كثيرة هي الأقوال المأثورة والحكم الفكاهية التي تروى عن جحا. إلاّ أن الأمر استدعى أن أذكر أحد مواقف جحا والذي حدث مع أهالي قريته والذي يتناسب مع ما نعيشه اليوم في بلدنا العزيز.
لم تكن الأجهزة الحديثة والتقاويم والهواتف النقالة والحسابات الفلكيّة موجودة آنذاك لتحدد حركات القمر وظهوره أو اختفائه ومنه معرفة الشهور القمرية. كانت كل تلك الحسابات تجرى من قبل أناس متخصصين قد تفرغوا تماماً لمراقبة الهلال وتحديد بداية الشهر بالاعتماد على المشاهدة البصرية.
قبيل شهر رمضان المبارك جاء أهل القرية إلى جحا يسألونه:
– كيف لنا أن نحدد بداية الشهر الفضيل وكيف لنا أن نحسب أيامه وما أنقضى منه وما تبقى؟
جحا لم يتردد في الإجابة حتى سارع إلى حل أمرهم قائلاً:
– أنا سأتولى حساب الأيام وإعلامكم بالعشر الأوائل والأواخر وليلة القدر وعيد الأضحى المبارك.
فرح أهل القرية لأن جحا قد اهتم بالأمر وسوف يكون مرجعهم في ذلك. حتى كشف لهم جحا عن الخطة التي سيتبعها في هذا السبيل وقال:
– في كل يوم رمضان سأضع في جيبي حبة حمص. وبعدد الحبات سوف نتمكن من معرفة في أي يوم نكون في شهر رمضان ونتمكن من تحديد ليلة القدر ويوم العيد.
أهالي القرية منبسطين ومنشرحي الأسارير لهذا الأمر حتى جاء شهر رمضان وقد بدأ جحا بوضع حبات الحمص في جيب سترته. حبة واحد تعني أننا في اليوم الأول، ثلاث حبات تعني أننا في اليوم الثالث، خمس عشرة حبة تعني أننا في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان وهكذا.
ما أن بلغوا اليوم العشرين من الشهر الفضيل حتى اكتشفت زوجة جحا وجود هذه الحبات في جيب زوجها وقالت في نفسها:
– آه يا زوجي الحبيب أنك تحب الحمص ولهذا وضعت الحبات في جيبك تأكل منها كلما اشتهت نفسك.
تصورت زوجة جحا أن زوجها جحا قد وضع حبات الحمص في جيب سترته ليأكل منها متى ما شاء. عز عليها ذلك حتى سارعت لشراء كمية من الحمص ووضع حفنة كبيرة من الحمص في جيب زوجها جحا من باب اكرامه ودون اخباره. في اليوم التالي خرج جحا من البيت وقد مد يده بجيبه ليخرج حبات الحمص ليعلم منها عدد الأيام المنصرمة وعدد الأيام المتبقية من شهر رمضان. وما أن أخرج الحبات من جيبه حتى فوجئ بالعدد الكبير من حبات الحمص والتي تفوق المئة حبة. تساءل جحا في نفسه:
– يا لهذه الحبات الكثيرة.. حتى إذا كنا قد اوشكنا على نهاية رمضان فمن المفروض أن تكون عدد الحبات 30 وليس مئة أو أكثر!
جحا المفجوع من الأمر لا يدري ما الذي حدث وكيف كثرت حبات الحمص في جيبه كل هذا. وهو في ريب من أمره وقد رجت أركان دماغه بما شاهده بعد ان تاهت عليه كل الحسابات، حتى جائه بعض الأهالي يسألونه:
– أخبرنا يا جحا كم يوماً تبقى لعيد الفطر المبارك؟
جحا في حيرة بالغة من أمره.. ماذا سيخبرهم وهو أمام هذا الكم الكبير من حبات الحمص. هل سيخبرهم بأن عدد حبات الحمص لديه قد فاق المئة حبة وأيام رمضان لا تتجاوز الثلاثون يوماً؟
كان لا بد له أن يجد جواباً يجيبهم على تسألهم حتى تحركت لديه دهائه الفطري وراح يجيبهم:
– إذا كان الأمر يعتمد على حساباتي فإن حساباتي تقول أننا قد انتهينا من رمضان وتعدينا أيام عيد الفطر وحتى أننا تجاوزنا عيد الأضحى المبارك!!.
مسألة جحا هذه استذكرته وأنا أتابع مسألة تشكيل الحكومة. فبعد الانتخابات النيابة بأكثر من سبعة أشهر وها نحن ذا نناقش من سيتولى زمام الأمور لقيادة البلاد. ما زالت الكتل السياسية الفائزة في مد وجزر وخلاف كبير في مسألة تشكيل الحكومة. ما زال الشعب ينتظر شروق الشمس وأمور البلاد والعباد معلقة بين السماء والأرض منتظرين تشكيل الحكومة وبيان الميزانية واطلاق المشاريع والتعينات وما إلى ذلك من الأمور الحياتية المهمة.
كما قال جحا فإذا حسبت الأمور بالقوانين والبنود الدستورية والأعراف الدولية، فإن السلطة الحالية والبرلمان المنتخب قد فقدت شرعيته ويجب تدارك الأمور قبل حين. مشهد لم نشهده في أية بقعة أخرى والتي تسوقنا إلى التفكير ألف مرة ومرة بالذي يدور من حولنا تماماً كما أصبح جحا حائراً بأمره بعد أن وجد في جيبه حفنة من حبات الحمص. فالحسابات القانونية تشير إلى غير ما نعيشه في الحياة السياسية الواقعية. وإذا رضخنا للأمر الواقع فإننا نعيش فلاتانا ما بعد فلاتان بعد أن تجاوز البرلمان المدة القانونية المنصوص عليها في الدستور لغرض تشكيل الحكومة.