خلال السنوات الثمانية عشر الماضية على سقوط نظام البعث في العراق وعلى الرغم من المشاركة الطوعية للكورد في بناء هيكلية النظام الجديد في العراق من خلال اسهامهم الفاعل في كتابة الدستور وتشكيل الحكومات وارسال قوات البيشمركة الى بغداد للحفاظ على كيان الدولة العراقية،إلا أن الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق خلال تلك الفترة حاولت بشتى السبل الضغط على أقليم كوردستان بغية القضاء عليه تماماً او تحجيمه على الأقل وذلك لعشعشة العقلية الشمولية في اذهان معظم الساسة العراقيين.
خلال الاعوام التي تلت انهيار وسقوط البعث في العراق، تم خرق 55 بنداً من بنود الدستور العراقي وفق تقييم خبراء القانون،إلا إنني أود الاشارة الى اهمها كي لا اطيل على القارئ الكريم.كانت ابرز تلك الضغوط هو التنصل عن تنفيذ المادة 140 من الدستور وابقاء مصير المناطق الكوردستانية خارج الاقليم مجهولا وكذلك عدم المصادقة وإقرار قانون النفط والغاز في مجلس النواب العراقي وذلك لعدم ايمان القوى الحاكمة بعد 2003 بالحقوق القومية لشعب كوردستان ومستحقاته القانونية والدستورية، ما ادى الى تفاقم الأوضاع وتأزم العلاقات بين اربيل وبغداد التي انتهت بقطع موازنة أقليم كوردستان من قبل حكومة نوري المالكي واستمرار هذه السياسة العدوانية ضد شعب كوردستان حتى يومنا هذا.
تشكيل قوات دجلة من قبل حكومة المالكي في 2012 وتحريكها نحو كركوك في ذلك الوقت،كان ضغطاً واستفزازاً آخر لحكومة اقليم كوردستان وذلك في محافظة مهمة وحساسة للغاية،ولولا حكمة وذكاء القيادة في أقليم كوردستان،لكان الأصطدام بين قوات البيشمركة والجيش العراقي لابد منه ولكانت الأمورتنقلب على عقب وربما تنتهي بنسف العملية السياسية برمتها.
احداث 16 اكتوبر2017 وهجوم القوات العراقية بجميع مسمياتها بدعم اقليمي على كركوك وجميع المناطق الكوردستانية خارج الأقليم والسيطرة على تلك المناطق بأستخدام القوة العسكرية والذي كان خرقا صارخا للمادة 9 أولا من الدستور العراقي الذي ينص على عدم زج القوات المسلحة في حل وفض الخلافات السياسية،وفرض حصار جائر على شعب كوردستان عبرغلق المطارات والمنافذ الحدودية، كانت محاولة للسيطرة على جميع محافظات اقليم كوردستان لولا صمود ومقاومة قوات البيشمركة في ملاحم بردي وسحيلا بوجه القوات التي كانت تنوي الزحف نحو اربيل.
استمرار تجويع شعب كوردستان بقطع موازنته وقطع رواتب الموظفين وقوات البيشمركة كان وما يزال ورقة ظالمة ولا أنسانية بيد القوى الشوفينية الحاكمة في بغداد، لتركيع الشعب الكوردستاني والتخلي عن حقوقه الدستورية، لكن شعب كوردستان ما يزال صامداً إزاء سياسة التجويع ليعيش بكرامة وكبرياء على ارضه وإفشال مخطط القوى المنفذة للأجندة الأقليمية التي تسعى وبكل السبل ايقاف عجلة النمو والتطور في اقليم كوردستان.
قصف المناطق الآمنة في اربيل من قبل الميليشيات المنفلتة والحرس الثوري الأيراني الذي اعترف رسمياً بذلك وخلق حالة من الخوف والرعب بين سكان اقليم كوردستان وبالاخص العاصمة اربيل والتلويح بأستمرار هذه الممارسات الجبانة هي محاولة اخرى لتركيع شعب كوردستان وحكومة الأقليم والحزب الديمقراطي الكوردستاني للتخلي عن الحقوق الدستورية والقانونية والتنازل عن مواقفه السياسية ازاء تصحيح مسار العملية السياسية ووضع نهاية للأوضاع المأساوية في البلاد.
لم تكتف القوى الشوفينية وأسيادها في المنطقة بكل تلك الضغوط،حيث قامت هذه المرة باستخدام اهم قوة في هيكلية نظام الحكم في العراق كأداة ضد مصالح الشعب الكوردي،ألاوهي المحكمة الاتحادية التي ينبغي لها تكون حيادية ومنصفة في قراراتها كونها الجهة الوحيدة التي يلتجأ لها جميع العراقيين، إلا أن تلك المحكمة قامت بأصدار قراراً بأبعاد مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني لمنصب رئاسة الجمهورية من دون وجه حق،كون هذه الشخصية لم تدان بأية مخالفة قانونية وماالصق به هي مجرد تهم كيدية سياسية.
عد قانون النفط والغاز الذي اقره برلمان كوردستان في 2007 بالغير دستوري من قبل المحكمة الاتحادية، كان قرارا سياسيا مجحفاً بأمتياز بغية تجفيف موارد اقليم كوردستان ومضاعفة الضغوط النفسية والاقتصادية على مواطنيه. كان الأجدر بالمحكمة ان تنصف الشعب الكوردي واصدار قراراً بضرورة صرف مستحقاته الدستورية والقانونية التي قطعت منذ اكثر من ثمانية اعوام وأنهاء تجويع ومعاناة الشعب الكوردستاني.
هنا لابد من الأشارة الى الأهداف الخفية الرئيسة وراء كل تلك الضغوط والتي تتلخص فيما يلي:
1- تأخير تحقيق الحلم الكوردي الكبير في انشاء كيانه المستقل في المنطقة، واستمرار سياسة الظلم والاضطهاد والأنصهار القومي ضد شعبنا من خلال تنفيذ سياسة التعريب والتفريس والتتريك في المناطق الكوردية في اجزاء كوردستان الأربعة.
2-نسف الدستور العراقي الذي صوت عليه اكثر من 85 % من الشعب العراقي ومحو كيان اقليم كوردستان الذي انشأ قبل التغيير بأثنا عشر عاماً واعادة هيمنة بغداد على كامل محافظات ومدن وقصبات وقرى اقليم كوردستان.
3-الغاء النظام الفدرالي المثبت في الدستور العراقي، لمنع اية محافظات او مكونات اخرى من المطالبة بتشكيل الأقاليم الفدرالية مستقبلاً والأستمرارعلى النهج الفاشل للحكومات التي تعاقبت على حكم العراق على مدى اكثر من قرن والتي لم تجلب للبلد سوى الحروب والويلات واراقة الدماء وتدمير الاقتصاد ومايعانيه الشعب العراقي اليوم من فقدان الخدمات والبطالة والفقر والعوز وتأخر البلاد عن ركب التقدم والتطور الحضاري في العالم هي نتيجة تلك العقلية المتخلفة الفاشلة.
4-تحجيم قوة وقدرة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومحاولة ايجاد هوه بينه وبين قاعدته الجماهيرية الكبيرة بأعتباره الحزب الوحيد الذي لا يساوم ولايداهن على حقوق شعب كوردستان، وكان ومايزال متمسكا بالمبادئ والاهداف التي ناضل من اجلها على مدى اكثر من سبعة عقود وقدم تضحيات جسام من اجل تحقيقها.
5-عودة الاجهزة الحكومية الشمولية كالسابق الى محافظات ومدن اقليم كوردستان واذلال المواطن الكوردستاني بعودة الأجهزة الحزبية والامنية القمعية لأحزاب السلطة التي لاتختلف في الفكر والنهج عن الاحزاب التي حكمت العراق على مدى القرن الماضي،بل ان الاحزاب الحالية هي اكثر شوفينية وعنصرية من التي سبقتها في ممارستها ازاء الشعب الكوردي وحقوقه القومية العادلة.