17 نوفمبر، 2024 2:40 م
Search
Close this search box.

شاعر البنفسج كان رماديا مع الاحتلال

شاعر البنفسج كان رماديا مع الاحتلال

في مماته، كما في حياته؛ يثير مظفر الجدل بين عاشقي اشعاره؛ الممزوجة بالطين؛ والقهر، واللوعة؛ والغضب، الضاجة بالشتائم.
قدس المتلقي العربي النواب؛ لانه عبر عن سخطهم وغضبهم الأبدي على انظمة الفساد والاستبداد.
تغنى العراقيون، عاشقون فطريون، وثوريون محترفون، بالريل وحمد، بسعود “بيرق الشرجية”؛ غير الهياب بالاقطاعية.
حين تعدى عمر الحزب الثلاثين، وبلغ خلاف مظفر مع الخيمة الحمراء حد الانشقاق؛ ظل المختلفون يتغنون باشعار البغدادي سليل أسرة النواب؛ المعفرة بنسيم الاهوار العليل ، وبردي “المگير”. وغنج الريفيات، والوجنات الطرية كالقيمر .

شق مظفر مع رفاق في تنظيم القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، اخدودا في “سجن الحلة”* ، وهرب مع عشرات السجناء، ألقوا من سيارة سارت خاطفة في شوارع المدينة على نهر الفرات ؛ مناشير تتهم تنظيم اللجنة المركزية للحزب بالخيانة والوشاية لافشال خطة الهروب.

انقضت ايام ( المزبن ) واستولى حزب البعث مجددا على السلطة وانهار تنظيم القيادة المركزية بزعامة عزيز الحاج الذي صار يمثل العراق في منظمة اليونسكو بباريس، يكتب في جريدة (الثورة) لسان حال حرب البعث الحاكم مع قياديين اخرين، نجوا من التعذيب موتا.
بدات ايام ” اللف”* وترددت اخبار عن لقاء بين مظفر والرئيس الراحل صدام حسين، وان الاخير اهداه مسدسا، وجواز سفر، واطلق له حرية التحرك.
امتص مظفر النواب من سكر القصب في اهوار جنوب العراق: كل جميل ورفيق وساحر في لهجات العشائر العائمة مع دوابها؛ على مياه اندر مساحات مائية في العالم؛ قبل ان تجف، بعوامل طبيعية، واخرى بتدخل من سلطات البعث التي اطلقت خطة انفجارية لاعادة البناء بالتساوق مع عسكرة الدولة والمجتمع استعدادا لحروب متواصلة انتهت باحتلال العراق ربيع العام 2003.
قبل الغزو الانكلوامريكي،توجه مظفر من منفاه الطوعي في بلاد الشام نحو الفصيح،وقذفت حنجرته المختنقة بدخان الغضب؛ قصائد، فجرت الشارع العربي، تحفظ عن ظهر قلب،وتصدح بها مدن الملح العربية من (المحيط الهادر الى الخليج الثائر) على حد تعبير المذيع الشهير. احمد سعيد .
اورث مظفر العراق والعراقيين؛ باقة من القصائد لا تبدا بالريل وحمد ولا تنتهي بالبنفسج؛ فقد انتقلت عدوى مظفر النواب البغدادي الشعرية، الى أعداد غفيرة من الشعراء الشعبيين وسطا وجنوبا ، تكاثروا مثل الفطر في عراق العسكرة والتنمية الانفجارية، مذ ان باتت مكافأة الشعراء المداحين تبدا بمسدس ” غولدن” و لا تنتهي بسيارة برازيلية مرورا بمغلفات النقود.
رهط من الشعراء الشعبيين؛ حاولوا تقليد مظفر النواب، او بزه، لكنهم لم يفلحوا؛ فيما حافظ شعراء مبدعون على خصوصيتهم، على منصة عالية مع مظفر الذي نضب معينه من الخزين الشعبي العراقي في المنفى الاختياري، وتحول الى الفصحى.
بقي حادث لقاء الشاعر المتمرد مع صدام حسين عالقا في اذهان محبي وكارهي النواب.
العاشقون يغفرون له ضعفا، والكارهون يتهمونه بالخضوع للدكتاتور. اما الشاعر المتحول نحو قصائد الهجاء النثرية؛ فقد التزم الصمت؛ ولم يعلق علنا لا على هدية “الرئيس القائد” الفتاكة؛ ولا على إحتلال العراق، وتنصيب شلة من الفاسدين واللصوص ينهبون ثروات العراق ويتحكمون بمصير شعبه الذي تغنى مظفر ببطولات مناضليه من خلف قضبان السجون، اومتخفيا بين احراش الاهوار، والبيوت السرية.
لم يعارض الشاعر نظام ما بعد العام 2003 الذي علق صدام حسين على حبل المشنقة، ولم يتحمس لانتفاضات العراقيين ضد الفساد والاستبداد.
ظل شاعر ( البنفسج) رماديا حتى مماته في مستشفى بدولة الامارات؛ بعد معاناة طويلة مع مرض أقعده ، وشل حركتة وأثقل لسانه الذي سخر وشتم أبناء الزانيات، وبعضهم خرج في بغداد متباهيا بتشييع مظفر النواب المثير للجدل في الحياة والممات. وهذا امر طبيعي في حياة شاعر لف العراق والعالم العربي بجناحيه. وكان ينبغي ان يدفن في مسقط راسه بمدينة الكاظمية ببغداد.
لكن من غير الطبيعي ان يشارك لصوص في جنازة مظفر وهو من أنشد ::
( جلد اقطاعي خيمتنا على ضلوع الحرامية)
** المزبن واللف سجائر تصنع يدويا ويدخنها الفقراء.

أحدث المقالات