الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. هل تلعب “أنقرة” دور النموذج الأمني الحصين لـ”كييف” لصالح “واشنطن” ؟

الحرب “الروسية-الأوكرانية” .. هل تلعب “أنقرة” دور النموذج الأمني الحصين لـ”كييف” لصالح “واشنطن” ؟

وكالات – كتابات :

نشرت مجلة (نيو لاينز) تحليلًا أعدَّه العقيد المتقاعد؛ “ريتش أوتزن”، وهو محلل جغرافي سياسي، يستعرض فيه الأسباب التي تدفع “أوكرانيا” إلى أن تطرق أبواب “تركيا” بدلًا من “إسرائيل”؛ في إطار سعيها لتوفير الأمن. وخلُص الكاتب إلى أن “أنقرة” أظهرت أنها تستطيع توسيع نطاقها إلى ما يتجاوز الحدود الغربية و”حلف شمال الأطلسي”؛ الـ (ناتو)، لإقامة شراكات عسكرية مع مجموعة كبيرة من البلدان المُستضعَفَة.

مستقبل أوكرانيا..

يستهل الكاتب تحليله بالإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني؛ “فولوديمير زيلينسكي”، افترض أن “أوكرانيا” ستكون في المستقبل مثل نوع من: “دولة إسرائيلية كبيرة”، تُركِّز على الأمن، وغير مُقيَّدة بالجوانب الحسَّاسة الأوروبية الليبرالية، غير أنها ستظل في الوقت ذاته ديمقراطية وتحظى بالدعم الكامل من الغرب.

وأقرَّ “زيلينسكي” بأن ثمَّة حاجة إلى تطبيق إستراتيجية صارمة في خِضمِّ حالة التيقُّن من وجود تهديد على الأمد البعيد. وتبدو “إسرائيل” نظيرًا طبيعيًّا، في ظِل التفوُّق العسكري الإسرائيلي والصلات التي تربط البلدين؛ (بما في ذلك وجود عدد كبير من الأوكرانيين مزدوجي الجنسية، فضلًا عن مصادفة انتماء رئيسي البلدَيْن ووزيري دفاعهما إلى الديانة اليهودية).

ولكن نظرًا لاختلاف البُلدان المجاورة لـ”أوكرانيا” وتاريخها، ثمَّة نموذج يتَّسِم بمزيد من الواقعية من “إسرائيل”: ألا وهو “تركيا”.

وبحسب التحليل، بدأت “تركيا” في تعزيز خيارات التحوُّط الجغرافي السياسي الخاصة بها منذ أكثر من عقد من الزمان؛ من خلال توسيع نطاق شبكة تمثيلها الدبلوماسي في الخارج، وزيادة تقديم المساعدات الخارجية والتجارة والتوعية التعليمية والتثقيفية. وامتدت هذه الحملة لتشمل إفريقيا وجنوب أوروبا وشرقها ووسط آسيا وجنوبها وغيرها من المناطق “البينية”، التي لا تُعد جزءًا من قلب الغرب ولا تُقيم علاقة ودودة مع قوى رجعية مثل: “الصين وروسيا وإيران”.

كما فتحت إقامة العلاقات على نطاق واسع المجال أمام التعاون الصناعي الدفاعي، الذي أكَّده تطوير طائرات من دون طيَّار وتصديرها مثل طائرة (بيرقدار. تي. بي-2)، التي استخدمتها “أوكرانيا” وأثَّرت تأثيرًا كبيرًا في صدِّ جيش الرئيس الروسي؛ “فلاديمير بوتين”؛ بحسب زعم الكاتب.

وأسفرت مشروعات صناعة الأسلحة عن إبرام اتفاقات تهدف إلى الحصول عليها، وإقامة علاقات في مجال التدريب العسكري، وفي بعض الحالات، إجراء تنسيق سياسي وعسكري وتقني في بؤر الصراعات الساخنة. وتحتاج “كييف” بِشدَّة إلى هذا النوع من العلاقات المتنوعة والوثيقة التي أقامتها “أنقرة” في شبكتها.

تأثير كبير..

ووفقًا للتحليل، أثَّرت شبكة استعراض القوة التركية؛ على مدار العقد الماضي، في مجريات الأحداث التي شهدتها كثير من بؤر الصراعات الإقليمية تأثيرًا كبيرًا؛ إذ تأثَّرت نتائج الحروب ونوبات التصعيد في: “سوريا والعراق وليبيا والقوقاز وأوكرانيا والخليج العربي وشرق البحر الأبيض المتوسط”؛ أيُّما تأثُّر بالقوة التركية الصارمة.

ومع أن ممارسة هذه القوة أزعجت الغرب في بعض الحالات، فإنها خدمت مصالح مشتركة في حالات أخرى، وآية ذلك أنها قوَّضت المصالح الروسية والإيرانية على نحوٍ مباشر أكثر من المصالح الأميركية أو مصالح حلف الـ (ناتو). ويقول المَثَل التركي: (الصديق الحقيقي يظهر في المُدلَهمَّات/الصديق وقت الضيق). وعندما دخل حلفاء “تركيا”، وهم جماعات المعارضة السورية وحكومة “الوفاق الوطني”؛ في: “ليبيا وأذربيجان وقطر وأوكرانيا”، في قتال مع أعداء يتسلَّحون تسليحًا جيدًا، ضاعف الأتراك إلتزاماتهم تجاه حلفائهم.

ويُحرِّر النموذج التركي المتمثِّل في استعراض القوة؛ أعضاءَ شبكة التحوُّط هذه من حق النقض المُحتمَل ضد صفقات الأسلحة والعمليات العسكرية من جانب حُكاَّم في الغرب. غير أن هذا النموذج يحمي هؤلاء الحكام أيضًا من العدوان السافر من جانب القوى الانتقامية مثل: “روسيا” أو “إيران” أو “الصين”؛ كما يدعي كاتب التقرير.

والأهم من ذلك؛ أن “تركيا” لا تُهيمن على شبكة الحماية الذاتية هذه أو تُديرها بقدر ما تضطلع بدور الوساطة فيها. ولا توجد اختبارات إيديولوجية حاسمة لأعضاء هذه الشبكة، إذ انضمت بعض البلدان الأعضاء في حلف الـ (ناتو) إليها بسبب اتفاقات التعاون المُبرَمة في مجال الدفاع مثل: “ألبانيا وبولندا والمملكة المتحدة”، فضلًا عن انضمام عددٍ متزايد من البلدان الإفريقية إليها مثل: “ليبيا وتونس وإثيوبيا والصومال”.

كما أقامت “تركيا” علاقات عسكرية وثيقة مع: “باكستان وماليزيا”. وتنخرط “أوكرانيا”، على سبيل المثال، في اتفاقات مماثلة بالتأكيد مع “تركيا”، فضلًا عن أنها تُقدِّم قيمة تبادلية كبيرة لـ”أنقرة”؛ بوصفها مُصدِّرًا للتكنولوجيا العسكرية ومُنتِجًا مشتركًا للطائرات المُسيًّرة. وتقدِّم بلدان أخرى في هذه الشبكة، مثل: “قطر وأذربيجان”، حماية متبادلة فيما يتعلق بتوفير الطاقة والتمويل بدلًا من التعاون في المجالات العسكرية.

وتُشكِّل منظمة الدول التركية، وهي مجموعة يقع مقرها في “إسطنبول”؛ وتضم: “تركيا وأذربيجان” وكثيرًا من الدول التي تقع في “آسيا الوسطى”، والتي تُقيم علاقات اقتصادية وثقافية وأمنية متزايدة في بعض الحالات، جزءًا من هذه الشبكة أيضًا. وتُعد المنفعة التي تعود على “أوكرانيا” من خلال التقارب مع شبكة التحوُّط التركية واضحة: إذ توفر هذه الشبكة مجموعة جاهزة من الشركاء الاقتصاديين والأمنيين الذين يُقدِّرون السيادة الأوكرانية ويتجنَّبون المنافسة القائمة بين حلف الـ (ناتو) و”روسيا”؛ التي تُستخدَم لتبرير الحرب الحالية.

سوء تقدير..

ويرى الكاتب أن مراقبي: “دبلوماسية صناعة الطائرات المُسيًّرة”؛ في “تركيا”، لم يُحسِنوا تقدير أواصر الثقة والتعاون غير العسكري الذي نما داخل هذه الشبكة حتى الآن، بما يتجاوز مبيعات الأسلحة. وما نلاحظه الآن يتمثَّل في حركة تهدف إلى توطيد العلاقات التي بدأتها مبيعات الطائرات من دون طيَّار أو عمَّقتها في شيء ذي نطاق أوسع، ولا يُمثِّل هذا الشيء كتلة بل مجموعة مشتركة من البلدان التي تسعى إلى تفادي هيمنة الدول المجاورة أو الأطراف المهيمنة الإقليمية.

وفي عصر التنافس بين القوى العظمى، تُمثِّل هذه الكتلة البلدان المهمَّشة، التي تحشد مواردها بوصف ذلك نوعًا من إستراتيجية تحوُّطية. ولا تُعد هذه الكتلة غربية أو معادية للغرب بصورة كاملة، ولكن تربطها صلة أقرب بحلف الـ (ناتو) و”الاتحاد الأوروبي” موازنةً بالأطراف الفاعلة المعادية للغرب عداءً صريحًا مثل: “الصين” أو “كوريا الشمالية” أو “روسيا” أو “إيران” أو “الدول البوليفارية”.

ويُضيف التحليل: إذا كانت الحقبة الناشئة للتعدُّدية القطبية ستتضمَّن: “أوروبا والولايات المتحدة والصين والهند واليابان وروسيا”؛ بوصفها بلدانًا تتنافس منافسة إستراتيجية، فستتضمَّن هذه الحقبة أيضًا الشبكة التحوُّطية التي تتوسط فيها “تركيا”، بوصفها عامل توازن إستراتيجيًّا، وهو نوع من القوة بين القوى العظمى. ووصف محلِّل السياسة الخارجية التركي؛ “عمر أوزكيزيلجيك”، النهج الذي تتَّبعه “تركيا” في دبلوماسية الصراع بأنه يرتكز على ثلاث ركائز، وهي: القوة الصلبة، وتجنُّب الممارسات التي تنطوي على رابح وخاسر، وتطبيق السياسة الواقعية من أجل الوصول إلى حلول توافقية. وقد تنجح مباديء الموازنة الكلاسيكية هذه إلى حدٍّ كبير بسبب أن الشبكة التحوُّطية تحتشد بمرور الوقت لتفعيلها.

ودور “إفريقيا” في هذه الشبكة جعل القارة السمراء أكثر إثارة للاهتمام من الناحية الإستراتيجية من أي وقتٍ مضى، منذ اندلاع “الحرب الباردة”. وأدمج الدبلوماسيون والأعمال التجارية والمدرِّبون العسكريون الأتراك؛ “تركيا”، في عنصر جديد من الديناميات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية في “إفريقيا”. وتضاعفت تجارة “تركيا” مع “إفريقيا” بواقع أكثر من ستة أضعاف خلال العقدين الماضيين، وتضاعف التمثيل الدبلوماسي أكثر من ثلاثة أضعاف.

وقال “ديفيد فرانسيس”، وزير خارجية سيراليون، مؤخرًا أثناء وجوده في “تركيا”: “أصبحت إفريقيا تمتلك لأول مرة بطلًا خارج حدودها”. وحدث ذلك بعد أن أقامت “أنقرة” هذه الشبكات في “إفريقيا”. ويتعارض هذا الأمر مع النهج التجاري الذي تتبعه “الصين”، والنهج الذي يُركِّز على الكوارث/الإرهاب في “أوروبا” وحالة عدم الإكتراث العامة التي تعتمدها “الولايات المتحدة” تجاه “إفريقيا”.

ويستدرك التحليل: ومع أن “أوكرانيا” تُعد عضوًا في شبكة التحوُّط التي تتوسط فيها “تركيا”، ومن المُرجَّح أن يزداد نفوذها داخل تلك الشبكة، فإنها تُمثِّل اختبارًا مثيرًا للاهتمام لكيفية تصادم مصالح شبكة التحوُّط بالمصالح الأميركية والغربية. وقد حافظت “تركيا” على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع “روسيا” طوال الحرب، ورفضت “أنقرة” الانضمام إلى العقوبات التي فرضها الغرب، واستضافت أيضًا فرقًا تفاوضية من “كييف” و”موسكو” على حدٍّ سواء.

كما استضافت “أنقرة” مباحثات السلام الفاشلة بين الجانبين، غير أنها دعمت “أوكرانيا” بهدوء وليس بصورة كبيرة طوال الحرب: (من خلال استمرار عمليات إعادة الإمداد بالطائرات المُسيًّرة من طراز “بيرقدار. تي. بي-2” وغيرها من المعدات العسكرية)، وعلى الصعيد الدبلوماسي من خلال (إغلاق مضيق البوسفور أمام السفن البحرية الروسية الخاضعة لاتفاقية مونترو)، وعلى صعيد التصريحات (إدانة الغزو ودعم السيادة الأوكرانية دعمًا صريحًا).

تصعيد استفزازي..

وينوِّه التحليل إلى أن “تركيا” كانت تبيع طائرات من طراز (بيرقدار. تي. بي-2) منذ عدة سنوات قبل الحرب الحالية، فيما تشبَّثت البلدان الغربية بالإعتقاد الذي يُفيد بأن أنظمة الدفاعية الفتَّاكة التي تمتلكها “أوكرانيا” قد تُمثِّل تصعيدًا استفزازيًّا يؤثر سلبًا في آفاق تسوية الصراع الذي اندلع عام 2014.

ويوضح تخليد الطائرات التركية المُسيَّرة في أغاني الحرب الأوكرانية الوطنية، وفي إطلاق اسم “بيرقدار” على حيوانات في حديقة الحيوانات الأوكرانية وكلاب الشرطة، بصورة ممنهجة مدى تأثير شبكة التحوُّط العملي والسياسي والشعبي. وتساعد الشبكة أعضاءها في الدفاع ضد العدوان الخارجي وقمع حركات التمرُّد المسلَّحة داخل البلاد؛ كما تطمئن القادة والشعوب بأنهم لا يقفون وحدهم في وجه العدو، مهما فعل الغرب.

ولا تُطبِّق “واشنطن” خُطَّة للتصدي لهذا النوع من التداعيات. وعرف النظام الدولي الليبرالي الذي تقوده “الولايات المتحدة”؛ كيفية التعامل مع البلدان الصديقة المطيعة التي عادةً ما تكون بلدانًا صغيرة وتعتمد على الأمن. كما تصدت “واشنطن” للمارقين والأشرار الذين كرَّسوا جهودهم لإطاحة الرأسمالية والتفوق الغربي والديمقراطية وحلف الـ (ناتو) والعالم الحر. ولا تتمتع العاصمة الأميركية بخبرة تُذكر أو ما يكفي من الكفاءة للتعامل مع البُلدان البينية، وهي البُلدان المتحالفة مع غيرها أو شبه المنحازة إلى غيرها وذات حساسيات إستراتيجية مستقلة وتتبنَّى التصدي الصارم ضد أي تدخُّل متصوَّر على طول حدودها أو ضد مصالحها؛ (راجع تاريخ فرنسا في عهد شارل ديغول). ويُسفر عدم الإلمام بإدارة هذه الأمور عن درجة معينة من الإحباط، ليس أقلها في “الكونغرس”.

ونتيجةً لذلك، تُفوِّت “واشنطن” على نفسها فرصة كبيرة للنفوذ والتقارب مع شبكة التحوُّط العالمية والوسيط الرئيس لها. وقد تواصلت “تركيا” مع “واشنطن” من خلال قنوات منفصلة لإيجاد خارطة طريق أو الوصول إلى حلول توفيقية إستراتيجية في: “سوريا وليبيا والقوقاز وشرق البحر المتوسط”، ولكنَّها لم تجد فرصة كبيرة للمرونة من الجانب الأميركي.

وألمح الكاتب إلى أن الدور الذي اضطلعت به “تركيا” في “أفغانستان” و”أوكرانيا”؛ والذي عاد بالنفع بصورة واضحة على المصالح الأميركية لم يكن كافيًا لتقليل مواضع الشك، إن لم يكن العداء الصريح، تجاه “تركيا” في “واشنطن”، أو إنهاء الحظر الفعلي على مبيعات الأسلحة الغربية لـ”أنقرة”. ومع إنتاج “تركيا” نسبة عالية على نحو متزايد من معداتها العسكرية، وإقصائها من البرنامج الذي وضعه حلف الـ (ناتو) لتطوير الطائرات المقاتلة من طراز (إف-35) بعد أن اشترت “أنقرة” أنظمة الدفاع الجوي الروسية من طراز (إس-400)، ربما يمُثِّل المقترح الأخير الذي يدعو إلى أن تشتري “تركيا” طائرات مقاتلة من طراز (إف-16) فرصة أخيرة لمشروع أمني كبير ومربح للطرفين. ومع ذلك، أوقفت معارضة السيناتور؛ “روبرت مينينديز”، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في “الكونغرس” الأميركي، عملية البيع المقترحة وألغتها.

وثمَّة ثقة شبه منعدمة تربط بين المؤسسات الأمنية في “واشنطن” و”أنقرة”، على الرغم من أنه لا يزال هناك تداخل كبير في المصالح في عدد من المناطق.

إدارة المشكلات..

ويعرِّج الكاتب قائلًا: يبدو أن الآلية الإستراتيجية التي أعلن عنها الرئيسان: “جو بايدن” و”رجب طيب إردوغان”، العام الماضي؛ عبارة عن إجراء استشاري لإدارة المشكلات وليس حلها، فضلًا عن أنها لا تَعِد بتحقيق نجاح كبير في طريق المبادرات أو الخطوات التوفيقية الجديدة من جانب “الولايات المتحدة”. ولسوء الحظ، تتقاسم عِدَّة بلدان في شبكة التحوُّط التي تقودها “تركيا” تجربة مماثلة للقيادة الأميركية، ولذا فلا يستهدف التحوُّط القوى الرجعية فقط؛ ولكنه يستهدف الأميركيين أنفسهم أيضًا.

وفي ظِل غياب الرؤية والدبلوماسية الإبداعية، ربما تُساعد “واشنطن” شبكة التحوُّط في مساعدة نفسها، ومن ثم إقامة تحالفات توازن محلية ضد الروس أو الصينيين أو الإيرانيين أو المتمردين المتطرفين في قطاعات عريضة من “إفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية”. وبدلًا من ذلك، ظهرت الشبكة بمعزل عن القيادة الأميركية، وإلى حدٍّ ما بوصفها رد فعلٍ عليها.

ويجب أن توضح تجربة “أوكرانيا”، التي انعكست في تنبؤات “زيلينسكي”، أن الحركة المسلَّحة شبه المنحازة ربما تكون شيئًا جيدًا للحقبة الجديدة من المنافسة الإستراتيجية للقوى العظمى، حتى إذا لم تستطع “الولايات المتحدة” أن تُسيطر عليها أو ربما تعترف بها.

وقد تساعد هذه الشبكة، التي تتوسط فيها “تركيا” حاليًا، ولكنها ذات طبيعة مرنة وغير هرمية، في تحقيق الاستقرار في البلدان التي لا يهتم الغرب بما يكفي بالتدخُّل فيها، وتحقيق توازن عملي ضد القوى المعادية للغرب في المناطق التي قد يؤدي التدخل الغربي المباشر فيها إلى إشعال نيران حرب بين القوى العظمى، وتقليل الحاجة إلى الدعم الأمني الغربي المباشر من جانب حلفاء وشركاء شبه منحازين. وتتضمَّن الشبكة ممارسة قوة دبلوماسية وعسكرية في بعض الأحيان بمعزل عن القوى الغربية الرائدة ونظامها الطموح، ولكن بطرق لا تتعارض مع المصالح الغربية.

وفي حالة “أوكرانيا”، وفقًا للتحليل، يتمثَّل الخيار الوحيد القابل للتطبيق في التبعية والاندماج إما في حلف الـ (ناتو)؛ (وهو ما تُريده كييف ولا تُريده بروكسل وواشنطن)، وإما في المدار الروسي؛ (الذي سيُنهي سيادة أوكرانيا). ومن غير المُرجَّح أن تكون “أوكرانيا” آخر حالة جغرافية سياسية لأزمة تنطوي على هيمنة محتمَلة للهجوم على بلد يتعاطف مع الغرب ولكنَّه لا يخضع لضماناته الأمنية.

ويختتم الكاتب تحليله بالإشارة إلى أن الدرس المستفاد من “أوكرانيا” و”تركيا”، أو بالأحرى شبكة التحوُّط التي تنتمي إليها “أنقرة” و”كييف” الآن، هو أن القوى العظمى التي تقع في نظام دولي متعدد الأقطاب ينبغي أن تشجِّع القوى “البينية” على تنظيم صفوفها في مناطق يرى الغرب أنها هامشية وليست جوهرية. وقد تُقلِّل هذه الشبكة من مستوى الضرر في هذه المناطق خلال العقود القادمة من خلال رفع تكاليف العدوان الخارجي وتشجيع الاستقرار الداخلي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة