في شهر فبراير الماضي رفضت المحكمة الاتحادية العراقية الطعن المقدم اليها بخصوص المادة 41 من قانون العقوبات العراقي والتي تنص على :
– لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون ويعتبر استعمالاً للحق، تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الاولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً او قانوناً او عرفاً”.
كالعادة يتجاهل المشرع العراقي كمية التعنيف الذي تعاني منه المرأة والطفل العراقيين ويعلل رفضه لالغاء القانون بكلمة (ان التأديب وتقويم المرأة من الاعوجاج هو حق مشروع للرجل) ، كما وتم تحديد التقويم بما يناسب الشرع ثم القانون ثم العرف ! وبهذه الطريقة هو لا يخالف الدستور الذي نص على (لايجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور) باعتبار ان (تأديب الزوجة) هو حق من حقوق الزوج !
السؤال المطروح قبل مناقشة (ما يبيحه الشرع لنعرف ما يبيحه القانون والعرف على التوالي) هو : كيف يتم تحديد اعوجاج المرأة ووجوب تقويمها ؟ هل هناك معايير نستطيع الاعتماد عليها وتعميمها على الازواج والطلب منهم (تقويم نسائهم) اذا خرجن عن هذه المعايير ؟
كيف سيتم السيطرة على قانون مطاطي لا يحمل بين طياته اي شروط للتعنيف الجسدي ؟ بل على العكس ، فهو قانون يبيح اهانة المرأة والطفل بالاعتماد على معايير مزاجية من قبل الزوج والاب يقوم تحديدها حسب خلفيته الاسرية وطريقة تربيته والعرف السائد في عشيرته .
نعود الان الى رأي الشرع في موضوع ضرب الزوجات ، اذ يتفق معظم رجال الدين لجميع المذاهب على ان تعنيف الزوجة جائز لكن في احدى الفتاوى يقول صاحبها لايجوز ترك اثر او احمرار ويقول الاخر بالسواك ويقول الاخر بالريحان والى اخره من محاولات تبرير العنف الجسدي ضد المرأة ولم يتطرق اي رجل دين الى منع العنف الجسدي ضد الزوجة اقتداءا بالاية ( فامساك بمعروف او تسريح باحسان) على سبيل المثال ! ونتسائل هنا ما الضرورة من وجود ضرب جسدي اذا كان لزاما عليه ان يكون رقيقا ؟ وكيف يكون الضرب رقيق ؟ وما الغاية منه ؟
يستند رجال الدين وكتب الفقه بأحلية تعنيف النساء على الأية (واضربوهن) مع قطع مقدمة الاية التي تذكر بالصريح (والللاتي تخافون نشوزهن) ، كلمة (تخافون نشوزهن) هو تأكيد ان النشوز لم يقع وانما الفعل هذا يسبق وقوع جريمة النشوز ! هل من العدل معاقبة شخص لمجرد الشك وقبل وقوع الفعل ؟ ولماذا يصر رجال الدين على تحريف احكام القرآن بطريقة مناسبة لعادات وتقاليد المجتمع ؟ ولماذا يصرون على ايجاد تصريفات دينية لعادات القبائل ؟
علما ان كلمة النشوز بقاموس اللغة العربية وكما قالت العرب سابقا (نشزت الارض = علت وارتفعت) ترمز الى التكبر والتعالي فقط وليس الى اي فعل أخر! فهل من المعقول ان نعاقب بالضرب جميع النساء لمجرد الشك في انها ستقوم بفعل (يزعج الزوج) ؟
بعيدا عن كون كلمة الضرب جاءت في القرآن في 58 موضع تحتوي على معاني مختلفة اهمها الابتعاد وخلق مسافة (واضربوا في الارض = سافروا) والى اخره من المعاني التي لا ترتبط بأي شكل من الاشكال بمعنى الضرب العامي المتداول ضمن اللهجة الدارجة محليا والذي يعني التعنيف الجسدي .
اما على صعيد الطفل العراقي فنجد ان رجال الدين قد افتوا بأحقية قتل الطفل من قبل ابيه ولا يجوز القصاص للاب لان الاب هو الاصل اما الطفل لا يتعدى كونه (فرع) فكما جاء في الترمذي (لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَد ) وقام لاحقون بتحديد عقاب الاب (اذا كان القتل عمدا وليس لغرض التأديب) فقط ! طبعا مع عدم وجود اي نص قرآني يشرعن للاب قتل ابنه بدون قصاص !
نصل في النهاية الى استنتاج معين وهو : ان القانون العراقي لا يقوم بتحديد ما هية وما معنى كلمة الشرع ، فهو لا يقيد الشرع بالايات القرانية ولا يرفض الفتاوى ولا التفاسير المختلفة ، وبهذا كلمة الشرع هي كلمة مطاطية اخرى و في اول تحديد للشروط في المادة 41 من قانون العقوبات تعني وتعطي احقية ضرب النساء و تجيز قتل الاطفال من قِبل ابيهم ايضا . وبهذا نصل الى ان ما يلي كلمة الشرع وهي كلمة قانونا وعرفا لا تتعارض لا مع التعنيف الجسدي ولا مع قتل الاولاد من قبل ابائهم وهنا سنفهم ايضا لماذا تم الحكم بالاعدام على الام قاتلة اولادها في مدة لا تتجاوز ال3 اسابيع ولم يتم ولا حكم اعدام واحد بحق الرجال الذين قتلوا زوجاتهم واطفالهم في العراق .
ان ما يثير الحزن والحنق اننا نتحدث عن قوانين سارية المفعول في العام 2022 اذ نقوم بتطبيق احكام الاعدام بتمييز جندري فاضح و تسري العقوبات فقط على النساء !