بمناسبة ما عرضه القاضي فائق زيدان في مادة نشرها على موقع مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 1/4/2022 حول تعديل المادة (64/أولاً) من الدستور النافذ من اجل تيسير حل مجلس النواب بواسطة السلطة التنفيذية اعرض الاتي:
أولاً: ان ما عرضه القاضي فائق زيدان هو تأكيد لما كان ينادي به العديد من فقهاء القانون والأساتذة الأكاديميين والمختصين وحتى عامة الناس، وعلى سبيل المثال كان للدكتور غازي فيصل أستاذ القانون العام قد نشر عدة مواد بهذا الصدد في فترات سابقة، وانا أيضاً تصديت له بدراسة فقهية منذ عام 2015 وما قبلها وأخرون كثر، وما تفضل به القاضي فائق زيدان هو تأكيد على ان وجود تشكيلة مجلس النواب الحالي والسابقة هي اصل الداء، وينذر بحالة الخطر من العواقب غير المحمودة التي قد تحدث لاحقاً لا قدر الله.
ثانياً: ان ما عرضه القاضي فائق زيدان يمنحنا مؤشر مهم بان ارتدادات الحال الذي عليه وضع مجلس النواب الحالي اصبح عصيٌ على الحل مما دعا إلى البحث عن اليات حل المجلس، ويؤشر لنا ان القضاء يبدو ايضاً عاجز عن المعالجة ونستشف هذا الاستنتاج من تذييل المقالة بتوقيع القاضي فائق زيدان باسمه الشخصي المجرد من أي عنوان وظيفي بل حتى لم يكتب بصفته قاضياً وإنما بوصفة مواطناً عاديا لأنه استشعر الخطر ولا يملك القدرة على المعالجة من خلال موقعه الوظيفي او من خلال المؤسسة القضائية، وإنما يبحث عن الحل في ثنايا الدستور.
ثالثاً: ان القاضي فائق زيدان أشار إلى ان المعالجة تكمن في تعديل نص المادة (64/أولاً) من الدستور وارى ان هذا الطرح هو البحث في العوارض وليس في اصل الداء وجوهره، حيث يرى القاضي فائق زيدان بوجوب تعديل تلك المادة مما يتيح لرئيس الجمهورية مع مجلس الوزراء سلطة حل البرلمان دون الرجوع إلى مجلس النواب ذاته، وان كنت أرى ان النص الدستوري الحالي يوفر هذا الأمر بموجب نصوصه وسأعرض لها لاحقاً، لكن حتى لو تم حل البرلمان ماذا سيحصل؟ الجواب لا جديد يأتي بل ستتكرر ذات الوجوه وذات الكتل السياسية، لان النظام الانتخابي والبنى التحتية الانتخابية المتكونة من التقاليد السياسية والتكوين المجتمعي والانقسام الطائفي وتوفر السلاح خارج نطاق الدولة ووجود جماعات مسلحة ترتبط بالأحزاب والكتل الداخلة في العملية الانتخابية، كلها عوامل تمنع وجود شكل جديد لتشكيلة مجلس النواب، والدليل على ذلك عدد المرات التي تم فيها تعديل قانون الانتخابات بحيث لا تمر دورة انتخابية إلا وعدل القانون أو يستبدل كلياً، وعدد مرات اجراء الانتخابات والنتيجة واحدة.
رابعاً: ان التعديل الذي ينادي به القاضي فائق زيدان أرى لا حاجة له، لان النص الحالي يوفر إمكانية حل مجلس النواب بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية دون الحاجة إلى موافقة اعضاء مجلس النواب، وكنت قد كررت هذا الرأي في اكثر من مناسبة ومنها الدراسة التي نشرتها في عدة مواقع الكترونية وفي بعض الصحف في عام 2020 والموسومة (حل مجلس النواب بواسطة السلطة التنفيذية ومبدأ التوازن بين السلطات) مع ان بعض المختصين بالفقه الدستوري لهم رأي مخالف لكن الأسباب التي اعتقد إنها تدعم هذا الرأي سأعرضها بشكل موجز على وفق الاتي :
إن صياغة نص المادة (64/1) من الدستور لم تحسم موضوع من يملك الصلاحية بشكل صريح، لأنها ابتدأت بالية حل البرلمان الذاتية وأقرنت موافقة أغلبية عدد أعضائه بالطلب المقدم من ثلث أعضائه ، وانتهت هذه الجملة وأغلقها كاتب النص بفارزة يستدل منها على انتهاء الجملة واكتمالها، ثم أتى بجملة أخرى منح فيها رئيس الوزراء طلب حل البرلمان على أن يكون بموافقة رئيس الجمهورية ، وهذه الصياغة وان كانت مرتبكة لكن ما ورد في آخرها يعزز وجود آليتين إحداهما صلاحية رئيس الجمهورية بحل البرلمان، وظهر ذلك بوضوح عندما اقرن نص تلك المادة بعدم جواز حل البرلمان عند استجواب رئيس الوزراء، والسبب هو منع رئيس الوزراء من طلب حل البرلمان بموافقة رئيس الجمهورية إذا ما تعرض للاستجواب بقصد التهرب منه، وإلا لماذا يذكر ذلك إذا كان مجلس النواب هو من يقرر في النهاية ولا يؤثر عليه الطلب في فترة الاستجواب لان القرار بالنتيجة يعود إليه.
إن كاتب النص عندما صاغ آلية حل مجلس النواب لنفسه ذاتياً فانه بدأ بالعبارة الآتية (يُحل مجلس النواب) ثم أردفها بجملة اعتراضية بين فيها وجوب موافقة أغلبية عدد أعضائه ووضع الجملة بين فارزتين تؤكد إنها اعتراضية تفيد تفسير آلية الحل الذاتي لأنه استخدم في بدايته حرف الجر (الباء) ويفيد أهل اللغة إن استعمال هذا الحرف هو للإلصاق أي بإلصاق هذا المعنى مع معنى آخر وحيث إنها وردت بجملة عرضية بين حل مجلس النواب وبين آلية حله فإنها لصيقة بطلب أعضاء مجلس النواب فقط ولا يجوز جرها إلى جملة أخرى مستقلة عنها، كما يفيد أهل اللغة أيضا بان استعمال حرف الجر (الباء) يعطي معنى الوسيلة والآلة التي تستعمل فالأغلبية المقصودة هي لصيقة بطلب أعضاء مجلس النواب ووسيلتهم في حل البرلمان، ولا يمكن أن يتعدى معناها إلى جملة أخرى أتت بعد حرف العطف (أو) الذي يفيد التخيير بين آليتين للحل وليس بين طلبين، لأنه لو كان النص يقصد بين الطلبين لما أشار إلى عبارة (الموافقة) التي وردت بعد رئيس الجمهورية وإنما كان بإمكانه إن يعتبر الطلب مشترك بين رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. لكن النص واضح بان الموافقة على الطلب بالحل وليس على إحالته إلى مجلس النواب.
لو كان النص يشير إلى إن موافقة رئيس الجمهورية على إحالة الطلب إلى مجلس النواب ، فما هي الحكمة من ذلك أو ليس لرئيس الوزراء أن يطلب من مجلس النواب حل نفسه دون الرجوع إلى رئيس الجمهورية طالما إن موافقته لا اثر لها، ولا يوجد ما يمنع من ذلك لان أي مواطن له الحق أن يطلب من أي جهة كانت طالما هي التي تقرر وليس سواها، لذلك فان مقصد النص هو وجود آليتين لحل مجلس النواب وليس آلية واحد بطلبين من جهتين مختلفتين.
ان الدستور العراقي وفي نص المادة (1) اعتبر نظام الحكم في العراق نيابي وعلى وفق النص الآتي (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق) وهذا الوصف يمنحه مزايا استقر عليها فقه القانون الدستوري منذ أن ظهرت الأنظمة النيابية ومنها تبادل الرقابة بين الحكومة والبرلمان، فالبرلمان له إسقاط الحكومة عبر آلية سحب الثقة عنها والتي تضمنها نص المادة (61/8) من الدستور العراقي النافذ لذلك لابد للسلطة التنفيذية سلاح لموجهة هذه الصلاحية، وهي حل البرلمان وهذا ما تبنته جميع النظريات في المتعلقة بنظام الحكم في الفقه الدستوري ويكاد يكون محل إجماع جميع فقهاء القانون الدستوري في العالم، وهذا ما عرضه بشكل صريح الدكتور وحيد رأفت والدكتور وايت ابراهيم في كتابهم الموسوم ( القانون الدستوري ـ طبعة القاهرة عام 1937 ـ ص 516) والدكتور سليمان طماوي والدكتور عثمان خليل في كتابهم الموسوم ( موجز القانون الدستوري طبعة القاهرة عام 1951 ـ544 وما يليها) والدكتور محمد كامل أبو ليلة في كتابه الموسوم (القانون الدستوري ـ طبعة القاهرة الثانية عام 1962 ـ ص610) والدكتور رمزي طه الشاعر في كتابه الموسوم (النظرية العامة للقانون الدستوري ـ الطبعة الثالثة دار النهضة العربية في القاهرة ـ عام 1983 ـ ص 369) وعشرات المراجع العربية والأجنبية تؤكد على هذا المبدأ الذي أصبح من المسلمات في فقه القانون الدستوري.
خامساً: ان التثقيف على عدم وجود فرصة للسلطة التنفيذية على حل البرلمان هو فرصة لتشجيع طرف للتغول على طرفٍ اخر وتعظيم لصلاحيات سطلة على صلاحيات سلطة موازية لها، مما يعدم وجود مبدأ التوازن بين السلطات، حيث ان النظام الدستوري في العراق يتكون من ثلاث سلطات متوازنة يراقب بعضها البعض، وعلى وفق ما تم عرضه، بل قد يعطي رسالة يفسرها البعض على غير غاياتها، مثال ذلك تمسك بعض الكتل والجهات المنتفعة من الحال القائم الآن والتعلل بتلك الآراء التي أثارها القاضي فائق زيدان وغيره من الباحثين والمختصين في القانون الدستوري، لانهم بلا ادنى شك سوف لن يذهبوا إلى المحكمة الاتحادية العليا لان رأي القضاء اصبح واضحاً وجلياً من خلال ما يعرضه السادة القائمين على شؤونه.
سادساً: المعالجة : أرى ان المعالجة ليس بتعديل المادة (64/أولاً) من الدستور وإنما إعادة النظر بالدستور بالمجمل وفصل مجلس النواب عن التحكم بترشيح رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء ، وجعل السلطة التنفيذية بيد جهة واحدة ، اما رئيس الجمهورية او رئيس مجلس الوزراء لمنع الازداوجية والتقاطع، وذلك من خلال انتخابه بالمباشر من الشعب دون الرجوع إلى هذه الأليات المعقدة التي لم تنتج لنا أي تشكيلة رئاسية تنفيذية أو تشريعية تتناسب وحاجة البلد إلى من ينتشله من الوضع البائس الذي فيه الأن، وقد يقول البعض ان هذا اعتداء على سلطة مجلس النواب لأنه يمثل الشعب وينوب عنه لأنه منتخب، والرد على ذلك يكون بالقول الاتي ، لماذا نذهب إلى الوكيل والنائب ونمنحه الفرصة ليتحكم بمصير الشعب، بينما لنا القدرة على ان نمنح الشعب الفرصة في انتخاب رئيسه بدون وسيط، ولا يشكل ذلك أي كلفة مالية إضافية، وإنما يكون في ذات اليوم الذي يتم فيه انتخاب مجلس النواب وبصندوق مجاور، وعند ذاك سنبعد مجلس النواب عن أي معوقات تحول دون انعقاده ويتفرغ لعمله التشريعي والرقابي
لذلك أرى ان القاضي فائق زيدان اكد ما كنا قد ذكرناه سلفاً وقرع جرس الإنذار مجدداً، ودعا إلى وجوب تعديل الدستور وباليات ميسرة ومتاحه له الآن وبإمكان أعضاء مجلس النواب لو كانوا جادين تعديله بكل يسر وسهولة، وهذا ما عرضته في دراسة سابقة فيها توضيح لهذه الآليات نشرتها عدة صحف ومواقع الكترونية في عام 2019 والموسومة (آليات تعديل الدستور العراقي في ضوء أحكامه النافذة) كما يمكن لرئيس مجلس الوزراء ان يطلب حل البرلمان وبموافقة رئيس الجمهورية دون أي مشاركة لمجلس النواب بذلك.