أقيمت دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا للطعن بقرار مجلس الوزراء رقم 380 لسنة 2021 الذي منح قضاة المحكمة الاتحادية العليا ورئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى وممن هم بدرجة وزير قطع أراضي استثناء من بعض الضوابط التي تفرض على غيرهم من المواطنين والموظفين وسجلت الدعوى بالعدد 145/اتحادية/2021 وعين لها يوم 14/2/2022 موعداً للمرافعة الأولى وبعد المتابعة لموقع المحكمة الاتحادية العليا الإلكتروني وجد ان الدعوى أبطلت دون ان تنشر صورة من قرار الإبطال وهل كان بطلب من المدعية ام أبطلت بعد تركها للمراجعة أو لأي سبب اخر، وحيث ان تلك الدعوى كانت محل متابعة من أغلب المختصين في القانون وحقوق الإنسان لان فيها خصوصية تتعلق بكيفية إصدار الحكم وقضاة المحكمة الاتحادية العليا من المنتفعين من هذا القرار ولهم مصلحة في بقائه وعدم الغائه وما هو السند القانوني؟ كما إنها شكلت مضمون حملة إعلامية ضد القرار أعلاه لأسباب عدة والاعتراضات القانونية كانت متعددة ومنها التظلم الذي قدمه احد السادة المحامين وحيث ان الدعوى انتهت بإبطال عريضتها اعرض الاتي:
كنا نترقب هذا القرار لمعرفة كيفية البت في الدعوى لان قضاة المحكمة الاتحادية العليا من المنتفعين من هذا القرار وسجلت أراضي بأسمائهم بموجبه، وأصبحت لهم مصلحة في بقائه وعدم الغائه وقانون المرافعات يمنع على القاضي نظر الدعوى في حال اذا كان له او لزوجة او لأصوله او لأزواجهم او لفروعه او أزواجهم او لمن يكون هو وكيلا عنه او وصيا او قيما عليه مصلحة في الدعوى القائمة وعلى وفق نص المادة (91/3) من قانون المرافعات المدنية، وفي هذه الحالة هل يتم تشكيل محكمة بدلة ام يستمرون في نظر الدعوى؟
ان المحكمة الاتحادية العليا تطبق قانون المرافعات فيما لم يرد ذكره في قانونها (الأمر 30 لسنة 2005) او في نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2005 ، ولعدم وجود قواعد أو نصوص تتعلق بإبطال عريضة الدعوى فان المرجع هو قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل وحالات الإبطال في قانون المرافعات وردت في عدة نصوص منها الابطال بناء على طلب المدعي (المادة 88/1) التي جاء فيها (للمدعي ان يطلب ابطال عريضة الدعوى الا اذا كانت قد تهيات للحكم فيها) والثانية بعد ترك الدعوى للمراجعة وعدم مراجعتها من قبل اطراف الدعوى ومضي عشرة ايام فتقرر المحكمة إبطال عريضة الدعوى المادة (56/2) وكذلك اذا وجد نقص في البيانات الإلزامية في عريضة الدعوى ولم يتم معالجتها خلال المدة القانونية وتعذر تبليغ المدعي يتم إبطال عريضة الدعوى (المادة (50/2) من قانون المرافعات. لذلك كنا نتمنى ان ينشر قرار الإبطال لمعرفة على أي نص تم الإبطال.
ان أحكام إبطال عريضة الدعوى وردت في قانون المرافعات وهذا القانون مصمم أصلاً للدعاوى والمنازعات بين الأشخاص حيث عرف الدعوى بانها طلب شخص حقه من اخر أمام القضاء (المادة 2) واشترطت لها عدة شروط وأركان من اهم شروطها توفر المصلحة في المدعي بمعنى ان يكون المدعي متضرر (المادة 6) مرافعات ، كما ان الحكم الذي يصدر لا يتعدى اثره اطراف الدعوى ، وهذا جعل من المشرع ان يعتبر عدم حضور المدعي قرينة على تنازله عن حقه في اقامة الدعوى، ورتب اثر ابطال عريضة الدعوى على عدم الحضور او بناء على طلبه.
أما في الدعوى بالطعن بعدم الدستورية فإنها دعوى ذات طبيعة خاصة لأنها دعوى عينية، بمعنى ان الخصم فيها هو النص المطعون فيه او القرار المطعون فيه، وفي الحالة محل البحث هو قرار مجلس الوزراء رقم 380 لسنة 2021 ، لذلك في بعض الأحيان لا يتم الالتفات إلى مصلحة المدعي الشخصية، لان أصل الدعوى يتعلق بخصومة تجاه القانون أو النص القانوني المطعون فيه ولا تمثل حقاً شخصياً مثل طلب التعويض أو غير ذلك فضلاً عن عدم توقف القاضي عند طلبات المدعي أو الطاعن، وإنما له ان يبحث في أي أمر يتعلق بدستورية النص ويفتش عن الأسباب الأخرى التي تغافل عنها وهذا ما أكده فقهاء القانون الدستوري ومنهم الدكتور رفعت عيد سيد في كتابه الموسوم (الوجيز في الدعوى الدستورية ـ منشورات دار النهضة العربية ـ الطبعة الأولى عام 2004 ـ ص197)
من نتائج عينية الدعوى الدستورية ان للمحكمة الاتحادية العليا في دعوى الطعن بعدم الدستورية لاتقف عند طلبات المدعي وإنما قد تبحث في أمور لم يطلبها المدعي، على خلاف الدعوى الاعتيادية، فلا يجوز ان تنظر في ما لم يطلبه المدعي واعتبر الحكم بأكثر مما يطلبه المدعي خطأ جوهري يحاسب عليه القاضي (المادة 203/5) مرافعات.
المحكمة الاتحادية سبق لها وان تصدت إلى نصوص قانونية لم يتم الطعن فيها والأمثلة كثيرة وأخرها قرارها العدد 213/اتحادية/202 في 9/2/2022 والحكم بعدم دستورية نص المادة (24/ثالثاً) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 21 لسنة 2013 وجاء في أسباب تصديها لهذا النص الذي لم يطعن به الاتي (وعند تدقيق أحكام قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل بالقانون رقم (21) لسنة 2016 لاسيما المادة (24/ ثالثاً) وجدت المحكمة ما يستوجب التصدي لها لمخالفتها أحكام دستور جمهورية العراق لعام 2005 لاسيما المواد (14 و 16 و 27/ أولاً) منه، لما من شأن البيع بموافقة الوزير المختص بلا مزايدة من قبل البلدية المختصة أو أمانة بغداد، الإضرار بأموال وأملاك الدولة العقارية التي يقع واجب حمايتها وصيانتها على الكافة ومدعاة للتجاوز على تلك الأموال بلا وجه حق للرغبة في تملكها خلافاً لما تتطلبه المصلحة العامة، الأمر الذي يقتضي التصدي لنص المادة (24/ ثالثاً) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة آنف الذكر والحكم بعدم دستوريته وإلغاءه، ولما تقدم قرر رد الطعن شكلاً بخصوص المادة (15/ اولاً) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 والتصدي لأحكام المادة (24/ ثالثاً) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل.
ان تصدي المحكمة من تلقاء نفسها للنصوص غير الدستورية مبدأ يعمل به القضاء الدستوري، لكن باليات رسمها القانون وليس بشكل انتقائي، بينما قانون المحكمة الاتحادية العليا وقانون المرافعات لم يرد فيه أي نص إجرائي يعالج موضوع تصدي المحكمة من تلقاء نفسها ، مع ذلك فإنها عملت به وأسست له في اكثر من قرار.
كنا نعتقد ان المحكمة سوف تتصدى لدعوى الطعن بقرار مجلس الوزراء أعلاه حتى لو طلبت المدعية إبطال عريضة الدعوى أو إنها لم تحضر أو لأي سبب حال دون حضورها إلى المحكمة، لان طبيعة الدعوى تتعلق بالنص أو القرار المطعون فيه وان ضرره يعم على الجميع، وفي حال استمرار الدعوى فان المحكمة سوف تبحث فيه، فاذا كان غير دستوري فان ضرره مفترض، ومعالجة هذا النص فيه إيقاف للضرر، لان استمرار العمل به ضرر مستمر، وهذه الدعوى بعد إتمام التبليغات واستلام جواب المدعى عليه تكون مهيأة للفصل فيها لان المادة (2) من النظام الداخلي رقم (1) لسنة 2005، وقانون المرافعات أجاز للمحكمة ان تنظر في الدعوى حتى لتوفر طلب الإبطال وعلى وفق أحكام المادة (88/1) من قانون المرافعات التي جاء فيها الاتي (للمدعي ان يطلب إبطال عريضة الدعوى إلا اذا كانت قد تهيأت للحكم فيها)
كما كنا نتمنى ان تبادر المحكمة إلى النظر في الدعوى حتى بعد طلب الإبطال تأسيساً على الدعوى 213/اتحادية/2022 لسببين :
الأول اتحاد العلة بين الدعوى المبطلة وبين التصدي لنص غير مطعون فيه، وكان المفروض ان تنظر في الطعن مثلما نظرت في نص المادة (24) من قانون بيع وإيجار أموال الدولة لان علمها قد تحقق بوجود قرار فيه مخالفة دستورية، وبذلك لابد من المساواة وعدم التمييز وانتقاء ما تريد النظر فيه من النصوص،
السبب الثاني ان المحكمة الاتحادية بقرارها العدد 213/اتحادية/2022 في 9/2/2022 قد اعتبرت بيع أموال الدولة بموافقة الوزير المختص بلا مزايدة من قبل البلدية المختصة أو أمانة بغداد، من شأنه الإضرار بأموال وأملاك الدولة العقارية التي يقع واجب حمايتها وصيانتها على الكافة ويعتبر ذلك مدعاة للتجاوز على تلك الأموال بلا وجه حق للرغبة في تملكها خلافاً لما تتطلبه المصلحة العامة، إضافة الى مخالفة النص آنف الذكر لمبدأين دستوريين هما (مبدأ المساواة بين العراقيين كافة ومبدأ تكافؤ الفرص)، اللذان يتحققان عند بيع عقارات الدولة والأموال العامة العقارية بالمزايدة العلنية التي يشترك فيها الكافة.
المحكمة لم تعمل بما عملت به سابقاً في الحفاظ على المال العام ومبدأ المساواة، مع ان تخصيص أراضي لقضاة المحكمة الاتحادية ورئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى ومنهم بدرجة وزير فيه عدم مساواة مع أقرانهم من القضاة الأخرين لان أعضاء مجلس القضاء الأعلى هم ( رئيس محكمة التمييز الذي هو رئيس المجلس ونواب الرئيس الثلاثة ورؤساء الاستئناف البالغ عددهم (16) رئيس استئناف ورؤساء الادعاء العام والإشراف القضائي) فقط ،كذلك عدم مساواة عندما استثنتهم من الضوابط التي تطبق على جميع العراقيين بما فيهم أقرانهم، لانهم جميعا قد انتفعوا باستلامهم قطع أراضي سابقاً، وبعضهم اشترى عقارات من الدولة في أماكن مميزة وبأسعار رمزية وزهيدة جداً كانت سابقا تابعة لأزلام النظام السابق أو انها مصادرة، كما استثناهم من مسقط الرأس بينما فرض على غيرهم هذا الشرط مما ميزهم باختيار أي عقار في أي محافظة عراقية يكون مميز جداً على حساب ابناء تلك المحافظة.
ان المحكمة الاتحادية أسست لمبدأ جديد يتمثل في مد ولايتها على النظر في الأوامر والقرارات الإدارية التي هي حصراً من اختصاص القضاء الإداري وفي اكثر من مناسبة وأخرها قرارها بإلغاء الأمر الديواني رقم 29 لسنة 2020، وهذا ما يدعوا إلى ان المحكمة ذات اختصاص في نظر دعوى الغاء قرار تمليك الأراضي رقم 380 لسنة 2021.
وفي الختام فان هذا القرار بأبطال عريضة الدعوى الدستورية وقرار التصدي من تلقاء نفسها يدعونا إلى التأكيد على إصدار تشريع يتضمن قواعد إجرائية خاصة بمرافعات الدعوى الدستورية من اجل توحيد تلك الإجراءات وقطع دابر الاجتهاد والتأويل والانتقائية وارى ان الإسراع بتشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا وتضمينه قواعد مرافعات خاصة وقواعد إثبات خاصة وكذلك قواعد تنظم تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية وعدم تركها للأهواء وعدم تنفيذها مثلما يحصل الآن في قرار الطعن بقانون النفط والغاز وكذلك قرارها رقم 89/ اتحادية/2019 حول الغاء المحاصصة في قرار مجلس النواب رقم 44 لسنة 2008.