خاص: قراءة سماح عادل
رواية أ”حلام متقاطعة” للكاتبة التونسية “نبيهة العيسي” تحكي عن علاقة حب رومانسية تنتهي نهاية مأساوية.
الشخصيات..
الرواية تدور بين شخصيتين، شخصية البطلة “زهرة” وشخصية البطل “جمال”، ومابينهما بعض الشخصيات الثانوية التي تؤثر على حياة البطلين، مثل العمة التي أجبرتها الحياة على العيش وحيدة دون زوج . وأم البطل الذي تجبره على التزوج من زوجة أخيه المتوفي، وزوجة أخيه المتوفي التي لا تريد أن تعيش معه علاقة زوجية، لكنها رغم ذلك تريده ألا يفكر في امرأة غيرها أو يحب واحدة أخرى.
الراوي..
الرواية تتوزع بين صوتين، صوت الحبيبة وصوت الحبيب، “زهرة” و”جمال”، تبدأ بحكي “زهرة” بعد سنوات طويلة على موت حبيبها.
ثم حكي تصاعدي بالتناوب ما بين “زهرة” و”جمال” ومحدد بتاريخ عن بداية تعارفهما وقصة حبهما الجميلة التئ نشأت، ثم الصعاب التي واجهتها وكيفية تطور تلك العلاقة ثم الخلاف الذي حدث.
السرد..
الرواية تقع في حوالي ١٩٢ صفحة من القطع المتوسط، والرواية محكمة البناء، يتوزع الحكي على طرفين وتأتي النهاية مفجعة وصادمة، والرواية تبدأ من النهاية بل بعد النهاية بثلاثين عاما.
علاقة حب عذبة..
تحكي الرواية عن علاقة حب عذبة تحدث بين شابة عشرينية ورجل أربعيني، وكيف تقابلا مصادفة ثم تطور تلك العلاقة بلغة أقرب الى الشعرية وبتصوير عميق لمشاعر المرأة والرجل.
ثم تاتي العقبة التي تحول دون اجتماعهما، وهي موت أخو جمال وإجباره على التزوج من زوجة أخيه، وهذ الأزمة الحياتية تعجزه لأنها تفقده أية قدرة على التفكير أو التصرف. ويبقى عاجزا مما يسبب ألما شديدا ل”زهرة” يصل إلى حد الانهيار النفسي. وبعد تحاوز تلك المحنة واستنئناف علاقتهما يظل “جمال” في خانة المستسلم العاجز مما يؤدي الى سوء الفهم والكارثة اللاحقة.
الرواية ترصد أيضا معاناة العمة التي حرمت من الارتباط بمن تحب. بسبب تعنت شقيقها الذي رفض تزويجها من رجل يقطن في مكان بعيد عن مدينتها، في مدينة أخرى، مما أثر على حياتها وعلى سلوكها فأصبحت متحجرة القلب، تعامل ابنة أخيها بقسوة شديدة، وحتى تظل تحقد على أخيها حتى بعد موته.
قمع الحرية..
كما رصدت الراواية سجن والد “زهرة” والذي مات قهرا بسبب سجنه لمعارضته للنظام المتسلط في تونس. حيث توضح مدى تعنت وقسوة السلطة قبل ثورة الياسمين، وكيف أنها كانت تلفق التهم لأي أحد يرفض ممارسات السلطة وقمعها، واستبدادها. كما أشارت من بعيد لثورة الياسمين.
تقديم وجهتي النظر..
ميزة الرواية أنها نقلت وجهتي النظر لعلاقة الحب الكبيرة تلك، رصدت كيف تراها “زهرة” وتشعر بها وتنفعل معها، حيث أنها فتاة مأزومة نفسيا، فقدت أمها وهي صغيرة ثم ربتها زوجة أبيها كأنها أمها ولم تعلم بذلك إلا بعد موت أبيها كمدا في سجن السلطة، لتجد نفسها تكشف كل القسوة التي عاملتها بها زوجة الأب رغم أنها كانت تعتقد أنها أمها، وتفهم بعد سنوات طوال أنها كانت تعاملها بقسوة لأنها ليست أمها. ليست تلك هي الصدمة الوحيدة فقد صدمت أيضا في وشاية زوجة أبيها بأبيها والتسبب في دخوله السجن.
وتظن أنها سترتاح حين تترك منزل زوجة أبيها وتذهب للعيش مع جدها وعمتها، لتكتشف أنها بدأت فصلا جديدا من حياة مأساوية فعمتها تعاملها بقسوة شديدة وكراهية واضحة، وتصر على أن تشعرها دوما أنها عبء عليها وأنها تنفق عليها، وحين تجد “زهرة” الملاذ في شخص “جمال” وتظن أنها سترتاح أخيرا يتركها ويتزوج من أخرى.
وتنهار نفسيا وتصاب بحالة من فقدان الرغبة في الحياة، لكنه يعود وتعود هي، لكنه مع ذلك لا يوفر لها حياة آمنة ولا ينفذ وعوده في الارتباط بها والزواج، يكتفي بعلاقة حميمية سرية وتنجر هي إليها نتيجة لحبها الشديد له، وتظل تنتظر تغير الأحوال كما يعدها لتفاجيء أنه يتخلى عنها ويخبرها أن الزواج ليس مهما وأن علاقتهما أكبر وأهم من الزواج. فتشعر بالخزي والتخلي من جانبه.
في حين أن جمال يقدم هو أيضا وجهة نظره تجاه قصة الحب هذه والتي يحكيها من البداية بصوته، وكيف تعلق بها وبجمالها الآخاذ ثم سحرته بقربها وحميميتها، ليجد نفسه أمام تعنت أمه وتسلطها ويجبر على الزواج من زوجة أخيه، ولا يستطيع الفكاك من براثن سلطة أمه، فهو أيضا له أعذاره ومبرراته. أولا حين ترك زوجة أبيها والتي نكتشف أنها كانت على علاقة معه لعشر سنوات.
ثم حين قرر التخلي عن “زهرة” .حتى حين خذل “زهرة” وتنصل من وعوده معها قدمت له الرواية حرية أن يبرر ما فعل وأن يعبر عن نفسه وعن رأيه. وعن الضغوط التي يعاني منها وكان تبريريه أنه كان تحت ضغط ترك زوجة أخيه للمنزل وضغط أمه عليه ليعيدها، لذا قال كلاما غير محسوب ل”زهرة” في محاولة منه للابقاء على الأوضاع كما هي عليه، دون أن يضحي بشيء، فهو أراد أن يكسب “زهرة” وحبها ويكسب رضا والدته. كانت شخصية “زهرة” شخصية فتاة مأزومة نفسيا في مقتبل حياتها، وكانت شخصية “جمال” منساقة وراء قوة شخصية أمه وأحكامها، لذا شعر بالعجز واضطر إلى الاستسلام لها وفقط دون رغبة أو سعي للمقاومة والتشبث ب “زهرة” وحلم زواجه منها.
الغموض..
تنتهي حياة جمال، حيث تقوم إحدى النساء بتسميمه، ولا تذكر الرواية أيهم، لكن يفهم القاريء أنهن ثلاثة نساء تحوم حولهن الشبة، “زهرة” التي أحبها وأحبته، والتي تمنى أن يتزوجها لكنه لم يفعل خوفا من رد فعل أمه المتسلطة التي تريده أن يكون زوجا وفقط لزوجة أخيه، و”مليكة” زوجة أخيه التي تشعر أنه لا يهتم بها، ولكنها رغم ذلك لا تعتبره زوجا، لكنها فقط تمنت أن يكون أبا صالحا لابناءها، لذا غضبت حين علمت أنه على علاقة بفتاة وأنه ابنتها الكبرى التي دخلت مرحلة المراهقة علمت بالأمر، و”حورية” زوجة أبو “زهرة” والتي تسامحت مع هجره لها حين تركها بعد عشر سنوات من علاقة حميمية لأجل حبه ل”زهرة” لكنها حين علمت بتخليه عن “زهرة” غضبت أشد الغضب وقالت له أنها تسامحت معه في البداية لأجل “زهرة” التي تعتبرها مثل ابنتها، يا ترى أي واحدة منهن التي قامت بقتله غدرا. قد يمكن استنتاج أنها “حورية” حيث أنها من صنف النساء اللاتي يجدن الانتقام، وقد فعلت ذلك في السابق مع زوجها، والد “زهرة” حين كرهت اجباره لها على عدم الانجاب حتى تتفرغ لتربيه ابنته، وقد وشت بيه لدى السلطات وتم سجنه ومات مقهورا في السجن، لذا فهي الاقرب لذلك الفعل الغادر، مع كون “جمال” شخصيا طيبا رغم عجزه وضعفه وقلة حيلته.
الكاتبة..
“نبيهة العيسي” كاتبة تونسية من مواليد 25 يوليو 1972 بمدينة نابل التونسية، متحصلة على الأستاذية من كلية الآداب بسوسة، أستاذة أولى فوق الرتبة في اللغة العربية، عضوة بالصالون الأدبي “الهادي النعمان” بالمنستير، عضوة في اتحاد الكتاب التونسيين، عضوة مؤسسة في جمعية البديل الثقافي، عضوة في جمعية المبدعات العربيات. نشرت بعض الدراسات النقدية في مجلة “الحياة الثقافية” ومجلة “المسار”، وشاركت في إعداد وتقديم بعض البرامج الثقافية بإذاعة المنستير.وحصلت على جائزة الكومار الذهبي 2016 للرواية التونسية.
صدر لها..
- مجموعة قصصية أولى في 2012 بعنوان “لو يتكلم الصمت” عن دار البراق.
- مجموعة قصصية ثانية في 2015 بعنوان “إيقاع الحياة” عن دار رسلان.
- رواية “مرايا الغياب” الصادرة عن دار زينب حصلت على جائزة الكومار الذهبي 2016 للرواية التونسية.