تأسست دولتنا, ومَن الذي حكمها عند التأسيس ؟
ملك جاؤوا به من خارج البلاد , وتواصل الحكم , ثم إنتهى لخاتمة مروعة صبيحة الرابع عشر من تموز , عام ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين.
وجاءنا زعيم , إنتهى لما إنتهى إليه في الثامن من شباط عام ألف وتسعمائة وثلاثة وستين.
وجاء مَن جاء وإنتهى إلى نهايته المأساوية , إلا واحد فقط!
وفي خضم هذا التداول الدموي للكرسي بالبلاد , يتعالى سؤال في رحاب الأيام , عنوانه , مَن يحكمنا؟
وقد تداولنا على مدى عقود , أفكار كاذبة , وتصورات خادعة , وأمضينا العمر وقهرنا الأجيال بطروحات تضليلية وتمريرية لا غير.
فقالوا أن الحزب الفلاني هو الذي حكم , والفئة الفلانية , والمذهب الفلاني , والشخص الفلاني , وقالوا وقالوا , ولا يزالون يقولون ويفترون , ويوهمون الناس بأن الذي يحكمهم هذا وذاك.
ووفقا لهذا المنهج التضليلي يتحقق الربح الأعظم بإشغال الناس ببعضهم , وتحويل حياتهم إلى جحيم ومعاناة وقهر متزايد , فيتشردون ويتركون ما بحوزتهم للآخرين.
وفي واقع الحال , إن الذي يحكم البلاد , منذ تأسيس دولتها وحتى اليوم , هي المصالح الإقليمية والدولية.
نعم لا أحد يحكم البلاد إلا المصالح.
فلم يحكمها أحد , إلا إذا خدم المصالح ونفذ الستراتيجيات بحذافيرها , ومن غير إجتهاد أو تحريف.
ومن يتوهم بأنه سيلعب لعبته , فأنه سيلقى مصيرا مشؤوما كسابقيه.
ومتوالية الحكم في البلاد , تتكرر وفقا لهذا المنهاج , ولا يمكنها أن تتغير , فالشعب مسلوب الإرادة , ومحكوم بالحاجات والإضطرابات , والإزدحامات وآليات القهر اليومي المتنوعة والمتجددة على جميع المستويات, وما تبدلت , وما جاءت بما هو غير أزموي ومعوق للإنطلاقات الحضارية المعاصرة.
فلا يمكن لمن يحكم أن يبني , وإذا بنى فأنه من أجل أن يوفر الأسباب اللازمة لتدمير جميع البناء , فحالما يتم بناء العقل البشري , تصنع له الويلات والدواعي للقضاء عليه , ولهذا تحطم التعليم , وانحرف بناء العقل, وتميعت التربية , وفقدت المعرفة تأثيرها , وأصبح الناس في مآزق الحسرات.
قد لا يرى ذلك البعض , وربما ينزعجون , لكن الأدلة القائمة والمنصرمة تشير إلى أن الذي يحكمنا , ليس منا , ولا يقوم برعايتنا , والإهتمام بمصالحنا , وإن ذات المفردات والتبريرات والتسويغات لما يقوم به تتكرر على مر الفترات.
أليست هي ذاتها , النظام السابق , وأعداء النظام , والنظام العميل , وأضيف إليها مسميات جديدة , لتلعب لعبتها على مدى عقود القرن الجديد , بعد أن أستهلكنا القرن السابق بمفردات ذات نفس النتيجة.
أي أن العقلية التي تحكمنا , هي ذات العقلية , وإن تغيرت واجهاتها , وخلاصتها , أنها تتكلم وترى وتقرر بإرادة النفط وحسب.
فلن نحكم أنفسنا ما دام مخزون النفط عندنا هو الأطول عمرا , والذي سيمنح المقتدرين قوة الإمساك بالآخرين.
وعاش النفط , ودام كل مُسَخرٍ لغايات الآخرين!!