ان مفهوم الصبر يعني ثبات النفس وعدم اضطرابها في الشدائد والمصائب، ومقاومة خروج النفس عن سعة الصدر وما كانت عليه قبل ذلك من السرور والطمأنينة، فيحبس الانسان لسانه وجوارحه عن اي فعل لا يتناسب مع الهدف المنشود من الصبر.
صبَرَ اولياءُ الله وانبياؤه على مشاقِّ الدعوة إلى الله، فنوح عليه السلام قضى ألف سنة في الدعوة صابراً، وإبراهيم عليه السلام اُلقي في النار فواجه بلاءه بالصبر، وموسى عليه السلام صبر على أذى فرعون وجبروته، و عيسى عليه السلام صبر على تكذيب بني إسرائيل له، وأمه عليها السلام صبرت على طعن عفّتها ونزاهتها، وأيوب عليه السلام صبر على البلاء وفقد الاهل والمال والعافية، وصبر نبي الله اسماعيل عليه السلام على الذبح مسلّماً، وكل انبياء الله واولياؤه الصالحون قابلوا امتحاناتهم وبلاءاتهم بالصبر، فكان لهم جزاؤهم عند الله.
قال تعالى:
{الذينَ اذا اصابَتْهم مصيبةٌ قالوا انّا للهِ وانا اليهِ راجِعون اولئِكَ علَيهم صلواتٌ من ربِّهم ورحمةٌ واولئِك همُ المهتَدون} البقرة ١٥٦.
سلامٌ على تلك التي لم تقابل المصائب و البلايا التي واجهتها بالصبر؛ بل قابلتها بما هو اعظم من الصبر، ألا و هو الرضا و مطلق التسليم بقضاء الله حين وقفت على جسد اخيها ابي عبد الله عليه السلام وقالت:
(اللهم تقبل منا هذا القربان)
إنها طود الصبر الشامخ زينب بنت علي عليهما السلام، كان صبرها اعظم انواع الصبر، لأنه من مرتبة الصبر الجميل، قالت مريم القديسة عندما نزل بها البلاء:
{ليتني مِتُّ قبل هذا وكنتُ نَسيَاً مَنسِيّا}سورة مريم: ٢٣.
وقال اسماعيل النبي عندما نزل به الذبح:
{يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين} الصافات: ١٠٢.
وقال ايوب عندما نزلت به الشّدة:
{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} الأنبياء: ٨٣.
و يونس عليه السلام عندما امتحنه الله في قومه ذهب مغاضباً وترَك ما كان اولى به أن يفعله.
بَيْـدَ ان السيدة زينب الكبرى في وصف امتحانها الذي ما مر على احد من السابقين بأفجع منه، حينما سألها اللعين ابن زياد: كيف رأيتِ صنع الله باخيكِ؟
كان جوابها: ما رأيتُ الاّ جميلا.
ما أجملَ قولها!
فهل كان صبرُها على وجه التجلّد؟ حاشاها فهو دون صبرها بدرجات عظيمة
أم انه كان صبرُ المتقين؟
وهو الصبر الذي يكون لِتوقّع ثواب الاخرة..
أم إنه كان صبرُ العارفين؟
وهو التلذذ بالمكروه؛ نظراً لكونه صادراً من الله المحبوب الرؤوف.
ام إنه كان صبر الامتثال لعين ما يريده الله تعالى لتوقف عملية الهداية الربانية عليه؟
لقد كانت الصديقة الصغرى الحوراء زينب عليها السلام، سيدة الصبر بلا منازع و بطلة ميدان العلم بلا مدافع، ولا يليق بشأنها الا النوع الذي يتجلى فيه تمخض خلوصها لله؛ لأنها عالمة غير معلمة وفَهِمة غير مُفَهّمة، وقد حوَت من المعرفة مالا يطيقه بعض الانبياء، فذابت في حب الله تعالى حتى اضحت ترى التفجع بالاحباب جميلاً..
إلا إنه عند المقارنة بين صبر العقيلة زينب وصبر الامام المنتظر صلوات الله عليهما نجد ان صبر صاحب العصر والزمان يفوق صبر السيدة العقيلة، فصبره اعظم وانتظاره اطول، ومصائبه اكثر، وحسبك ان صبره بابي وامي صبر إمامها.
لهف نفسي لمن قضى الفاً ومئة وسبع وثمانين سنة، محتسباً راضياً متوكلاً مسلّماً، ومشاهِداً لرزايا آلهِ الاطهار وشيعته تتكرر عليه كل يوم فيصبر عليها منتظراً لِوعد الله، ولن يخلف الله وَعده، ولَعمري ما اصعب الصبر على ما جرى على ال محمد صلوات الله عليه وعليهم.
ورد في كتاب الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (إنّ أعلمَ الناسِ باللهِ أرضاهم بقضاء اللهِ عزّ وجل)
كما ان الله تعالى وعَدَ في كتابه الكريم أن مع كل عُسرٍ يُسران:
( فإن مع العسر يسرا، ان مع العسر يسرا) لذلك فلابد ان ينجلي ظلام الغيبة وليلها عن صبح طلعته البهية ولابد ان تُشرق الارضُ بنور ربها الموعود بالنصر.
اللهم اجعلنا من الثابتين المنتظِرين لأمرك، الناصرين لوليك وَالذابين عنه والمسارعين اليه في قضاء حوائجه، والممتثلين لأوامره، والمحامين عنه، والسابقين إِلى ارادته، والمستشهدين بين يديه، وارزقنا الصبر على ذلك كله، والتسليم والتوكل والرضا.