبحن أيقونة التلفزيون والسينما، فأسرن أفئدة النساء قبل الرجال غيرةً وشهوةً.
وكان لفنانة ميزة جمالية تنفرد بها عن الأخريات، ولعل أكثر ما يجذب المشاهد، هُن العيون قبل دخول العدسات اللاصقة، وعلميات التجميل حيث الجمال على (البلاد) أي على طبيعتهِ التي خلقها الله عليها، وجعله آية من الجمال الرباني. تأتي الممثلة (زبيدة ثروت) في مقدمة الفنانات اللاتي استطعن أن يكون لهُن أثراً في نفوس المتابعين بما تملكهُ من عينين واسعتين ملونتين كأنهما آيتين من السحر يأخذان المشاهد إلى أجواء الشرود الذهني، والسبح في فضاءات الخيال والتأمل. نجد هذه الفنانة تمثل أيقونة البراءة الهادئة لدرجة أن الجميع يتعاطف معها، ويبرر لها بعض الأخطاء التي ترتكبها. ربما وجد بعضهم في صفاء الصورة النموذج الطفولي الساحر الذي يأسر العباد ويخطف الألباب. مثل هذا النوع من الجمال كما له أنصار، فانه له أعداء ومتحاملين عليه، وربما تكون جارتنا (أم جبار) من أكثر الناقمين على هاتين الآيتين الساحرتين التي تميزت بهما (زبيدة ثروت) ، فلا يُعرض فيلم على التلفزيون إلا تعالت أصوات العراك بين الزوجين (أبو جبار وأم جبار) لان الأخيرة ترى في كلمات المديح والإشادَ بجمال (زبيدة ثروت) أنما هو تجاوز على الأملاك الخاص لها، وفي حين يبرر( أبو جبار) هذا التصرف بأنه الانتصار للجمال ودوره في الحياة. كلا الطرفين على نقيض في نظريته وكل نقاشٍ ينتهي بمعركة وصراع تكون نتيجتها ذهاب (أم جبار) إلى بيت أهلها (زعلانة)، لتدخل أهل المنطقة الخيرين في عودة المياه إلى مجاريها. عندما يتم التنويه أن الفيلم اليوم العربي سيكون من بطولة (زبيدة ثروت) يستعد أهل المنطقة إلى سماع الأصوات وهي تتعالى من بيت ( أبو جبار) قبل نهاية الفيلم. كانت (أبو جبار) من هواة وقراء مجلة الكواكب ،عندما تنشر صورة فنانته المفضلة، فأنه يسعى إلى الحصول على العدد مهما كانت ثمن النسخة ،وفي حين تقتنص ( أم جبار) عدم وجود الزوج في الدار لتجعل صور ومجلات (أبو جبار) (جيمة) لتنورها الطيني .
كما للعيون الواسعة الجميلة متابعين،فان لحركتها(غمزتها) أيضا أنصار، وهم يجدون في هذا الفعل نوعاً من أساليب الجمال التي تلهب المشاعر وتسحر القلوب. وتعد (غمزة سميرة توفيق) التي تطلقها بين الفينة الأخرى على مشاهديها كأنها رجة كهربائية تفقد الإنسان توازنه ، من أشهر حركات العيون الجريئة . بعض الرجال وجدوا في (غمزة) العيون هذه سلوتهم في الهروب إلى مجالات المجهول. وربما يكون هذا من أهداف الفن أن يجعل الإنسان حالماً يبتعد عن مشاكله وهمومه اليومية للحظة من الزمن. وقد أوهمت هذه (الغمزة) بعض الرجال هم دون غيرهم المقصودين بها، فراح جيراننا (سعد أبو النفط ) يسرح في مخيلتهِ أكثر ممّا يجب، فلم يكن على لسانه سوى (سميرة توفيق)، وسحر عيونها لدرجة انه ملأ غرفته بصورها التي يشتريها من( باب الشرقي)، ولا يفوت فليماً يكون من بطولتها لدرجة انه يصرف ما يحصل عليه من بيع النفط على مشاهد الأفلام وشراء الصور. ولكن الحرب السنوات الثماني حرمت (سعد أبو نفط) من (غمزة سميرة توفيق) بعدما سلبت رصاصة حياته ليعود جثةً محمولة على سيارة أجرة في يوم من الأيام، لم تبقى سوى صور(سميرة) معلقة على جدران غرفته.
تختلق متابعة الفنانات الجميلات – فيما مضى – والحديث عن جمالهن الآسر مشاكل زوجية، لاسيما في ظل وجود طرفين متناقضين ،الأول يبالغ في آيات الثناء والمديح والثاني غيرة بعيدة المسافة لا تُحرق سوى نفسها.
اليوم أصبحت مقايس الجمال مشوهة،غير واضحة معالم، لاسيما أن هوس علميات التجميل سلب الكثير من التمتع في مشاهدة الجمال على طبيعته. وتغير أشكال الفنانات في كل مرة شوهت تلك الصورة الواضحة وخفف حدة بين المتعصبين والمتذوقين للجمال وجعلهم غير مكترثين بمتابعة تلك وهذه الفنانة بعد أن لبس بعضهن ثوب الرجال، وتمردنَ على فطرة الله التي خص بها النساء دون غيرهن من خلقه .