في الليلة التي سبقت هذا الصباح قبل قرابة الستين عاما والتي كانت قبل منتصف ليالي رمضان بليلة واحدة كانت الإذاعة تبث اغنية شعبية تتحدث عن لعبة تمارس في ليالي الصيام اسمها لعبة ( المحيبس ) وكانت كلمات الأغنية تقول : بات المحيبس بات
من الجعيفر للمعظم بات
حلوه برمضان اللعبات
ولم يدر في خلد الناس وقتها ان هذه الأغنية وظفت لتكون إشارة التحرك للمجاميع البعثية من اوكارها إلى خط الشروع للانقضاض على الزعيم ونظامه وكانت في أيام حكم الزعيم الأخيرة قد مالت الكفة لصالح القوميين والعروبيين في صراعهم مع اليسار خصوصا بعد أن أصدر المرجع الحكيم فتواه باعتبار الشيوعية كفر والحاد وتبعه ثلاثة مراجع في إصدار فتاوى مماثلة وامتناع المرجع ( البغدادي ) عن إصدار فتوى مماثلة لما أصدره المراجع الأربعة تحت مبرر ان هذه الفتاوى ستجر إلى بحر من دماء وان أغلب الضحايا سيكونون من الشيعة الفقراء بسبب انتماء الكثير منهم للحزب الشيوعي وتسائل وقتها المرجع البغدادي .. أين كنتم عن هذه الفتوى ؟ ولماذا لم تصدروها قبل سنوات ؟ إضافة إلى ذلك فشل عبد الكريم قاسم بالاجتماع مع الحكيم لإيجاد مخرج للأزمة الحاصلة بسبب فتواه وتخلي الزعيم عن دعم الشيوعيين في صراعهم مع القوميين مما جعل الكفة تميل لصالح القوميين وكانت الاعظمية معقلا للقوميين في حين يتمركز البعثيين وهم جزء من القوميين في منطقة الجعيفر في الكرخ لذا كان التناغم في ليلة ١٤ رمضان التي صادفت ٧ على ٨ شباط في تلك الأغنية الرمضانية ..( بات المحيبس بات من الجعيفر للمعظم بات ) وفي صبيحة ذلك اليوم سيطر البعثيين على الإذاعة وأعلنوا عن انقلابهم واذاعوا بيانهم الأول عبر اثيرها وبدأوا قصف مقر وزارة الدفاع حيث يقيم الزعيم وبعدها تم اغراق الشارع العراقي ببحر دماء كما توقع المرجع البغدادي وكان أغلب الضحايا هم الفقراء وهكذا توالت الانقلابات بعدما انقسم القوميون على أنفسهم وتلاشى الشيوعيين بالتقتيل او داخل السجون والمعتقلات وأصبحت ( الشيوعية ) تهمة تلصق بكل من يرغب البعثيين بتصفيته بالقتل او الاعتقال حتى وإن كان لم يعرف عن الشيوعية حرفا واحدا وهكذا دفع الشعب عموما والفقراء خصوصا ضريبة تناحر الأحزاب فيما بينها على السلطة قتلا واعتقالات وتشريد وتجويع على مدار حكم القوميين والبعثيين الذين أسقط حكمهم بسرف الدبابات المحمولة جوا من واشنطن إلى بغداد لتستلم الحكم أحزاب تختلف في التسميات وتتقارب في المضمون .
.