“تبون” في تركيا .. قائمة الطموح الجزائري في تعاونها مع “أنقرة” !

“تبون” في تركيا .. قائمة الطموح الجزائري في تعاونها مع “أنقرة” !

وكالات – كتابات :

يمكن وصف زيارة الرئيس الجزائري؛ “عبدالمجيد تبون”، إلى “تركيا” بالتاريخية، ليس بالنظر إلى العدد الكبير من الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها، وإنما لأنها تؤرخ لمرحلة جديدة من التعاون الإستراتيجي بين البلدين، خاصة في مجال الصناعات الدفاعية؛ بحسب تقرير لصحيفة (الغارديان) البريطانية.

وهذا ما أشار له الرئيس التركي؛ “رجب طيب إردوغانط، عندما أعلن في ندوة صحافية مشتركة مع نظيره الجزائري، في 16 آيار/مايو 2022، أن البلدين: “قررا إنشاء مجلس تعاون رفيع المستوى، لنقل العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد”.

حيث تم التوقيع على 15 اتفاقًا ومذكرة تفاهم، تتمثل في فتح مدرسة دولية تركية في “الجزائر”، والتعاون في مجال الخدمات الاجتماعية، وفي المجال البيئي، والتعدين، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

كما تم الاتفاق على افتتاح مراكز ثقافية في “تركيا” و”الجزائر”، والتعاون في مجال التربية والتعليم، والأعمال التجارية الصغيرة، والتكنولوجيا والابتكار، والصيد البحري والاستزراع المائي، واعتماد الحلال في البلدان، والأشغال العامة، والإعلام، ومنتدى غرفة التجارة والصناعة “التركية-الجزائرية”.

فالأوضاع الدولية المتأزمة على أكثر من جبهة، والحرب “الروسية-الأوكرانية”؛ وما أفرزته من ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء؛ على حد زعم التقارير الأميركية، تفرض على البلدين الإقليميين تعاونًا وثيقًا على جميع الجبهات، لإرساء إستراتيجية متكاملة، خاصة في الجوانب الاقتصادية والتجارية.

قفزة مرتقبة بالتجارة..

إلى وقت قريب؛ كانت “الجزائر”، الشريك التجاري الأول لـ”تركيا” في “إفريقيا” برقم لامس سقف: 05 مليارات دولار سنويًا، إلا أنه بعد إنهيار أسعار “النفط”، ودخول “الجزائر” في أزمة مالية؛ ما بين: 2015 و2019، تبنت سياسة تقشفية، ما أدى إلى تراجع المبادلات التجارية مع “تركيا”؛ إلى: 3.5 مليار دولار.

وفقدت “الجزائر” مؤقتًا صفتها كشريك أول لـ”تركيا”؛ في “إفريقيا”، لكن المبادلات التجارية بين البلدين عادت لترتفع مجددًا مع تحسن أسعار الطاقة، لتبلغ في 2020، نحو: 04 مليارات دولار.

وبحسب الرئيس “إردوغان”، فإنه: “رغم الظروف الوبائية (لكورونا)، ارتفع حجم التجارة بين البلدين بنسبة: 35%؛ (في 2021)، مقارنة مع عام 2020، وبلغ مستوى: 4.2 مليار دولار”.

ويطمح البلدان إلى رفع هذا الرقم مجددًا وفي القريب العاجل إلى: 05 مليارات دولار، ثم مضاعفته إلى: 10 مليارات دولار، دون تحديد سقف زمني لهذا الهدف.

مصدر الصورة: رويترز

والوصول إلى سقف: 05 مليارات دولار مبادلات تجارية، لا يبدو صعبًا، خاصة مع بداية انقشاع سحابة وباء (كورونا) ورفع الكثير من القيود على حركة تنقل السلع والأفراد.

وتحقيق “الجزائر” فائضًا تجاريًا؛ في 2021، لأول مرة منذ 2014، وتوقف نزيف احتياطياتها من العُملة الصعبة عند: 42 مليار دولار، وارتفاع أسعار “الغاز والبترول”، سيُساعدها على تخفيف الإجراءات التقشفية؛ مما سيرفع حجم التجارة مع “تركيا”.

ناهيك عن استعداد البلدين لفتح خطوط نقل بحري مباشرة للسلع والمسافرين، سيقوي ذلك التجارة البينية، خاصة بعد مصادقة الرئيس؛ “تبون”، في 2021، على اتفاقية الملاحة البحرية مع “تركيا”، التي تم توقيعها؛ في 1998.

استثمارات إستراتيجية..

من بين جميع الاستثمارات الأوروبية والأميركية وحتى الصينية والعربية في “الجزائر”، تتفوق الاستثمارات التركية في كونها عززت أكثر إستراتيجية “الجزائر” في تنويع اقتصادها والتخلص تدريجيًا من تبعيتها لإيرادات “النفط والغاز”.

إذ تمكنت “الجزائر” لأول مرة في تاريخها من رفع قيمة صادراتها غير النفطية إلى نحو 5 مليارات دولار، ساهمت منها شركة توسيالي التركية لإنتاج الحديد والصلب في تصدير نحو 800 مليون دولار في 2021.

وبلغ حجم الاستثمارات التركية في “الجزائر”: 05 مليارات دولار، وعبر الرئيس الجزائري عن ثقته بأنها ستصل إلى: 10 مليارات دولار وأكثر خلال فترة قصيرة.

وتنشط في “الجزائر” نحو: 1400 شركة تركية، خاصة في قطاعات الحديد والصلب والنسيج والصناعات الغذائية والإنشاءات والأشغال العامة.

ويبلغ عدد أفراد الجالية التركية في “الجزائر”؛ أكثر من: 10 آلاف شخص، وأعدادهم في ارتفاع مع توسع النشاط الاقتصادي بين البلدين، وانتشار الزواج المختلط.

وسبق لـ”تبون” أن دافع عن الاستثمارات التركية في “الجزائر”، عندما رد على سؤال لمجلة (لوبوان) الفرنسية، “من تزعجه علاقة الجزائر بتركيا، ما عليه إلا القيام بمثل ما تقوم به من استثمار وتبادل للمنفعة في الجزائر”.

وأشار حينها إلى أن “تركيا” تستثمر: 05 مليارات دولار في بلاده: “دون فرض أي شروط سياسية”، في إشارة إلى “فرنسا”، ما يكسب الاستثمارات التركية ميزة إضافية، ويجعلها مفضلة على غيرها من الاستثمارات الغربية.

والرئيس التركي، ذاته، تحدث عن المضي قُدمًا في دعم سياسة “الجزائر” لتنويع اقتصادها، قائلاً إن البلدين: “سيتخذان خطوات في المستقبل لتنويع إنتاج الجزائر، التي تُعد واحدة من بوابات إفريقيا”.

التوسع في “إفريقيا”..

تتقاطع إستراتيجية “تركيا” و”الجزائر” في التوجه نحو الأسواق الإفريقية، التي تشهد منافسة بين عدة قوى دولية وعلى رأسها: “الصين”، في ظل تراجع القوى الغربية المهيمنة، وعلى رأسها “الولايات المتحدة” و”فرنسا”.

وتملك “الجزائر” حدودًا طويلة مع عدة بلدان إفريقية، وتعمل على مد شبكة خطوط من الطرق نحو قلب القارة السمراء لتسهيل التجارة البينية على غرار الطريق العابر للصحراء، الذي يربط: 06 دول إفريقية، ويمتد من السواحل الجزائرية في “البحر المتوسط”؛ بـ”نيجيريا” المطلة على “خليج غينيا” و”المحيط الأطلسي”.

كما تتولى “الجزائر” تعبيد طريق صحراوي يربطها بـ”موريتانيا”؛ ومنها نحو بلدان غرب إفريقيا، ما يُساعدها على تطوير تجارتها البرية مع البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، ويُقلص المدة الزمنية وتكلفة نقل البضائع مقارنة بنقلها بحرًا.

كما تُنشيء “الجزائر”؛ بالشراكة مع “الصين”؛ “ميناء الحمدانية”؛ (90 كلم غرب الجزائر العاصمة)، يوصف بأنه الأكبر في “إفريقيا” و”حوض البحر الأبيض المتوسط”، والذي بإمكانه استقبال السفن التجارية الضخمة، ما سيؤهل “الجزائر” لتكون بوابة “إفريقيا” التجارية لدول العالم.

و”تركيا” تسعى للاستفادة من موقع “الجزائر” ومساحتها، التي تُعد الأكبر إفريقيًا، للتوسع الاقتصادي في القارة السمراء، وهذا ما أشار إليه “إردوغان”، عندما وصف “الجزائر” بأنها: “إحدى بوابات إفريقيا”.

إذ بإمكان “تركيا” تصدير سلعها عبر الموانيء “الجزائر” وشبكة طرقها إلى الدول الإفريقية، أو عبر استثمارات مباشرة بـ”الجزائر”، كمنصة تصدير لمنتجاتها نحو “إفريقيا”.

وتتيح اتفاقية الملاحة البحرية “الجزائرية-التركية”، التي دخلت حيز التنفيذ؛ في 2021، نقل الركاب والبضائع، والتعاون التقني في بناء السفن وإصلاحها، وتشييد الموانيء، والذي تملك “أنقرة” خبرة، تُساعدها على منافسة دول أخرى بحجم “الصين”.

ومن شأن إنشاء شركات مختلطة “جزائرية-تركية” المنافسة على أخذ مكانتها في الأسواق الإفريقية.

أولوية “الغاز”..

تُعد “الجزائر” المورد الرابع لـ”الغاز الطبيعي” إلى “تركيا”، بحجم يصل إلى: 06 مليارات متر مكعب سنويًا، وجميع هذه الكمية من “الغاز المُسال” الذي ينقل عبر البحر.

وإذا كان “الاتحاد الأوروبي” يستحوذ على: 80% من صادرات “الغاز الجزائري”، خاصة الذي ينقل عبر الأنابيب، فإن “تركيا” توجد على رأس زبائن “الجزائر”؛ للغاز المُسال.

ومع توجه الدول الأوروبية نحو تقليص تبعيتها؛ لـ”الغاز الروسي”، والذي تُعد “الجزائر” أحد البدائل له، فإن “تركيا” حريصة على ضمان حصتها من “الغاز الجزائري”، وزيادتها مستقبلاً، في ظل منافسة شرسة بين الدول الأوروبية على توفير إمدادات مستدامة من “الغاز”.

وهذا ما يعطي لاقتصادَي “الجزائر” و”تركيا” طبيعة تكاملية من شأنها توثيق التعاون في قطاع الطاقة، ليس فقط في واردات “الغاز”، بل أيضًا في صناعة “النفط”.

ويتجلى ذلك في توقيع مجمع (سوناطراك) النفطي الجزائري، مع شركة (رونيسانس) التركية؛ على: 03 عقود لتطوير مشروع بتروكيماوي لإنتاج “البولي بروبيلين”، الذي يستخدم في إنتاج “البلاستيك”، في مدينة “جيهان” التركية، باستثمارات تصل إلى: 1.7 مليار دولار.

وقال الرئيس التركي، خلال حفل التوقيع، الذي جرى في تشرين أول/أكتوبر 2021، إن: “المشروع يوفّر: 250 مليون دولار من عجز الحساب الجاري في تركيا.. ويُخلّص قطاع الصناعات الكيميائية من عجز التجارة الخارجية”.

مصدر الصورة: رويترز

ومن المتوقع إكتمال المشروع في عام 2024، ويوفّر: 20% من احتياج “تركيا” من مادة “البولي بروبيلين”، وتُسهم (سوناطراك)؛ بنسبة: 34% في هذا المشروع، وتضمن توفر المادة الأولية (البروبان).

ومن شأن توسيع الشراكة التكاملية بين البلدين في صناعة “النفط والغاز”، أن يُساعد “تركيا” في تقليص وارداتها الكبيرة من الطاقة، والتي تتسبب في عجز ميزانها التجاري.

وتعرض “الجزائر” على “تركيا” عقد شراكات جديدة في قطاع الطاقة والمناجم، خاصة في مجال التنقيب عن “النفط” وإنتاج الكهرباء ونقلها.

وتُمثل “ليبيا” إحدى الدول التي من الممكن أن تتعاون “الجزائر وتركيا” في الدخول باستثمارات مشتركة خاصة في قطاع “الغاز”.

فـ (سوناطراك)، وقعت، في شباط/فبراير 2022، اتفاقًا مع “مؤسسة النفط الليبية”، لاستئناف استثماراتها في قطاع “النفط والغاز”؛ بمنطقة “غدامس” الليبية على الحدود مع “الجزائر”.

وبالنظر إلى النفوذ التركي والجزائري في المنطقة الغربية لـ”ليبيا”، فبإمكان البلدان الثلاثة إقامة شراكة قوية في استكشاف وإنتاج ونقل “النفط والغاز”.

وإحدى الخيارات المطروحة أمام البلدان الثلاثة، إنشاء خط لنقل “الغاز الليبي” والجزائري من “شرق ليبيا” إلى جنوب “تركيا” عبر “البحر الأبيض المتوسط”.

ولكن أمام ذلك عقبات كثيرة أبرزها ضرورة استقرار “ليبيا” وتوحدها، وعدم اعتراض “مصر” ودول “شرق المتوسط” على هذا التصور.

فـ”الجزائر” لا تملك لوحدها القدرة على تلبية الطلب الأوروبي المتزايد على “الغاز الطبيعي”، ولكنها تحالفها مع “ليبيا ونيجيريا”، في إنتاج وإنشاء أنابيب نقل “الغاز” يمكنها من تحقيق هذا الهدف على “المتوسط”. و”تركيا” يمكنها أن تلعب دورًا إستراتيجيًا في تحقيق هذا الهدف، سواء من خلال توفير التمويل والاستثمار والأسواق، بالإضافة إلى تأمين خطوط “الغاز” في “إفريقيا وشرق المتوسط”.

الصناعات الدفاعية..

من النقاط الرئيسة؛ التي ركز عليها الرئيس “إردوغان”، خلال زيارة “تبون” إلى “أنقرة”، قائلاً إن: “تركيا والجزائر عازمتان على تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية”.

فكلا البلدين يسعى بشكل حثيث لتطوير صناعاته الدفاعية، وتقليص حجم استيراده لاحتياجاته العسكرية من الخارج.

وقطعت “تركيا” شوطًا مهمًا في تصنيع الأسلحة على غرار الطائرات المُسيرة من نوع (بيرقدار)، والسفن الحربية والمروحيات القتالية، ناهيك عن العربات المدرعة.

كما تُصنع “الجزائر” العربات المدرعة والعسكرية بمختلف أنواعها بالشراكة مع “ألمانيا والإمارات”، بدرجة أقل طائرات مُسيرة من نوع (الجزائر-54) و(الجزائر-55)، وأسلحة أخرى خفيفة ومتوسطة.

والرئيس الجزائري أشار إلى ذلك عندما تحدث عن التعاون في بناء السفن العسكرية، إذ إن الجيش الجزائري يملك ورشة لبناء السفن في قاعدة (مرسى الكبير)؛ بـ”وهران”، (غرب)، وأنتجت خلال العقود الماضية عدة قطع بحرية، لكنها تحتاج لإعادة تطوير وتوسيع.

والبلدان يملكان منظومة صواريخ (إس-400) المضادة للطائرات، والتي تُثير قلق “الولايات المتحدة”، ويمكنها التعاون في مجال تطوير صواريخ الدفاع الجوي.

وتسعى “تركيا” لتوسيع صادراتها العسكرية لتشمل “الجزائر”، التي تُعد أكبر مستورد للأسلحة في “إفريقيا”، بميزانية تُقارب: 10 مليارات دولار.

هل تسعى “الجزائر” لامتلاك الـ”بيرقدار” ؟

رغم أن الرئيس الجزائري لم يعط تفاصيل أكثر حول التعاون العسكري التركي خلال الندوة التي جمعته بالرئيس التركي، إلا أن التحول في سياسة التسليح الجزائرية مؤخرًا؛ والتي باتت تعتمد على التنوع وعدم الاعتماد على الحليف التاريخي “روسيا” فقط، تُشير إلى إمكانية عقد صفقات عسكرية مع “تركيا”؛ وبالأخص في مجال الطائرات بدون طيار.

وتعتمد “الجزائر” حاليًا على الطائرات بدون طيار الصينية والجزائرية الصنع، لكن السمعة التي باتت تتمتع بها طائرة الـ (بيرقدار) التركية تحتم على “الجزائر” اقتنائها خاصة وأن جارها؛ “المغرب”، ومنافسها الإستراتيجي يمتلك نوعين منها.

وكشفت مصادر لـ (الغارديان)؛ أن “تركيا” كانت قد عرضت قبل سنوات على “الجزائر” شراء طائرات (بيرقدار)، لكن “الجزائر” لم تقتنع بها وقتها، لكن مع إثبات قوتها ميدانيًا في كل من “ليبيا وأذربيجان وأوكرانيا” يحتم على “الجزائر” التفكر جديًا في الحصول عليها؛ بحسب مزاعم الصحيفة البريطانية.

تعاون أمني وثقافي..

ومن المرتقب، أن ينسقا البلدان تعاونهما العسكري والأمني في “ليبيا وإفريقيا جنوب الصحراء”، من أجل استقرار هذه المنطقة المضطربة أمنيًا، بشكل يسمح بانتعاش التجارة مع دول المنطقة.

ويُمثل تسليم “تركيا”؛ لـ”قرنيط بونويرة”، سكرتير قائد الأركان الجيش الجزائري الراحل؛ “أحمد قايد صالح”، إلى “الجزائر” أحد تجليات هذا التعاون الأمني المتين.

فيما تسعى “تركيا” لتجفيف أي تواجد لجماعة “غولن” في “الجزائر”، ويُمثل الاتفاق على فتح مدرسة دولية بـ”الجزائر” لوقف المعارف التركي خطوة في هذا السياق.

ومع رغبة “الجزائر” في تطوير قطاعها السينمائي، تُمثل “تركيا” خيارًا جيدًا للتعاون في هذا الشأن، على غرار المسلسل التركي (سيف بربروس)، والمسلسل الجزائري الذي صور في تركيا: (الرايس قورصو).

فالمسلسلات التاريخية التي تروي التاريخ المشترك الذي يفخر به البلدان تمثل حلقة وصل قوية نحو علاقات متينة وقوية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة