مقدمات
أولاً، يلاحظ بعد إنتهاء الحرب الباردة ونشوء نظام القطبية الواحدة، اللجوء إلى إرهاب الدولة كأحد وسائل الاستراتجية الأمريكية، لإحداث تغييرات في النظام الدولي، من خلال تفكيك نظام العلاقات الدولية واعادة تشكليه بما يخدم استراتيجتها الكونية في الهيمنة على العالم. تختلف طبيعة هذه المحاولات، وتتنوع أساليبها، فتارة تكون مكشوفة، إصدار قانون تحريرالعراق من قبل الكونغرس الامريكي، 1999، أو نظام العقوبات المنفردة التي فرضتها على كثير من دول العالم لاجبارها للخضوع لسياستها، وتارة أخرى تلجأ إلى الغزو العسكري، لاسقاط الأنظمة، كما حصل للعراق وأفغانستان، أو التدخل العسكري، تحت غطاءات أطلسية، كما حصل في يوغسلافيا 1991، وليبيا 2011، وتارة أخرى تكون المحاولات ” مستورة” مثل مشروع “كارتر” لتصدير الديمقراطية، والاحتواء المزدوج للعراق وإيران، والفوضى الخلاقة، التي طبقت مضامينها في البلدان العربية، خلال الاحتجاجات الشعبية التي حدثت في الآونة الاخيرة. لقد حققت الإستراتيجية الأمريكية، نتائج ملموسة، على سبيل المثال، تفكيك الاتحاد اليوغسلافي وأثيوبيا والسودان، واسقاط نظامين، العراق وأفغانستان.
ثانياً، إن اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، يؤشر على إصرار الولايات المتحدة على الإنفراد بقيادة هذا النظام الدولي وفق رويتها الخاصة، ورفضها تنسيق النشاط الدولي المشترك لمكافحة الإرهاب الذي يتم من خلال المنظمات الدولية التي تمتلك الولايات المتحدة نفوذاً وتأثيراً على توجهاتها في الظروف الراهنة. وقد أكدت تجربة مكافحة ” داعش” في سوريا والعراق، هذا التوجه حين رفضت الولايات المتحدة مشاركة روسيا الإتحادية ودول أخرى، في النشاطات الدولية، على الرغم من تأسيس تحالف دولي يضم أكثر من خمسين دولة، ومن ضمنها دول متهمة بدعم منظمات السلفية الجهادية الإسلامية، ولكنها تنسجم مع رؤيتها الخاصة بمكافحة الإرهاب، خوفاً من كشف موقفها المزدوج من الإرهاب على الصعيد الدولي.
ثالثاً، اعطاء القوانين الوطنية الأمريكية صفة دولية، يعتبرأحد الأشكال الجديدة لإرهاب الدولة في ظروف العولمة الرأسمالية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قانون ” جاستا ” المعروف بقانون ( العدالة ضد رعاة الارهاب ـ جاستا ) الذي أصدره الكونغرس الأمريكي 2016، الذي يمثل تحدياً للقانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول منذ معاهدة وستفاليا 1648، التي كانت الأساس لاتفاقية الحصانة السيادية للدول التي صادقت عليها الأمم المتحدة ووقعتها الولايات المتحدة عام 1977، وتم تطويرها لاحقاً، باتفاقية جديدة عام 2004. كما ان تنفيذه يؤدي إلى تخريب العلاقات الدولية القائمة على القواعد والأعراف الدولية والتي تطورت ” أي العلاقات الدولية ” على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
رابعاً، كثيراً ما يتم الخلط بين الأعمال الإرهابية التي تقوم بها المنظمات والأشخاص خارج حدود الدولة التي يقومون بها أو ضد المؤسسات الدولية واعتباره إرهاباً دولياً وبين إرهاب الدولة الذي تمارسه دولة ما على دولة أخرى بهدف ابتزاز تلك الدولة واجبارها على تقديم تنازلات.
خامساً، إن تنامي ظاهرة أرهاب الدولة الذي ترعاه الدول الغربية ، خاصة الولايات المتحدة، ادى إلى تفكيك عدد من الدول والذي اتخذ ” أي إرهاب الدولة” أشكالاً تنوعت بين العقوبات الاقتصادية واستخدام القوة او التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، والغزو العسكري لدول ذات سيادة، ودعم نشاط المنظمات الإرهابية، اضافة إلى فرض القوانين الوطنية الأمريكية على الدول الأخرى، بهدف اجبارها على تغيير سياستها بما يخدم المصالح الخاصة للدول / الدولة التي تمارس أرهاب الدولة. وعلى الرغم من ان أرهاب الدولة يعتبر جريمة دولية، إلا ان المعايير المزدوجة من قبل الدول الغربية لظاهرة أرهاب الدولة، يشكل حماية للدول التي ترعى أو تمارس الإرهاب الدولي.
سادساً، نحاول من خلال هذه الدراسة، الاجابة على سؤال رئيسي يتعلق بالأسباب التي أدت إلى اتساع ظاهرة الإرهاب على الصعيد الدولي، على الرغم من الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة الارهاب، ويتفرع عن ذلك أسئلة أخرى منها، ما الفرق بين إرهاب الدولة الداخلي والخارجي؟ لماذا يتم اللجوء إلى الإرهاب الدولي كوسيلة لتحقيق المصالح الخاصة لبعض الدول ومنها الولايات المتحدة على سبيل المثال؟ ما هي الأسباب التي تحول دون اتفاق المجتمع الدولي على تحديد تعريف موحد للإرهاب بشكل عام وارهاب الدولة بشكل خاص ؟ هل الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الويالات المتحدة والتي تعتمد القوة المسلحة وتجاهل الأسباب الحقيقية للإرهاب، نجحت في القضاء على الارهاب؟ ؟
سيتم تناول الموضوعات السابقة في ثلاثة أقسام، الأول، الإرهاب الدولي ومفهومه في ظل نظام القطبية الواحدة والقسم الثاني، علاقة الولايات المتحدة بالإرهاب الدولي. والقسم الثالث، الأشكال الجديدة لإرهاب الدولة من خلال تسليط الضوء على قانون ( العدالة ضد رعاة الارهاب ـ جاستا) وأهدافه وإشكالياته، وتأثيره على سيادة الدولة الوطنية.
القسم الأول:
الإرهاب الدولي ومفهومه في ظل نظام القطبية الواحدة
اصبح الأرهاب ظاهرة دولية بعد هجمات 11سبتمر 2001، حيث انتشرت الأعمال الإرهابية، التي يرتكبها الأفراد والمنظمات وكذلك الدول، الامر الذي أدى إنتشار حالة الخوف والقلق والرعب، بين المواطنين في كل مكان، وكما يقول أحد الباحثين، حدثت عولمة للإرهاب تشبه عولمة الإقتصاد التي حدثت بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال البلدان الإشتراكية في أوربا في بداية تسعينيات القرن الماضي(). إن اتساع ظاهرة الإرهاب الدولي يعود لأسباب عديدة من أهمها:ـ
أولاً، فشل نظام القطبية الواحدة في فرض توجهاته على دول العالم بالوسائل السلمية، لذلك تم اللجوء من قبل دول الرأسمالية المعولمة لتنفيذ سياسة الهيمنة على شعوب العالم بالقوة المسلحة.
ثانياً، توفير ملاذات آمنة للمنظمات الإرهابية وقياداتها في الدول الغربية والدول التابعة لها، والتعاون معها لتنفيذ سياستها، لتفتيت الدولة الوطنية واعادة بنائها بما يتلائم مع المصالح الخاصة للدول الرأسمالية الكبرى، بعد أن تم تغير هدفها السابق المتمثل في محاربة المعسكر الاشتراكي والقوى اليسارية. ومن الأمثلة المعاصرة على هذا التوجه، تأسيس تنظيم داعش الإرهابي وتقديم الدعم المادي والمعنوي واللوجستي من قبل الدول الحليفة للولايات المتحدة، تركيا وبعض دول الخليج العربي().
ثالثا، التعاون بين منظمات اليمين المتطرف والحركات الإرهابية، الذي يلقى التشجيع من أحزاب اللبيرالية الجديدة الحاكمة في الدول الرأسمالية الكبرى التي تعطي الصراع مع دول العالم وشعوبه التي لا تسير في فلك العولمة الرأسمالية، صبغة دينية ـ عنصرية().
رابعاً، مقاومة الدول الوطنية وشعوب العالم اللهيمنة الرأسمالية وافرازات العولمة الرأسمالية المتمثلة:ـ
ـ تهميش السيادة الوطنية.
ـ فرض شروط غير متكافئة في العلاقات الإقتصادية الدولية أدى إلى نهب الثروات الوطنية من قبل الدول الرأسمالية الكبرى وما ننتج عنه من انتشار الفقر والحرمان الاجتماعي وتردي الخدمات الإساسية.
ـ التدخل في النزاعات الداخلية للدول الوطنية لصالح قوى الليبرالية الجديدة واليمين المتطرف والسلفية الجهادية().
ـ انتهاك حقوق الإنسان وتجاهل معاناة الشعوب التي تتعرض للأضطهاد من الأنظمة الاستبدادية، ارتبط بمحاولات فرض النموذج الأمريكي للديمقراطية، كطريق وحيد للتخلص من الاستبداد، ادى إلى حالة من الفوضى وانتشار العنف وعدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
لقد اتخذ الرد على سياسة الرأسمالية للهيمنة، أشكالا مختلفة ثقافية وسياسية واجتماعية، كما تنوعت أساليب المواجهة، وكان الإرهاب أكثر الأساليب تطرفا الذي بلغ ذروته في صعود السلفية الجهادية خلال نشوب الاحتجاجات الشعبية العربية التي استغلت من قبل الولايات المتحدة، لتنفيذ استراتيجيتها في الهيمنة من خلال دعم الفوضى الشاملة، الأمر الذي شكل تغييراً جوهرياً مقارنة بالفترة التي سبقت الاحتجاجات، حيث كان شعار الاستراتيجية الامريكية ” انجاز استقرار بلا حريات في الشرق الاوسط”()، حيث نفذت هذه الاستراتيجية من خلال دعم السلطات الاستبدادية في بلدان الشرق الاوسط، وبعد نشوب الاحتجاجات، أصبحت الاستراتيجية الأمريكية تنفذ تحت شعار الفوضى الشاملة تجلب الديمقراطية.
يعتبر الإرهاب من أكثر المفاهيم السياسية التي تعرضت لها الدراسات والأبحاث خلال العقود الخمسة الاخيرة، كما أنها من المفاهيم الذي أثارت الاختلاف والجدل بين الباحثين ورجال القانون والسياسيين والمنظمات الدولية. ويشير أحد الباحثين جينكنز Jenkins ) ) الى هذه الإشكالية بقوله ” على الرغم من أن مصطلح الإرهاب صار بمثابة الصرعة في الأدبيات المعاصرة إلا أنه لا يوجد تعريف واحد محدد ومقبول على نطاق واسع وغالبًا ما يستخدم المصطلح كتعبير عن صور شتى من أعمال العنف التي قد لا تتطابق بدقة مع الأعمال الإرهابية” (). ورغم ذلك هناك مجموعة من التعاريف نشير إلى أهمها:ـ
تعريف الأمم المتحدة حسب قرارالجمعية العامة في ديسمبر 1994 يعرف الإرهاب ب” الأعمال الإجرامية التي يقصد منها أو يراد بها اشاعة حالة من الرعب، لأغراض سياسية، بين عامة الجمهور أو جماعة من الأشخاص أو أشخاص معينين، هي أعمال لا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال أياً كان الطابع السياسي أو الفلسفي أو العقائدي او العنصري او الإثيني او الديني أو أي طابع آخر للاعتبارات التي قد يحتج منها لتبرير تلك الأعمال” ().
تعريف الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب: هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو إغراضه، يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس ، أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة، أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض احد الموارد الوطنية للخطر().
تعريف وزررة الخارجية الأمريكية: ” الإرهاب هو استخدام العنف أو التهديد به لخلق حالة من الخوف والذعر من أجل نحقيق أهداف سياسية أو دينية ، أو أيديولوجية ” ().
كما عرفه بعض فقهاء القانون، ومنهم سوتيل “Sottile ” بأنه (العمل الإجرامي المقترن بالرعب أو العنف أو الفزع بقصد تحقيق لهدف معين) () . في حين عرفه الفقيه، سلدانا “Saldana “” في تعريفين أحداهما واسع، والآخر ضيق فقد عرفه في معناه الواسع بأنه كل “جناية أو جنحة سياسية أو اجتماعية ينتج عن تنفيذها أو التعبير عنها ما يثير الفزع العام لما من طبيعة ينشأ عنها حظر عام” أما المعني الضيق فإن الإرهاب يعني “الأعمال الإجرامية التي يكون هدفها الأساسي نشر الخوف والرعب كعنصر شخصي وذلك باستخدام وسائل من شأنها خلق حالة من الخطر العام كعنصر مادي”(). وعرفه الفقيه دايفيد إيرك “Eric David ” بأنه “كل عمل من أعمال العنف المسلح يرتكب لتحقيق أهداف سياسية أو فلسفية أو إيديولوجية أو دينية” كما عرفه الفقيه ويلكنسون “Wilkinson ” إلي أنه نتاج العنف المتطرف الذي يرتكب من أجل الوصول إلي أهداف سياسية معينة يضحي من أجلها كافة المعتقدات الإنسانية” ويقسمه إلى أربعة أنواع، الإرهاب الحربي، كالجوء إلى وسائل مختلفة لإشاعة الرعب بين المواطنين من خلال إستخدام الأسلحة مثل المتفجرات والقنابل، الإرهاب الثوري، الذي يهدف إلى إقصاء النظام السياسي في الدولة، والإستيلاء على السلطة، والإرهاب شبه الثوري، وهوالذي يرتكب بدون دوافع سياسية أو أيديولوجية، ولا يهدف إلى الإستيلاء على السلطة، والإرهاب القمعي، مثل التدابير القمعية (). ويعرفه محمود شريف بسيوني: ” إستراتيجية تشجيع العنف المركب من قبل الأفراد للوصول إلى السلطة من حيث النتيجة .. وهوسلوك إكراهي فردي أو جماعي”().
ورغم هذه التعريفات إلإ ان الدول الغربية، لم تأخذها بنظر الاعتبار في سلوكها وممارساتها في العلاقات الدولية.
تعريف الإرهاب الدولي
يعتبر تعريف إرهاب الدولة، أكثر تعقيدأ لأنه يتعلق بسلوك الدول المتنفذة في النظام الدولي الرامي إلى فرض الهيمنة على الدول الضعيفة، كما إن مصالح الدول الغربية المتنفذة على المنظمات الدولية، وموقفها من الأعمال الإرهابية ومرتكبيها من المنظمات والدول، منع الاتفاق على تعريف شامل للارهاب حسب رأي كثرة من فقهاء القانون الدولي. لذلك كثير ما يجري الخلط بين مفهوم الإرهاب الذي تقوم المنظمات والأفراد ويأخذ صفة دولية وإرهاب الدولة الخارجي، رغم الفرق الكبير بين الإثنين، فالاول، يأخذ صفته الدولية بناء الإعمال الإرهابية التي يقوم بها الأفراد والمنظمات خارج إقليم الدولة التي ينتسبون إليها وطبيعة الأهداف التي تتعرض للأعمال الإرهابية والتي لها صفة الدولية، والذي يهدف إلى الإضرار بمصالح الدول الأخرى أو المؤسسات الدولية، كالبعثات الدبلوماسية باعتبارها تتمتع بحصانه دولية والمصالح الدولية، كوسائط النقل الجوي والبحري وغيرها، بمعنى آخر، يتجاوز العمل الإرهابي نطاق الدولة الواحدة، أما الثاني، فهو ذلك النوع الذي تمارسه دولة ضد دولة أخرى سواء بشكل مباشر او بالواسطة، بهدف ابتزازها وإجبارها على الخضوع لإرادة ومصالح الدولة التي تمارس العمل الإرهابي.
كما أن هناك عامل آخر، ساهم بضعف الإهتمام بالآثار الخطيرة لإرهاب الدولة الخارجي، ويتمثل ذلك، بتركيز الدراسات من قبل معاهد البحوث الممولة من قبل أجهزة الدولة في الدول الرأسمالية الكبرى على الإرهاب الذي تقوم به المنظمات والأفراد، لذلك من من الأهمية الإشار إلى كيف تفوق إرهاب الدولة على الإعمال الإرهابية للمنظمات والأفراد، حيث تتجنب معظم الإبحاث والكتابات الإشارة إلى إرهاب الدولة، فعلى سبيل المثال، ورد في موسوعة الإرهاب العالمي إن إرهاب الدولة يأخذ 13 صفحة فقط من 768 صفحة، خمس منها عن الإرهاب الذي ترعاه الدولة().
جرى تعريف مفهوم ارهاب الدولة، لأول مرة، من قبل عصبة الأمم عام 1937 وهو ” الأعمال الأرهابية هي الأعمال الإجرامية الموجه ضد دولة ما والتي يقصد منها خلق حالة من الرعب في نفوس وأشخاص أو جماعة من الناس أو عامة الجمهور”(). وقد تم تجاهل هذا التعريف من الدول المتنفذة آنذاك في المجتمع الدولي، واستمر الجدل حول تعريف الإرهاب الدولي وتوصلت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة عام 1954 إلى توصيف للإرهاب بأنه ” جريمة ضد سلام وأمن البشرية” وأشارت اللجنة إلى إرهاب الدولة بأنه ” مباشرة سلطات دولة أنواعاً من النشاط الإرهابي في دولة أخرى أو تشجيعها أياها أو سماح سلطات الدولة بنشاط منظم الغرض منه تنفيذ أفعال إرهابية في دولة أخرى”(). ولكن الخلاف والمناقشات استمرت فصدر تعريف مشابه من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1985 جاء فيه ” إلإرهاب الذي تمارسه الدولة الذي يستهدف تقويض النظام السياسي والاجتماعي لدولة أخرى(). ورغم وضوح هذا التعريف فان الولايات المتحدة غالباً ما تقصر ارهاب الدولة على الدول التي لا ترضخ لسياستها تحت ذريعة دعمها الاعمال الارهابية التي تقع في اراضيها، فخلال الحرب الباردة كان إرهاب الدولة يطلق على دول المعسكر الإشتراكي، وعلى الدول التي تعادي سياسة الولايات المتحدة باعتبارها دولا إرهابية مثل، إيران، سوريا، ليبيا، كوريا الشمالية().
ويلخص احد الباحثين أشكال إرهاب الدولة الخارجي بالنشاطات التالية:ـ
ــ تقديم الدعم للقوى الاستعمارية والعنصرية والفاشية؛
ـ تقديم الدعم للقوى المسلحة التي تعمل ضد الحكومات الوطنية؛
ـ الوقوف ضد حركات التحرير الوطني التي تعمل من اجل حق تقرير المصير؛
ـ فرض سياسة على حكومة وطنية ضد إدراة شعوبها().
كما يعتبر بعض الباحثين أن العمليات التي قامت بها وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية لقلب أنظمة الحكم المناوئة للمصالح الأمريكية، وتنصيب حكومات موالية في مناطق مختلفة من العالم، شكلاً من أشكال إرهاب الدولة، حال الإطاحة بحكومة مصدق في إيران عام 1953، والإطاحة بالحكومة اليسارية في جواتيمالا عام 1954، وتدبير عملية اغتيال رئيس الوزراء الكونجولي باتريس لومومبا عام 1961 ().
وبناء على الآراء السابقة، يمكن أن نستخلص بأن إرهاب الدولة الخارجي، هو كل سلوك تقوم به دولة ما في البيئة الدولية، إذا كان يهدف إلى إثارة الرعب والفزع وعدم الاستقرار في الدول الاخرى سواء عن طريق استخدام القوة الفعلية أو التهديد باستخدامها، أو بواسطة أساليب إرهاب غير مباشرة، مثل الأعمال التي يقوم بها أفراد او منظمات لحساب تلك الدولة. كما يعتبر الاستخدام غير المشروع للقوة نوعا من إرهاب الدولة، كما يقول ، نعوم شومسكي، مشيرا إلى قرار محكمة العدل الدولية في عام 1986 الذي أدانت فيه الولايات المتحدة على الاستخدام غير المشروع للقوة ضد نيكاراغوى().
وهنا يطرح سؤال: لماذا لا يتم التوقف عند بعض هذه التعاريف لدى مناقشة تحديد مفهوم الإرهاب، على الرغم من الاعتراف بها من الإدارة الأمريكية؟
برأيي، هناك أسباب عديدة،الأول، لأنه ينطبق على السياسة الخارجية الأمريكية، تجاه الدول الأخرى، خاصة النامية منها، بحيث أدينت سياستها من المنظمات الدولية، على سبيل المثال، الإدانة المستمرة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، للحصار الذي فرضته الولايات المتحدة ضد كوبا، كذلك إدانة محكمة العدل الدولية للولايات المتحدة، للحصارها البحري ودعمها للمنظمات المسلحة لنيكاراكوى خلال الفترة الاولى من حكم جبهة الساندينيستا. كذلك الهجمات العسكرية ضد ليبيا 1982، واستخدام الغزو لاسقاط الحكومات، غرينادا 1985، افغانستان 2001، العراق2003، ودعم السلفية الجهادية المعاصرة.
والثاني، إزدواجية المعايير في النظرة للإرهاب عموما وارهاب الدولة، بشكل خاص، حيث تجري التغطية من قبل الدول الغربية، على إرهاب الدولة بسبب مصالحها وطبيعة علاقاتها مع دول ينطبق على سلوكها وسياستها، التعريف السابق للإرهاب، ومنها إسرائيل وغيرها من الدول الإستبدادية التي تدعمها الولايات المتحدة، تركيا وسياستها تجاه الأكراد على سبيل المثال.
والثالث، محاولة الخلط بين الإرهاب وبين نضال الشعوب من أجل التحرر من السيطرة الأجنبية والاستبداد التي تمارسه الأنظمة الدكتاتورية، لقمع نضال الشعوب من أجل حقوق الإنسان ومحاولة اخضاعها لمشيئتها.
الرابع، محاولة التغطية على الدول الحليفة للولايات المتحدة التي تمارس إرهاب الدولة في محيطها الإقليمي سواء بتوفير الدعم المادي والإعلامي وتوفير الملاذات الآمنة للمنظمات الإرهابية.
وبالإضافة إلى الأٍسباب السياسية المشار لها أعلاه، هناك تعقيدات على تعريف الإرهاب، تستغلها القوى المتنفذة في النظام الدولي لعرقلة التوصل إلى تعريف معنى الإرهاب متفق عليه دولياً، تتعلق بصعوبة التحقق من الفعل الإرهابي، وهذا يعود إلى :ـ
أ ـ عدم وجود اتفاق حول تعريف الإرهاب في القانون الدولي مقبول من المنظمات الدولية، الأمم المتحدة أو مجلس الامن أو محكمة العدل الدولية وهي الهيئات التي غالباً ما تكون مرجعاً في حالة وجود إشكالية حول قضية معينة ذات بعد دولي، مما يسمح للدول التي تمارس إرهاب الدولة الخارجي من الإفلات من المسؤولية.
ب ـ صعوبة التحقق من الدول الداعمة للإرهاب التي ينص القانون على تجريمها، لأنه غالباً ما تنفذ الأعمال الإرهابية، من قبل أشخاص أو منظمات، وكالة عن دول أخرى، وليس بشكل مباشر من الدول ومؤسساتها، وتحت رعاية الأجهزة الاستخبارية التي يحاط عملها بسرية تامة.
جـ ـ مسؤولية الدول عن تصرفات مواطنيها، خاصة إذا كانوا يقيمون خارج بلدانهم.
دـ إزدواجية المعايير في الموقف من الإرهاب، يوفر حماية للأعمال الإرهابية التي تمارسها بعض الدول، كإسرائيل وإرهاب الدولة التي تمارسه ضد الشعب الفلسطيني، وتركيا والإرهاب الذي تقوم به ضد الشعب الكردي، أو الدول الراعية للإرهاب من خلال توفير ملاذات آمنة للإرهابيين في الدول الغربية، تحت ذريعة، اللجوء السياسي، أو المساعدات المتنوعة المقدمة للمنظمات الإرهابية من قبل الدول الصديقة للغرب مثل تركيا وقطر والعربية السعودية باعتبارها دول داعمة للإرهاب في سوريا والعراق ومصر وليبيا. ختاماً، استعير قول نعوم شومسكي بخصوص الموقف الأمريكي من الإرهاب” إن مفهوم الإرهاب صار مقصوداً على ما يفعله الآخرون بنا، أما ما نفعله نحن بهم ، حتى إذا كا وحشياً بألف مرة، فهو ليس إرهاباً ومن ثم يحكم عليه بالاختفاء من التاريخ، هذا هو قانون التاريخ، طالما ان التاريخ يحكمه الأقوياء” ().