القسم الرابع
الرسوم والتشريفات:
ولـيـس تقديس النار وتعظيمها وعبادتها من الأشياء الساذجة والبسيطة، بل لها تشريفات عجيبة وغريبة، ونحـن نـنـقل هنا قسماً من هذه التشريفات عن كتاب (مزدیسنا وادب پارسی) الدكـتـور محمد مـعين(1914 – 1971م) الاستاذ في جامعة طهران الـذي يـدافع عنها أوعلى الاقـل عـن تـعـظـيـمـهـا وتـقـدسيهـا، ويوجد قسم منها في سائر الكتب المجوسية والتي تدافع عنهم، وهي بعد باقية بينهم الى اليوم. ينظر: مرتضى مطهري، الاسلام وإيران، ص169.
يقول الدكتور معين :” في ديـن مـزديـسـنـا تشريفات كثيرة، كما في الكاثوليك، وعلى خلاف الإسلام، أمـا الـتـشـريـفات في مورد معابد النيران: فينبغي أن يكون المعبد في فسحة وسيعة، ويوجد في كل معبد کانون خاص لايقاد النيران لا يحق لاحد الدخول اليه إلا للموبد المحافظ على النيران أو(آتربان) وحينما يدخل (آتربان) الى النيران يجب أن يتلثم على فمه بلثام يسمى (پنام) کی لا تـتـلـوث الـنـيـران مـن أنفاسه، وفي الطرف الايمن من مقر النيران غرفة وسيعة مربعة تنقسم الى أقسام متعددة متساوية، كل قسم منها لوظيفة خاصة، تسمى هذه الغرفة (يزشن گاه) أي محـل تـشـريفات العبادة… وكان قد تقرر في شريعة زرادشت: أنه لا ينبغي أن تسطع الشمس على النار المقدسة. والعجيب أن الزرادشتيين والمدافعين عنهم يحاولون توجيه تقديس النار بعنوان أنها من جنس النور، والنورعنصر مقدس لأن الله هو نور الأنوار، وهم من ناحية أخرى يرون أن سطوع الشمس على النار يسبّب تلويث النيران؟!.
ولهذا فقد عملوا في بناء غرفة النيران طريقة خاصة: جـعـلـوها مظلمة يتوسطها كانون النيران، ويوجد في معابد النيران مشاعل مختلفة باختلاف درجات الأسرالإيـرانـيـة: (آتـش خـانـه: نـارالاسرة)، و(آتش قبيلة: نارالقبيلة)، و(آتش قرية: نارالقرية)، و(آتش بلوک: نارالاقليم)، ويسمى محافظ نارالأسرة (مانبذ). وكان قد تقرر لصيانة النيران رجلان من رجال الدين، ولصيانة نارالاقليم هيئة روحانية برئاسة موبد من الموابدة. ومن نسك الافستا الساسانیة منسك یسمى (سوزگر) وقد كتب بشأنه في بـاب عـبـادة النيران تفصيل خليط بقصص وأساطير جاء فيه: كان المعبد مليئاً من ريح الـكـنـدر(هو نوع من النباتات، التي يُستخرج منها صمغ الشجر أو اللبان، الذي يمكن مضغه، كما يُستخدم كبخور بسبب الرائحة الجميلة، التي تنتج عند حرقه)، وغيره من المواد العطرية، وكان عند النار رجل من الروحانيين قد تلثم بلثام على فمه أي لایـلـوث بنفسه النار، وبيده عود قد طهر طبق الآداب الدينية يقلب به النار يوقدها، وكـان هـذا الـعـود غـالـباً من نبات موسوم به (هدانه اپتا)، أجل كان ذلك الرجل الروحاني يـقـلـب الـنـار كـل حين بهذا العود الذي كان يسمى (برسمه)، وكان قد قطع طبقاً لآداب خـاصـة، يشعل النار به ويدعو بدعـوات خاصة، ثم كان سائر الروحانيين ينثرون (هئومه) وكـانـوا في اثـنـاء تـلاوة الأدعـيـة أوالآفستا يـدقـون أغـصـان نـبـات (هئومه) في هاون بعد تطهيرها، وكان يوجد في (يزشن گاه= محل عمل التشريفات) آلات وأدوات كل منها تفيد في تشريف خاص من التشريفات، هي كما يلي:
ا و ۲ – هاون و مدها، وهي بمنزلة ناقوس المسيحيين وتستعمل الآن عندهم كذلك، وكان في الأصل لدق اغصان نبات هئومه .
۳- برسمه، الذي كان يقطع من شجر(هدانه اپتا) وهو شجر كالرمان، واليوم
يصنع من الفضة او البرونز، ويقلب به النار.
4- برسمدان = محل عود برسمه.
5- برسمچين، وهوسكين صغير يقطع به عود برسمه من شجر(هدانه اپتا).
6- كؤوس لنبات هوم وپراهثوم والمياه المقدسة.
۷- طوس صغار من نوع الطسوت لنفس نبات هثوم و پراهثوم، وهي فيها تسع ثقوب.
8- الورس، و هو حبل صغير حیك من شعر البقر، ويشد به عود برسمه.
9- حجر كبير باسم (أرو يس گاه) وهو حجر مربع، تجعل عليه تلك الآلات السابقة .ينظر: محمد معين، مزديسنا وأدب بارسى، ص297 – 305.
ويستطر الدكتور معين بالقول: “جاء في القواميس الفارسية: برسمه: فروع رفيعة لا عقدة فيها، وهي بمقدار شیر، يقطع من شجرهثوم، وهو شجر يشبه شجر (گز) فان لم يكن هوم فن الگز، فان لم یکن گز فمن شجر الرمان. وأدب قطعه: أن يطهر برسمچین – وهو السكين الصغير لقطعه – بالماء ثم يتلى عليه بعض الأدعية التي تتلى حين عبادة النيران وغسل الابدان واكل الطعام – ويجب ان يكون ممسكة المدية أيضا من حديد – ثم يقطع بها عود برسمه”. المرجع السابق، ص401.
ثم يقول :”حينما يشتغل موبد بقراءة الأدعية حاليا، يراقب النار موبد آخر يأخذ بيده فروع برسمه من برسمدان و يديرها ثم يعطيها من يمينه لشماله وبالعكس ثم يرجعها الى برسمدان.
بعد ذلك ينقل الدكتور محمد معين مقطعاً طويلاً من كتاب زند آفستا الذي الفه المستشرق اليهودي الفرنسي دارمشتاتر بقوله”: کتب دار مستتر في زندآوستا يقول: لنا قسمان من معابد النيران: معابد کبارتدعی (آتش بهرام) وصغيرة تدعى (آدران) او (اگبارى). ويوجد الآن في مبي(= بومبي) هندوستان ثلاثة من القسم الأول ومئة من الثاني. والفرق بين الأول والثاني في كيفية النار وكيفية تحضيرها؛ فان تحضير ناربهرام يمتد سنة کاملة، وهي تتشكل من(13) من أنواع النيران فهی تعد کجوهر روحى لجميع النيران المعبودة، وهي تستلزم تشريفات مختلفة جاء توضيحها في وندیداد- فنديداد (أحد اجزاء الافستا الساسانية). وقد جرت السُنة لدى المجوس أن يكون في كل حوزة من البهدينين أي الزردشتيين من النوع الأول (بهرام) واحد. ويعتقد بعض رجال دينهم بأنه لا يجب أن يكون لهم اكثر من (بهرام) واحد فقط في كل اقليم؛ اذ هونار الملك ولايمكن أن يكون ملكان لاقليم واحد!، وبما أنها نارالملك فيلزم لها اريكة ملوكية، ولذلك فهم ينظمون لها ستة قطع من خشب الصندل بصورة أريكة مدرجة”. محمد معين، مزديسنا، المرجع السابق، ص355 – –57.
وفي الاخير يعلق المفكر والعلامة الايراني مرتضى مطهري على هذه المراسم والتشريفات الخاصة بطقوس عبادة النيران بقوله:” أجل؛ هذا هو قسم من مراسم وتشريفات تعظيم وتقديس النيران للزرادشتيين. ولا كلام لي الآن حول توحيدية هذه الاعمال أوشرکها؟ لكني أود أن تفکر أنت أيها القارئ في هذه المراسيم منطقياً وعقلياً، ثم ترى هل تجد أنت أشد خرافة من هذه الأعمال في العالم ؟ ثم قسها أنت بالعبادات الاسلامية: الصلاة والأذان والجمعة والجماعة، والحج والمساجد ونسك العبادات في الإسلام، والأذكار والأوراد والتسابيح الإسلامية، ثم ترى أنت بنفسك البون الشاسع بينها، ثم ترى هل كان يحق للامة الايرانية حينما واجهت هذه التعاليم القيمة ان تنبذ ما كان يعبد آباؤها أم لا؟!”. مطهري، الاسلام وإيران، ص198.
ولا بأس هنا أن نورد شيئا من صدی بوم من البومة ونعرف القراء الكرام بقيمة هذه الاصداء و النعرات… کتب ابراهیم پورداود بشأن بيت النار في بلدة (نوسارى) الهندية، التي تعرف باسم (ایرانشاه) وهي من نوع (بهرام آتش) يقول :مسطورفي سُنة الفرس: أن الايرانيين حملوا نار بهرام معهم من ایران، ولعله حق، اذ نقرأ في: تاريخ الطبري والمسعودي: أن الايرانيين كانوا يحملون نار بهرام معهم حين هزيمتهم إلى مناطق أوغل في ایران وأبعد عن الفاتحين(= المسلمين)، مخافة أن تقع النيران بأيديهم فيطفئوها، وبيوت النارالايرانية وأن خمدت تدريجيا وأبدلت بمساجد، ولكنهم لم يألوا جهداً في صيانتها عن الخمود. وأن یزدجرد الثالث(= الملك الساساني الاخير) حينما انهزم في (نهاوند) حمل معه نار(وی) المقدسة إلى (مرو) بشخصه. أن كان بيت نار (ایرانشاه) في (سنجان) بنيت عام ۷۱۹م مع ذلك مضى اليوم عليها أكثر من ۱۲۳۰عاما، وهي لا زالت تراقب عن کثب حيرة أتباعها في الاقليم الاجنبي لكنها لم تفقد لونها الأحمر في حوادث الدهر، بل كانت تدعو أصحابها بلسانها الحار إلى الاستقامة والحرارة. وبعد هزيمة (سنجان) أقامت في (نوساری) 235 عاما، إلا انها خمدت عامين من عام ۱۷۳۳م الى ۱۷۳۲م … ويمضي عليها اليوم 204 أعوام وهی تضي في هذه القرية، وحولها آلاف من الزرادشتيين فيهم الدساترة والموابدة والهيربدان والبهدینان، ويزورها مجوس ایران وفرس هندوستان ولا سيما في أشهر اردیبهشت وآذرماه، وفي هذا البيت (ایران خديو) أي (ایرانشاه) يعلو صوت نشد اوستا من الموابدة البيض كل صباح وضحی ومساء. ان ایرانشاه تذكرنا بخدامها الذين يبلغون المئات – ببيوت: نارشیزه، وري ، واستخر ما كان لها من جلال الساسانيين. محمد معين، مزديسنا، ص358 – 359.
بعد ذلك يصب الاستاذ مرتضى مطهري جام غضبه على الاكاديمي والباحث الايراني ابراهیم پورداود(1886 – 1968م) فهل من أحد يصدق أن يتجاهل هكذا، رجل يدعي أنه من اساتذة جامعة طهران؟! ولا أدري أهي جهالة أم تجاهل؟ ولكني اقول: شاهت وجوه ربائب المستعمرین العملاء الخونة المجرمين!…، نقلاً عن مطهري في كتابه: الاسلام وإيران، ص196 – 199.