لا تكنّى الدولة بالإسلامية لمجرد أن من يحكمها متدينون أو مسلمون، فالتدين غريزة والإسلام منهج حياة ومنظومة قيم ونظام وليس قوانين عقوبات أو ما يفقد أهلية الإنسان في القرار بالجبرية
من الخطأ الشائع أن نقول التاريخ الإسلامي، أو الدولة الإسلامية، العودة إلى الإسلام، استئناف الحياة الإسلامية، ومشكلة فهم الغرب للإسلام.
لقد أغفلنا كثرا من الأمور الجوهرية في منهجية الفكر الإسلامي الذي هو غذاء لعقلية الإنسان المبدع وعموم رجاله ونساءه فليس من رجال دين في الإسلام بمعنى رجال الدين كمؤسسة دينية، وإنما ترسخت هذه الطبقة كمؤسسة علمية والحقيقة أنها طبقة اغلبها محافظة على تقليد وجمود وتراجع وغياب الإسلام عن الواقع كذلك غياب العلوم الإنسانية.
التاريخ ليس تاريخ الإسلام:
الإسلام كبنية فكرية ليس من الماضي، ولا هو الذي تحول وتقسم وتشظى، بل مسلمون وغيرهم من صنع التاريخ بأفعالهم وأفهامهم، وهي من نجحت ومن أخفقت ومن تعادت أو تشاحنت أو ائتلفت، لكن الإسلام ليس ما أتانا من الماضي بفوضى اجتهادات وأفهام حاولت أن تتجاوز قدراتها ونطاقها العلمي والفكري فشوهت وتعددت واختلفت على ما لا ليس له وجود أصلا، كالأسماء والصفات والإنسان مخير أم مسير، وأسئلة محلولة أصلا في فهم القضاء والقدر.
هذه الأمور وغيرها نوقشت في مقالات سابقة وفسر معناها، وان كانت الإشكالية حصلت في زمن ما، واختلف عليها، أو كيفت وفق مصالح ولدعم حراك وثورات وأشخاص، فتلك من تاريخ البشر الذي لا يلزم واقعنا بشيء حقيقة وان التمسك به إصرار على التخلف والجهل الذي أعاد المسلمين إلى جاهلية وتناقض مع صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، بل باتوا يعيشون فكرا في الماضي وسلوكا في واقع لا وجود للإسلام فيه إلا تبريرا.
فباتت الناس محكومة بغريزة التدين وليس الدين وتفهم الإسلام المنهج من خلال الغريزة لا المنظومة العقلية، وتذهب إلى ما يسمى الحداثة بتكييف قسري كما حاول الأجداد تطبيق نظرية الفيض على التوحيد ومن خلال فرضيات لا أساس لها وتعاريف قسرية، والنتيجة هي إحساس بالدونية لن ينقذ العالم الذي يتعرض لفقدان التوازن في انحدار فكري أمام ارتقاء عالٍ جدا في التكنولوجيا والتقنية وحالة تناقض بما لم يفهم فكرا أو مدنية.
الإسلام ليس دولة إسلامية:
لم يقم الإسلام دولة وإنما أقامها مسلمون في زمن اختلطت فيها المنظومة الأخلاقية الإسلامية الراقية التي تركز على العدل والإنصاف والشريعة لا تخترق ومنظومة ترتكز على الأعراف وكانت دولة حاوية للتنوع محافظة على الأقليات فهم نسيج مجتمعي محفوظة حقوقه بذمة رسول الله، وهذا جعلهم سليمين محافظين على كينونتهم ولم يك لهذا شبيه في العالم حينها ولا في علمانية أضحت دينا عند البعض.
فدولة يقيمها الإسلام على العدل والحفاظ على كرامة الإنسان لكن من يديرها البشر باجتهادات تتغير مع الزمان، هي دولة مسلمين إيجابية أم سلبية، وحتى باجتهادات تجاوزت الشريعة في التوريث والجبرية اجتهادات بغرض عزل الشعب أن يكون طرفا في الصراعات على السلطة، أما من يتحدث عن فاعلية الشريعة فهي لم تختفِ لكنها لم تك تحكم الحياة السياسية وإنما حياة الناس عرفا.
العودة إلى الإسلام:
الإسلام في كل زمان هو الإسلام لا حاجة للعودة إليه وهو ليس من التاريخ فامتنا مكلفة به وكل ما هو مطلوب فتح طياته ليقود العصور تباعا.
استئناف الحياة الإسلامية:
من أين تستأنف؟ لقد مر زمن طويل على ابتعاد الناس عن عرى الإسلام وتغيرت الناس فنحن نحتاج لبناء جديد بمثاني جديدة تفتح لهذا العصر.
مشكلة فهم الغرب للإسلام:
ربط الغرب الإسلام بانطباعات منقولة عن الإسلام منذ التحشيد لحروب الفرنجة خلق حالة العداء والخوف من الإسلام وربط بزمان ومكان وعلو المسلمين به، وهذا خطأ بنيوي في الفكرة، فالإسلام ليس له زمان ولا مكان وفكره ممكن أن يحل أينما كان بمنظومة متكاملة تتفق مع الرقي المدني وتضع منظومة أخلاقية مفقودة في عالم اليوم تردم الفراغ الكبير بين الرقي المدني والتدني القيمي، المسالة ليست اتخاذه دين عبادة، بل من الممكن أن يرافق الحياة المدنية بدلا من منظومة القيم التي فشلت فعلا في إبقاء أهلية الإنسان واستمراره بالكفاح من اجل الاستمرار في الحياة فأضحى خادما للمدنية بدل أن تخدمه، رغم القوانين والنظم التي تراعي الإنسان ومعاشه والتي هي بديل عن التكافل لكنها ليست بفاعليته ورسمه، ولعل ما سبب الغرب لمجتمعاتنا كان عشره كافيا للقضاء عليها وليس الإمعان في تخلفها وانحدارها الحضاري، المنقذ إذن منظومة القيم التي تنقل كثوابت في الذاكرة الشعبية وباتت من العادات والتقاليد وتشكل أساسا في نمط الحياة والتعاملات، المشكلة أن هذه المنظومة أخذت بالانهيار وهذا سينتقل بالضرر إلى أنحاء العالم الذي اصبح صغيرا وسيزداد التباعد بين طرفي المعادلة (التمدن والقيم) إلى ما لا يمكن وصفه أو تصوره من انحطاط أن لم يصارح النخب في كل العالم انفسهم ليرمموا ويبنوا الجديد.