خاص: حاورتها- سماح عادل
“شيرين فتحي” كاتبة مصرية من مدينة “ميت غمر”, مواليد نوفمبر ١٩٨٢. عضوة باتحاد كتاب مصر، تخرجت من كلية الصيدلة. حصلت على جائزة ساويرس الثقافية ٢٠١٧ عن مجموعة البطلة “لا يجب أن تكون بدينة”، ووصلت مجموعتها “رأس مستعمل للبيع” للقائمة القصيرة لنفس الجائزة لهذا العام.
صدر لها:
– رواية بعنوان “خفة روح” عام 2012- عن دار وعد للنشر.
– مجموعة قصصية بعنوان “البطلة لا يجب أن تكون بدينة” عام 2014 عن دار- كلمة للنشر.
ـ مجموعة قصصية بعنوان رأس مستعمل للبيع عن دار الهالة للنشر والتوزيع 2019.
– رواية بعنوان “خيوط ليلى” عن دار الهالة للنشر والتوزيع 2021.
كان لنا معها هذا الحوار الشيق:
** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟
– بدأت أولى محاولاتي للكتابة حين كنت في المرحلة الإعدادية، في الصف الثاني الإعدادي تحديدًا كتبتُ أولى قصصي، بينما باقي المحاولات كانت لكتابة الشعر، تابعت كتابة الشعر حتى تخرجي من الجامعة. ثم بعدها بعدة سنوات جذبتني الكتابة النثرية، أغرمت بقصائد النثر، خاصة كتابات “إيمان مرسال” و”عماد أبو صالح”.
قبل أن أجد نفسي متورطة في كتابة القصص القصيرة والتي أصبحت تحتل المرتبة الأولى لديّ. أثناء كتابتي للقصص راودتني رغبة أو ربما فضول لكتابة أول رواية وصدرت روايتي الأولى بالفعل عام 2012، وكانت بعنوان “خفة روح”. ولم أكرر التجربة إلا بعدها بما يقارب العشر سنوات لتصدر روايتي الأخيرة “خيوط ليلى” عام 2021 ومازلتُ إلى الآن أشعر برهبة كلما راودتني فكرة الخوض في كتابة رواية جديدة.
** في رواية “خيوط ليلى” هل حاولت رصد معاناة بعض النساء مع مؤسسة الزواج؟
– نعم كانت معاناة النساء في مؤسسة الزواج إحدى النقاط الهامة والمحورية التي أردت طرحها في الرواية, فالمرأة في مجتمعنا مهمشة إلى حد مؤلم. التهميش والتجاهل مساويان للعنف والتعدي في الكثير من الأحوال، كلها مظاهر للتعامل مع المرأة كأنها إنسان من الدرجة التاسعة أو العاشرة. لا أحد يتعامل مع المرأة كأنها إنسان كامل أبدا، كأنها مقابل للرجل، لا هي مجرد تابعة له. سنجد “ناهلة” تتحدث عن طفولتها وكيف اهتمت أمها بجسمها منذ الطفولة كي تقدمه جميلا لزوج المستقبل المجهول، وكيف كان ألمها بعد مرورها برحلة العلاج المخيفة والمريرة، ليسلموا لها جسدها هناك، في آخر الرحلة حين لم يعد مهما لأحد، وقتها فقط قالوا هذا الجسد المنهك والمنتهك لكِ.
لكن هذه النقطة لم تكن النقطة الوحيدة, كانت هناك فكرة الإبداع والكتابة، فكرة التحكم وفرض السيطرة وتحديد المصائر التي يمارسها المؤلف على شخصياته الورقية والتي تمضي بالتوازي مع فكرة الخلق ومدى انصياع الناس لأقدراهم ورضاهم بها.
** في رواية “خطوط ليلى” فكرة الكاتب الذي يرسم مصائر الشخصيات، والشخصيات التي تتمرد على مصائرها ثم مفاجأة القارئ بأن حتى “رشيد” هو أيضا شخصية لا تتحكم في مصيرها.. حدثينا عن ذلك؟
– كما قلت في إجابتي عن السؤال السابق. إن فكرة التأليف ورسم الشخصيات داخل العمل الأدبي تشبه فكرة خلق البشر والعالم ككل، حتى لأني ذكرتها باللفظ في داخل الرواية حين خاطبت “ليلى” “رشيد” أو المؤلف قائلة: “أنت إلهي الذي لا أعرف غيره, إلهي الذي أتمنى أن يمنحني القليل من وقته لكي يسمعني ويشعر بي, لكي يضع نفسه مكاني ولو لدقائق, لكي يخبرني بما كان يتوجب عليّ فعله كي أتجنب كل هذا التشوش والضياع الذي وصلت إليه”.
هنا “ليلى” تحاول أن تتحدى قدرها وتغير مصيرها الذي خطه مؤلف الرواية حسبما اعتقدت، ولكن ماذا لو لم يكن هناك مؤلف من الأصل؟ ماذا لو كل تلك الخيوط التي طالما قيدتها بتحكمها فيها، لم يكن هناك من يحركها ويتحكم فيها من الأصل؟ هذا ما جعل الجميع يهوى في النهاية. وكأن القدر الذي يقيدنا ونشعر كثيرا بالرغبة في الفكاك منه هو بعينه ما يحمينا ويمنعنا من السقوط.
** ما مدى اقتراب رواية “خيوط ليلى” من الواقع وهل هناك شخصيات أخذتي بعض ملامحها من الواقع أو بعض أحداث حدثت لها؟
– أعتقد أن شخصيات الرواية تحاكي حال الكثيرين من البشر. الكثير منا خطر بباله ولو لمرة واحدة على الأقل فكرة أنه لا يعيش حياته الحقيقية، أو أنه مجرد مؤدِ لحياة مكتوبة سلفا. الشخصيات كلها تشبه أناسا نعرفهم وقريبين منا، ك”ناهلة” مريضة السرطان، أو جدة “ليلى” التي تعذبت في حياتها بلعنة الجمال والغيرة الشديدة. حتى “ليلى” و”رقيّة” كلها شخصيات قريبة من حياة أي قارئ.
** كتبت بجرأة في رواية “خيوط ليلى” هل كان هناك رقيب داخلي أو خارجي تفكرين فيه؟
– هذا سؤال مهم وجميل, ففي العادي تسحبني الكتابة وأمضي خلف الأفكار كالمغيبة. أكتب دون أي حسابات أو رقابة، ثم أستفيق بعد الانتهاء من الكتابة الأولى لأفاجأ بما كتبته، أعيد التفكير ومراجعة المكتوب. ينتابني بعض التردد حيال جرأة بعض الجمل أو الأفكار، لكني أنحاز في النهاية للإبداع، تاركةً الحكم للقارئ.
** هل واجهتك مشاكل في النشر؟
– النشر هو مشكلتي الأزلية مع الكتابة، خاصةً بعدما اتخذت قرارا في إحدى فترات حياتي ألا أدفع مليما واحدا مقابل نشر الأعمال. فالعمل الجيد عليه أن يفرض نفسه، ودور نشر كثيرة لا تتعامل مع فكرة النشر إلا من مبدأ التجارة، تبحث عن ربحها من جيب المؤلف الذي لا يحلم إلا بخروج أعماله للنور. إلى جانب الدور التجارية هناك دور النشر المسماة بالدور الكبيرة وهذه دور لا تعنى بقراءة الأعمال ولا حتى الرد على من يتقدم إليها، لأنها ببساطة تهتم بالنشر لأسماء بعينها.
حكاية النشر في مصر محبطة للغاية، لكن بتوفيق من الله تعرفت إلى دار الهالة للنشر والتوزيع التي نشرت معها مؤخرا “خيوط ليلى” ومن قبلها مجموعتي القصصية “رأس مستعمل للبيع” ولله الحمد كانت تجربة موفقة ومرضية إلى حد كبير.
** لديك عدة إصدارات هل يمكن القول أنك غزيرة الإنتاج الأدبي؟
– لديّ بالفعل أربعة إصدارات ورقية، وهناك عدة مخطوطات منتهية لكنها لم تحظى بفرصة النشر بعد، بالنسبة لسؤالك فأنا أعتبر نفسي فعلا غزيرة الإنتاج. ولا أدري هل هذا يصنف بالأمر الجيد أم السيئ؟ فالكتابة تمضي بمعدل سريع بالفعل لكن عملية النشر تمضي بصورة أبطأ من اللازم. أو ربما أنا التي تتحمس للكتابة بصورة زائدة. المهم أن الطريقان لا يمضيان معي بنفس السرعة وهذا يصيبني أيضا بالإحباط.
** كيف تحقق لك عوالم الرواية التعبير عن ذاتك كامرأة؟
– الرواية عالم واسع، يساعد لسان الراوي في داخل الحكاية على الانطلاق دون توقف، يلضم الحكاية بالأخرى، أيضا عالمها يستوعب عدة شخصيات مما يمكن الكاتب من رصد أكثر من حكاية متعمقا فيها دون أن يُصاب القارئ بأي ملل. فبوسعي أن أوزع نفسي أو عالمي على أكثر من شخصية أتلاعب بهم جميعهم كما أشاء، لكن في الغالب تظل هناك شخصية واحدة تخطف الضوء وروح الحدوتة.
** كتبتِ القصة والرواية أيهما أقرب لقلبك؟ وأيهما أصعب من الآخر في رأيك؟
-نعم كتبت كلتاهما.. لكن تظل القصة القصيرة هي الأحب والأقرب لروحي، ربما لأنها القادرة على استيعاب حماستي وروحي النشطة في الكتابة، هي الأقدر أيضا على استيعاب تنوع وغزارة الأفكار التي تقتحم رأسي طول الوقت. فرغم تنوع شخصيات الرواية إلا أن تنوع الأفكار والخطوط في داخلها لا يتم إلا بحساب وبمقدار محدد، إلى جانب أن الرواية من المفترض أن يحافظ كاتبها على نفس الروح والأسلوب طوال فترة كتابة العمل والتي قد تمتد به لسنوات. بينما في القصة فبإمكان الكاتب أن يغير روحه وأسلوبه من قصة لأخرى حتى في داخل المجموعة القصصية الواحدة، وهذا يتناسب أكثر مع انفعالاتي المتباينة والمتفاوتة من وقت لآخر.
في النهاية القصة والرواية وجهان لعملة الإبداع، لا عمل منهم أصعب من الآخر، لكن الفكرة في مدى قابليتك للتنوع أو التوحد مع الشخصيات في هذا الوقت. بعض القصص التي كتبتها لامني البعض لأني لم أتمها لروايات, كانوا يرون الأفكار مازالت تحتمل المزيد من الكتابة وتعميق الرؤية. حتى لأن “خيوط ليلى” نفسها كانت مجرد قصة قصيرة في مجموعة “البطلة لا يجب أن تكون بدينة” لفت نظري إليها أحد الأصدقاء. ربما لم أعر اهتماما لرؤيته في البداية معتقدةً أن القصة لا تحتمل المزيد من الأحداث، قبل أن أجد نفسي بعدها بعدة أشهر متورطةً في كتابتها وكأنها خلقت لتُكتب كرواية من البداية.
** ما تقييمك لحال الثقافة في مصر وهل تدعم الكتاب الشباب؟
– أعتقد أن الحالة الثقافية في مصر تمضي على نحو جيد. أتابع جروبات القراءة المفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي من خلالها تستطيع أن ترى مدى اهتمام الناس بالقراءة والاطلاع على الجديد.
أما عن دعم الكتاب الشباب فالأمر متروك للصدفة في الغالب، ويعتمد أيضا على مقياس النجاح أو الدعم المستخدم للمقارنة، فبعض الكتاب يقيسون نجاحهم بعدد المتابعين والمتفاعلين مع صفحاتهم الخاصة بالكتابة والبعض الآخر يقيسه بعدد النسخ المباعة من الكتب أو الظهور لأكثر من مرة على صفحات المجلات أو حتى في البرامج التلفزيونية. هذا بالإضافة إلى معيار الجوائز. فالمعايير كثيرة لكن لا أحد يستطيع أن يجزم أي نجاح هو الحقيقي بين كل ذلك، فلربما كان ولا واحد منهم حقيقيا أصلا. ومن هنا تظهر أهمية صدق الكاتب مع نفسه، لأنه سيضطر أحيانا للحكم على نفسه وقياس مدى تقدمه من عدمه.
في النهاية من الصعب أن نتحدث عن وجود دعم حقيقي، كل واحد يبحث عن طرق الدعم المناسبة له.
** هل يختلف حال الكتاب في الأقاليم عن الكتاب الذين يقطنون العاصمة وكيف ذلك؟
– هذا أيضا سؤال جميل.. لو كنت بصدد الإجابة عليه من عشر سنوات فائتة مثلا لكانت إجابتي نعم الأمر مختلف فكتاب الأقاليم مظلومون لبعدهم عن دائرة الضوء، بينما الآن إجابتي نعم كاتب الأقاليم مختلف لكنه أكثر حظا من كاتب العاصمة. هنا في الأقاليم من حيث جئت من محافظة الدقهلية، مناخ هاديء، عزلة مريحة للكاتب، لا صخب ولا ضوضاء، لا منافسة مع أحد سوى نفسك، بوسعك متابعة الآخرين والفرجة على عوالمهم من موقع المتفرج, دون أن تكون مجبرا على التورط للدخول فيها والتشبه بهم.
الكثيرون من كتاب العاصمة يشبهون بعضهم البعض بطريقة مرعبة، وهنا تتبدى مزية البعد، سيكون من الصعب أن تنخرط في التقليد إلا إذا أردت أنت أن تفقد هويتك وتتشبه بهم. فوجود تلك المسافة يخلق لك بيئة وفكر متفرد إن اجتهدت في الاشتغال عليه ستخلق لنفسك شخصيتك المتفردة وأسلوبك الخاص. هذا بالإضافة لكون وسائل التواصل الحديثة قللت من معوقات الإقليميين الباحثين عن الشهرة إلى حد مقبول.
** حدثينا عن فوزك بجائزة ساويرس وهل هي جائزة يعتد بها في مجال الثقافة؟
– فزت بالمركز الثاني في جائزة ساويرس الثقافية عام 2017 عن مجموعة “البطلة لا يجب أن تكون بدينة” وكان هذا هو إصداري الثاني، لذا اعتبرت هذا الفوز مبكرا جدا في مشواري مع الكتابة، وما اكتشفته الآن وبعد حوالي أربع سنوات من هذا الفوز أن الجوائز بقدر ما تبهج صاحبها تربكه. تصيبه ببعض الغرور مما يؤثر على خطواته القادمة مهما حاول أن يتظاهر بالعكس وأنه لم يتأثر أبدا.
لا أنكر بالطبع فرحتي بهذا الفوز واعتزازي به، لكني لم أنس أبدا فترة الارتباك الشديدة التي مررت بها بعد حصولي على تلك الجائزة. حتى لأني لما وصلت مجموعتي الأخيرة “رأس مستعمل للبيع” للقائمة القصيرة في نفس الجائزة هذا العام, شعرت بمنتهى الرضا لعدم التوفق لكوني لن أمر بتلك المرحلة المقلقة مجددا، وسأتمكن من متابعة الكتابة دون عثرات أو معوقات.
وبالنسبة لأهمية الجائزة, فأعتقد أنها من أكثر الجوائز الأدبية شهرة وتأثيرا في الوسط الأدبي.
** عندما دخلت طريق الكتابة هل كنت تفكرين في توصيل رسالة ما أو تحقيق أهداف معينة؟
– في بدايتي كنت أكتب فقط من أجل الكتابة، من أجل متعتي الشخصية، أو لرصد تجارب الآخرين دون أن آخذ في اعتباري فكرة أو هدف معين أود توصيله. بالطبع كانت لكل قصة فكرة أو هدف خاص بها. لكن مؤخرا ومع تعمقي في عالم الكتابة، بدأت الأفكار تتجمع معا وتتبلور في رأسي. كل ما أريده من الكتابة أن أحرك الإنسان الذي بداخل كل قارئ، أحلم أن تجعل كتاباتي وكتابات الآخرين من هذا العالم مكانا أفضل، مكانا أكثر رحابة وإنسانية.