تعيش الدراما العراقية اليوم بعد سنوات من التألق والازدهار، حالة من التشظي في ظل غياب رؤية حقيقية لمعالجة قضايا المجتمع والابتعاد عن الواقعية. ولعل عدم حسن اختيار الموضوع جعل بعض المسلسلات العراقية تسير في ركب تقليد الآخرين دون إضافة مسحة محلية واضحة إلى سجل العراقي الحافل بالانجازات التي مازالت عالقة في أذهان المتلقي رغم مرور سنوات طويلة ومن مختلف الشرائح والأجيال وحتى التي لم تحظ بمشاهدتها في وقتها . جملة من المسلسلات الرائعة ( تحت موسى الحلاق،والذئب وعيون المدينة ونسر وعيون المدينة والدواسر وجرف الملح والذئاب الليل) مازالت الذاكرة العراقية تعشقها، وتتحسر على حجم الإبداع الفني الذي يعد مدرسة خاصة لا تتكرر مقارنة مع اليوم. بعد هذا الكم الهائل من الإنتاج المحلي العالي المستوى من ناحية الأداء والموضوع نجد أن الدراما العراقية تحاول الانسلاخ عن بيئتها المحلية إلى عوالم بعيدة عن الواقع، من خلال تقليد بعض الأعمال العربية والتركية بحيث أضاعت هويتها الخاصة بها في زحمة التقليد.
الدراما العراقية اليوم على مفترق طرق برغم من بعض المحاولات التي حاول تحسين الصورة كنوع من المجاملة من خلال الإشادة بعض الأعمال العراقية التي تعرض على بعض الفضائيات بحجة الحداثة ومواكبة التطور الحاصل في الإخراج وتقنيات التصوير والديكور من خلال الاعتماد على خبراء من غير العراقيين في هذا المجال.ولم تستطع الأعمال العراقية المعاصرة ترك بصمتها على المشاهد، ولم يستطع الكاتب في نفس الوقت والممثل من أقناع المتلقي بالفكرة والأداء والنتيجة وجوه جديدة دون تأثير في وجدان المشاهد .هذه المحصلة يجعل الكثير من العراقيين نتيجة فوضى المحتوى يهربون إلى الأعمال العربية بعدما وجدوا فيها أدوات الإقناع والتأثير على النفس برغم اختلاف الواقع.
إيجاد حلول ناجعة والنهوض بالواقع الدرامي المحلي أمر ضروري ملحة بعد تحولت الدراما إلى شاشة طاردة للمتلقي ، وهنا لابد من التحرك على المثقفين لأجل اختيار الأصلح من النصوص لمنافسة. ولعل السنوات الأخيرة شهدت الساحة العراقية نتيجة حرية الكتابة ظهور مجموعة مميزة من الروايات والقصص نالت جوائز عالمية وعربية تصلح ان تكون مادة درامية يمكن من خلال كاتب سيناريو مبدع ومحترف يستطيع أن يحول هذه الأعمال الإبداعية إلى واقع درامي نلمس فيه بصمة ،وخصوصية عراقية تعيد بالمشاهد إلى سنوات الإبداع في الشاشة الفضية. وتأتي الدعم الحكومي مثل هذا المشاريع وإيجاد صلة بين التلفزيون الأديب بما يحقق المنافسة عربياً والاطلاع على التجارب المماثلة لاسيما خليجا يمكن أن يكون دواء ناجع.