الذي صنع واجتلب المحنة لأوكرانيا في وضح النهار لترى عينيه بكاء النساء والاطفال حبآ لموتاهم طوال حياتهم , وتقر لرؤية النازحين وهم يفارقون بيوتهم حسرة وإكتآبا ليتهافتون على الحدود مع جيرانهم هربا من لطمات القنابل التي مزقت وطنهم وخلفت لهم الخراب في كل المدن , هي امريكا سيدة الشقاء بالعالم وصانعة لهذا الدأب المتسلسل للشعوب منذ ان اخرجت له اول حلقة سرقة للأراضي المكسيكية عام 1848 , ومضت بهذا الدأب تصنع وجودآ ديمقراطيآ زائفآ بعد كل آخر ونظم عميلة خاضعة لتبدأ حياتها بتأريخ جديد مؤسس على وهم الحرية والإستقلال وخروج قواته الغازية منها , وعلى حالة من اليأس من التأويلات الدينية التي اختصت بها بعض الشعوب العربية المسلمة ,
وكان ذلك في كل مرة بقرار من قادة الحزب الديمقراطي او الجمهوري دون ان يستند على مسوغ قانوني أو شرعي أو اخلاقي , وبمعاونة آراء وتخطيطات من المفكرين الامريكيين الصهاينة التي بدت فيها بصماتهم النازية والعنصرية بشكل واضح , وهؤلاء قدموا آرائهم بشكل مطابق لآراء أصحاب الفتاوى المتطرفة في بعض تيارات الإسلام السياسي ,
للتأثير بالمجاميع المسلحة المضللة لتحقيق التحول السياسي في البلدان العربية الى آيديولوجية اسلامية طائفية حاكمة رغم تقاطعها مع المذاهب الأسلامية الأربعة التي صنعت مسارآ لأمة مسلمة تحلّت بكل القيم التي جاء بها النبي الكريم محمد (ص) , لأنهم لم يكونوا بالعقلية الفقهية المثالية التي تمثلت في تلك المذاهب . أما اولئك المفكرين الصهاينة , فقد دأبوا على زراعة آرائهم في رؤوس القادة الامريكان للإنتقام من اعدائهم وإستباحة دماء شعوبهم وتغيير اقدارهم كما كانوا في دأبهم على قتل الأنبياء الذين ارسلهم الله لهم .
اما الدواعي التي استندت عليها امريكا في صناعة هذه الحلقة من مسلسل المحن وبطلتها اوكرانيا هذه المرة بعد أن جعلت من الإستفزاز للرئيس بوتن العامل المؤثر في دفعه نحو الحرب مع اوكرانيا , وهي من ناحية اخرى بمثابة رغبات سياسية تريد بها ان تحقق الصفحات التالية : الصفحة الأولى , ممارسة جرائم الكراهية المتمثلة بفرض الحظر الإقتصادي الشامل الذي مارسته على الشعب الروسي وعلى الشعوب من قبل لإخضاعها لنفوذها السياسي ,
وهي بفرضه على روسيا انما تهدف الى إضعاف إقتصاده وقدراته العسكرية ليتواصل إنشغالها بجموده المقفل وكيفية الخروج من اغلاله في المستقبل البعيد وهي من ناحية اخرى , الوسيلة للإمعان بالسيطرة على الشعوب والنظر الى تعاملاتها السابقة لتعيدها الى التناسق مع سياسة الخضوع التي تتبعها .
وتلك الشعوب التي ستعيد النظر الى تعاملاتها معها , هي إيران وكوريا وفنزويلا ولبنان واليمن , وسيجربون الم روسيا عليهم حينئذ وسيعرفون انهم كانوا معها قبل الحرب على اوكرانيا في عالم اكثر امانآ في ممارسة وجهات نظرهم وأسهل عليهم ان يقولوا ” لا ” بوجه أمريكا , ولكن بعد خروج روسيا من النظم العالمية سيكون مصيرهم إما أن يقولوا لها ” نعم ” او يذوقوا ذلك الألم الروسي , او الحرب بالصفحات الآنفة الذكر .
الصفحة الثانية , ان تجعل نفسها جارة لروسيا والحاكم الفعلي والمهيمن على أوكرانيا ليعيش الشعب الأوكراني حلم الماضي بمشاعر الحزن وإستحالة المقارنة بينه وبين الحاضر الذي اوجدته امريكا كما هي حال الشعوب التي صاغت لهم ذلك بعد المكسيك والأمثلة على تلك الدول كثيرة .
الصفحة الثالثة , ضم اوكرانيا الى دول الناتو لتنشر على اراضيها صواريخ الردع النووية لإرغام روسيا على النظر يوميآ الى الخطر المحدق بها . الصفحة الرابعة , جعل اوكرانيا قوة عظمى من خلال إحياء مفاعل شرنوبيل الخامد , الذي سيطرت عليه القوات الروسية الآن , على غرار الكيان الصهيوني الذي اعدته للعرب ليلزموا الصمت لكل ماتفعل ,
الصفحة الخامسة , المشاركة بالحرب بحملة اعلامية مزيفة لتشويه الصورة الشخصية للرئيس بوتن امام العالم ومقارنته مع هتلر كمجرم حرب , وتحريض الغرب للتهافت عليه بالعقوبات التي بلغت حدآ كبيرآ من الكره وعدم الخجل الواضح من الشعب الروسي وجيشه من قبل قادة الإتحاد الأوربي وعلى رأسهم شولتز المترسخة في نفسه الكراهية لروسيا إبان فترة حكم الإتحاد السوفيتي وتقسيمه لألمانيا ,
وماكرون الذي هزأ به بوتين لسياسته المنافقة مع امريكا وأخيرآ جونسون الذي أراد ان يعيد لنفسه الثقة بالبقاء في السلطة من خلال دعواته الى انواع الحظر على روسيا مدعيآ بشكل زائف بالديمقراطية والحرية وأمن اوربا . هؤلاء جميعهم خضعوا لنفوذ امريكا , لتهيئة المناخ السياسي لها قبل الإطاحة بالرئيس بوتن الذي دعوا اليه بوقاحة وصراحة أثناء سير المعارك ,
ولنقرأ بعض هذه التصريحات العدائية للمسؤولين السائرين مع الركب الأمريكي التي تتناقض مع نهجه العدواني في علاقاته مع دول العالم قبل ازمة اوكرانيا : أولآ , الامين العام للأمم المتحدة : الهجوم الروسي على اوكرانيا خطأ ومخالف لميثاق الأمم المتحدة وغير مقبول . ثانيآ , رئيس مجلس الأمن : ان وجود روسيا الأتحادية في مجلس الأمن غير شرعي . ثالثآ , جورج بوش الابن يقول منددآ بالهجوم الروسي على اوكرانيا ويصفه : انه اخطر ازمة امنية في القارة الاوربية منذ الحرب العالمية الثانية , ووصفه ايضآ بأنه غير مبرر .
أما دول العالم , فقد وقف البعض منها على الحياد كالصين وإيران وفينزويلا وكوبا ودول اخرى لم تصرح بحيادها , أما دول الناتو بشكل خاص فقد وقفت مع امريكا بجرائم الكراهية التي زيّفت الحقائق للقضاء على روسيا أولآ للتهيئة لمعاونة امريكا على إخراج حلقة اخرى للصين الشعبية بذرائع متيسرة وموجودة على الأرض .
اما الدول العربية التي بدا البعض منها على الحياد , فقد ادركت ان حقيقة امريكا زائفة بإمتياز ولا احد يدركها لجهله من اول وهلة إلا بعد وقت طويل .
في اوكرانيا , هذه الزاوية من العالم ذات الاثر الكبير في نواحي عديدة على قدرات روسيا الاتحادية بعد انهيار سلطة الاتحاد السوفيتي السابق , لما تتمتع به من موقع استراتيجي ومن شعب مثقف وعقول لمفكرين كبار وصناعات عسكرية متطورة واراضي زراعية خصبة وموارد مائية , وهي في ذلك تتشابه من حيث قدراتها الصناعية مع المانيا الإتحادية , وهذا مااغرى امريكا في جعلها الطعم الذي سيلتقمه الرئيس بوتن لتبلغ به مآربها التي ذكرناها , لتصبح اوكرانيا العضد القوي الجديد لأوربا التي يتجدد بها طموح حلف الناتو بعد مرارة الحياة مع روسيا قبل الحرب .
مما قلناه نعني به اننا نواجه رغبة امريكية قديمة مفادها اسقاط الإتحاد السوفيتي القديم أو روسيا الحديثة , وهي رغبة تحمل في داخلها رغبات كثيرة وأولها : عدم القبول والتعايش مع من لايتعاون مع امريكا في شتى المجالات . ثانيآ , ان تنفرد بالسماح او الرفض لكل طموحات الحكومات وعلى اختلاف آيديولوجياتها إذا لم تتوافق مع طموحاتها . ثالثآ , طرح خيار التطبيع مع العدو الصهيوني بشكل ملزم على الشعوب كأنه الخيار امام تحقيق الأمن والعمران والإستقرار أو الحرب التي اتت بالخراب على روسيا , والخافي أظلم .
إذن لتتعلم الشعوب العربية وتتفقه من جرائم الكراهية التي فرضتها أمريكا والأتحاد الأوربي على روسيا وزيف إدعاءاتهم بالديمقراطية وحقوق الإنسان , لأنها ستقع عليهم إذا سقطت روسيا .
أما إذا سيطرت روسيا في حربها على اوكرانيا , وخمدت ادخنة الحرائق على طول اراضيها واضطرار حكومة زيلنيسكي الى مغادرة كييف , فإن اول مايبصره الروس هو الإنتصار على المزيفين من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان , الذين طردوا اللاجئين العرب من اوربا بدوعي عنصرية وإرهاب وتقبلوا اللاجئين الأوكرانيين برحابة صدر مليء بالكراهية وياللتناقض المشين ! . وستبدأ روسيا ثانيآ بعد هذا الإمتحان الصعب بترميم الإقتصاد الروسي ليكرر العالم النظر الى الشرق في أحلك الأمور .