محكمة ….. صرخ الحاجب المنادي معلنا ً بدء المحاكمة بصوت ٍهز أرجاء القاعة التي إكتظت بالحضور …. دخل القضاة وإتخذوا أماكنهم خلف المنصة في الوقت الذي نهض فيه الجميع إلا واحدا ً تسمّر في مقعده قي الخط الأول وكأن الأمر لا يعنيه ، رمقه ُ رئيس المحكمة بنظرة إستغراب من خلف نظارته ذات العدسات السميكة قائلا ً له :
– لماذا لم تنهض إحتراما ً للمحكمة يا هذا كما فعل من حضر ؟؟
أجابه قائلا ً :
– والله يا سيدي كنت أتوقع أن تقف هيئة المحكمة والآخرون إحتراما ً لما أنا فيه .
سأله الرئيس وهو يقطب حاجبيه :
– ويحك … من أنت … ومن تكون ؟؟
رد عليه الرجل بثقة وإعتداد :
– أنا المدعي سيدي الرئيس … جنديٌ في جيش العراق وإبن ترابه ونخيله و فراتيه .. إنني معوق حرب ، وكما ترى فأنا أجلس على كرسي ٍمتحرك ولا أستطيع النهوض منه .
تمتم رئيس المحكمة ببعض الكلمات وهز رأسه وقال :
– نعم … نعم … لابأس فالأمر واضح ومفهوم .
نظر إلى يمينه صوب المدعي العام وأشار له أن يبدأ …
نهض ممثل الإدعاء العام وقال وهو يوميء بيده إلى قفص الإتهام :
– سيدي الرئيس … سادتي القضاة .. لكم التقدير والإحترام ، إن المتهم الماثل أمامكم هو حكومة العراق التي نكثت العهد ونكلت بالعقد وخالفت الوعد … فقد صدر القانون رقم 41 لسنة 2013التعديل الأول لقانون التقاعد العسكري الرقم 3 لسنة 2010والذي ورد في المادة 4 منه والتي عدلت المادة 96 من القانون الأصلي بما ينص على شمول كل منتسبي الجيش السابق والمعوقين منهم بالحقوق التقاعدية التي يتقاضاها أقرانهم في الجيش الحالي وكما ورد في أصل القانون المذكور وقد تم نشر التعديل في الجريدة الرسمية بعددها ذي الرقم 4294 في تشرين أول الماضي بعد المصادقة عليه من قبل رئاسة الجمهورية وإعتبر نافذا ً من تاريخ نشره . وكان الجميع ينتظر تطبيقه بفارغ الصبر لما له من تأثير بالغ على حياتهم المعاشية وآمالهم في تطوير أوضاعهم الإقتصادية في زمن ٍصعب ، وهم الذين حرموا من حقوقهم المكتسبة طيلة العشر سنوات المنصرمة ، أما المعوقون منهم – سيدي الرئيس – فقد منحهم التعديل المذكور إمتيازات نصت عليها كل قوانين العالم المتحضر الذي ينظر إلى معوقي الحرب نظرة خاصة وذات شأن لما بذله هؤلاء من تضحيات جسيمة وفقدوا الكثير من شبابهم وأجسادهم ومستقبلهم من أجل سمو وشرف إنتمائهم لجيش باسل ولوطن وشعب عظيم … ثم إنهم يعانون من عوقهم وعجزهم وعوزهم … إنهم أبناء ٌبررة لجيش العراق الأشم وليس لغيره … قدموا ما إستطاعوا تقديمه لكنهم سقطوا من فوق صهوات جيادهم قبل الأوان .. فلا ينبغي التعامل معهم بغير هذا .
-سيدي الرئيس .. سادتي القضاة … لقد تسربت معلومات تفيد بأن رئاسة مجلس الوزراء قد أوعزت بإيقاف تنفيذ هذا التعديل الذي أنصف الكثير بناء على توصية من هيئة التقاعد الوطنية العتيدة بدعوى أن ما يستحقه منتسبو الجيش السابق ووفق التعديل الأخير من مكافآت نهاية الخدمة ورواتب تقاعدية محسوبة و كما ورد فيه سسيرهق كاهل ميزانية الدولة !!!! نعم إنهم يدّعون بمناورة هزيلة إن ذلك سيرهق ميزانية الدولة …. عجبا ًهل إن الحقوق المنصوص عليها ترهق الميزانية ؟ وأنا أتساءل هنا يا سيدي رئيس المحكمة أيهما أكثر تأثيرا ً … رواتب مستحقة إستقطعت عنها توقيفات تقاعدية أم ما يذهب في جيوب الفاسدين واللصوص ؟؟؟ وأين كانت هيئة التقاعد خلال مناقشة التعديل قبل إقراره ؟؟ ألم تكن من ضمن اللجان التي شاركت في مناقشته ؟ ولماذا لم تعترض على المستحقات الواردة في نصوصه مسبقا ً وخلال دراسته ومناقشته ؟؟ بل أين كان مجلس الوزراء هو الآخر من ذلك وهو الذي ناقش فقراته طويلا ً قبل إحالته إلى البرلمان ؟؟؟ وهل أن مجلس النواب لم يكن يدرك تأثيره على الميزانية و بنود موازنتها خلال مناقشته وقراءاته لمرتين ولماذا راح أعضاء ٌ فيه يهللون ويكبّرون لهذا الإنجاز الذي مات قبل أن يولد ؟؟؟ إن ذلك لعبا ً بمشاعر الآلاف من الرجال الأصحاء والمعوقين منهم الذين لهم الحق وكل الحق في أن يكونوا كما هم أقرانهم في الجيش حاليا ً بذات الحقوق فلماذا هذا الفصل بين جيش سابق وجيش لاحق ، إن ذلك إساءة للجندية وشرفها … هذا هو الغبن والإجحاف بحق شريحة لها ما لها من حقوق قانونية ، ولماذا التمييز بين جيلين من جيش العراق ؟؟؟ كيف يكون ذلك سيدي الرئيس ؟ هل يمكن أن ننسى أن الجيش واحد في كل حين منذ تأسيسه وإلى يومنا هذا … ولماذا يستكثرون على هؤلاء الرجال نيلهم حقوقهم كما ينال الآخرون ؟ هل نالوا إمتيازات نافست إمتيازات من أتخم بفائض إيراداته … نعم بفائض إيراداته فقط .
– إن الإدعاء العام سيادة الرئيس يطالب هيئة المحكمة بإلزام الحكومة الإيفاء بوعودها وتنفيذ ما جاء في التعديل الذي سبق ذكره وفق ما ورد فيه بدقة … إنني على ثقة تامة وكما الكثير ممن يعنيهم الأمر إن محكمتكم الموقرة ستنصفهم وتعيد لهم حقوقهم كاملة غير منقوصة ، كما أطالب بتنبيه الحكومه بعدم الإساءة لهيبة القوانين التي تم تشريعها ونشرها في الجريدة الرسمية والتي تم إقرارها أساسا ً لخدمة أبناء هذا البلد الذين ينتظرون تنفيذها وليس الإلتفاف على مضامينها بحجج واهية …
– وأخيرا ًشكرا ً سيدي الرئيس والسادة القضاة على حسن إستماعكم لما جاء في البيان .
بعد إنتهاء الإدعاء العام من مطالعته … إلتفت رئيس المحكمة يمنة ويسرة لمستشاريه وجمع الأوراق والملفات من أمامه ونهض معلنا ً رفع الجلسة للإستراحة …
ترك القضاة منصتهم وغادروا القاعة وهم ّ ممثل الإدعاء العام بالمغادرة هو الآخر وهو ينظر إلى المدعي الجالس على كرسيه المتحرك نظرة ذات معنى مع إبتسامة واضحة الدلائل بدت وكأنه يقول .. ستربحون الدعوى بعون الله … فالمحكمة عادلة ولا تظلم أحدا ً …
وما زالت المناقشات مستمرة .