18 ديسمبر، 2024 7:40 م

الولايات المتحدة والحوثيون تناقض المواقف

الولايات المتحدة والحوثيون تناقض المواقف

الموقف الرسمي للولايات المتحدة تجاه الحوثين يكتنفه الكثير من الغموض بسبب التناقضات الكثيرة، والإنعكاسات الخطيرة على الولايات المتحدة نفسها وعلى حلفائها في المنطقة، سيما دول الخليج العربي، والحقيقة ان التناقضات الحادة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا تقتصر على المنطقة فحسب، بل على بقية دول العالم ايضا، صحيح انه لا يوجد صديق او عدو في السياسية بسبب تغيرات الزمان والمكان والمصالح، لكن هذه القاعدة لا تنطبق على التحالف بين الدول إلا في حالات نادرة ومحدودة. هذه التناقضات في بعض الأحيان من من الصعب فك طلاسمها، ومعرفة ما يقف ورائها. هل هي رؤية ثاقبة واستراتيجية تتعلق بالمدى البعيد، او فوضى وتخبط سياسي في الإدارات الامريكية المتعاقبة، ويبدو لنا ان الإحتمال الثاني هو الأرجح على ضوء افرازات ونتائج الحرب الامريكية في العراق وافغانستان وتداعياتها المعروفة على البلدين والمنطقة بأسرها.
فالولايات المتحدة كما هو معروف من أكبر الحلفاء لدول الخليج العربي ولاسيما السعودية وقطر والإمارات، ولكنها اتخذت مواقفا عدائية تجاه السعودية والإمارات عندما رفعت الحوثيين من قائمة الإرهاب، وصرح بايدن في حينها” الحوثيون ليسوا جماعة إرهابية”، وهذا ما رددٌه وزير الخارجية الامريكي بلينكن، بل وحث جميع الأطراف العمل من أجل التوصل الى حلٌ سياسي دائم في اليمن، دون ان يفرق بين الشرعية واللاشرعية بين القوات المتصارعة في اليمن، ومن الطرف الذي لا يلتزم بقرارات الأمم المتحدة؟ ولماذا قررت الولايات المتحدة وضع الحوثيين على قائمة الإرهاب، وما السبب الذي جعلها ترفعه، وما السبب ايضا في إعادة النظر في إعادة الحوثيين الى قائمة الإرهاب؟
جعلت إدارة بايدن الحوثيين والسعوديين في كفة واحدة في ميزان سياستها الخارجية، بل جردت السعودية من وصف محاربة الإرهاب على اقل تقدير. فإن كان الحوثيون غير إرهابيين، ماذا إذن تحارب السعودية؟ هل تحارب قوى ديمقراطية ومعتدلة ومحبة للسلام مثلا؟ مع الأحذ بنظر الإعتبار رفض الحوثيين كل مبادرات السلام التي تقدمت بها السعودية والأمم المتحدة، والوسطات الأخرى العربية والدولية. بل لماذا تحارب السعودية جماعة غير إرهابية وفق التصنيف الأخير للولايات المتحدة؟ وماذا نسمي القرصنة التي يقون بها الحوثيون في البحر الأحمر؟ وهل الدولة التي تزود الحوثيين بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية صديقة للولايات المتحدة أم مصنفة كدولة راعية للإرهاب؟
يمكن القول ان الولايات المتحدة جردت صفة الشرعية عن الحكومة اليمنية وجعلت الحرب تحمل صفة حرب داخلية بين الشرعية اليمنية والقوة غير الإرهابية وفق التصنيف الامريكي.
لم يختلف موقف الحوثي ـ بعد رفع صفة الإرهاب عن جماعته، من قبل الولايات المتحدة ـ عن السابق، بقي الوضع كما هو لا تقدم في المجال السياسي، فقد فشلت الإدارة الامريكية بتوجيه الحوثي نحو الحل السلمي. بل الأغرب منه ان جماعة الحوثي إختطفت موظفي السفارة الأمريكية في صنعاء من المستخدمين المحليين، وعبثت وسرقت ممتلكات السفارة بعد رفع صفة الإرهاب عنهم مباشرة، دون ان يكون هناك أي ردٌ فعل من إدارة بايدن سوى إدانة إعتقال الموظفين المحليين دون الإشارة الى الهجوم على السفارة وسرقتها، والدوس على كرامة السيادة الامريكية المفترضة على أرض السفارة!
فما الذي حققته إدارة بين من رفع صفة الإرهاب عن الحوثيين؟ لا شيء مطلقا، بل شجعت إدارة بايدن الحوثيين على إستمرار عمليات قصف المواقع المدنية في السعودية والامارات، وعمليات القرصنة للسفن في البحر الأحمر، والتصرف بعنجهية ومخالفة القرارات الدولية.
اما ما عبر عنه وزير الخارجية الامريكي (انتوني بلينكن) مع نظيره الإماراتي (الشيخ عبد الله بن زايد) بالقول” سنعمل مع الإمارات والشركاء لمحاسبة الحوثيين”، فهو اشبة بنثر الرماد في العيون، سيما بعد أن وصف الهجوم بالإرهابي، متناسيا ان حكومته رفعت صفة الإرهاب عن الحوثيين، فكيف لتنظيم غير إرهابي يقوم بعمل إرهابي وفق المفهوم الأمريكي؟ وكان مجلس الأمن القومي الامريكي قد وصف الهجوم الحوثي على الإمارات بالإرهابي، ولا بد من محاسبة الحوثيين، ولا أحد يجهل ان هذا التهديد كالنفخ في قربة مثقوبة.
بل ان الولايات المتحدة حذرت السعودية من مغبة إستهداف ميناء الحديدة الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي، وادارة بايدن على علم تام بأن كافة الأسلحة التي ترسلها ايران الى الحوثي تتم عبر ميناء الحديدة، كما ان المندوبة الامريكية في الأمم المتحدة صرحت بأن تهريب إيران الأسلحة للحوثيين يعتبر إنتهاك صارخ، ويطيل أزمة اليمن.
السؤال المثار: لما ترفض الولايات المتحدة ـ رغم مطالبات الأمم المتحدة ـ تحرير ميناء الحديدة أو إستهدافه من قبل قوات التحالف؟ علما ان نفس السيناريو الامريكي جرى مع مطار صنعاء وهو معبر رئيس لتهريب الأسلحة الايرانية للحوثيين عبر الجو. حيث رفضت الولايات المتحدة إستهداف المطار مع علمها ما يجري في أروقته.
بل ان الأمم المتحدة عبرت عن قلقها من عسكرة ميناء الحديدة الذي ترسو فيه سفن المساعدات الدولية للشعب اليمني. وسبق أن قام الحوثيين بسرقة المساعدات الإنسانية للشعب اليمني الموجودة في الميناء. كما طالبت الأمم المتحدة بتفتيش ميناء الحديدة، لكن الحوثي رفض الإنصياع لطلب الأمم المتحدة. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى اليمن (هانس برودنبرغ) في تصريح له ” ان ميناء الحديدة يستخدم لأغراض عسكرية، ونطالب بإجراء تحقيق”.
المطلوب من قوات التحالف معالجة ميناء الحديدة ومطار صنعاء بإعتبارهما الشريانان الرئيسان لإمداد الحوثي بالأسلحة والصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، انها ثكنات عسكرية وليست مدنية كما يزعم الحوثيون، وترك بايدن يتخبط في قراراته غير الملزمة لقوات التحالف العربي، الى ان يستقر رأية على أعتبار الحوثيين تنظيم ارهابي او غير إرهابي. سيما بعد الإنتصارات المتلاحقة التي تحققها قوات التحالف وفيلق العمالقة، ولم يبقَ الكثير لتحرير كامل الأراضي اليمنية من أيدي حوثيي الولي الفقيه.
السؤال الأخير لإدارة بايدن: هل القرصنة في المياه الدولية شكل من أشكال الإرهاب أم الأمن والسلام؟
حيث سبق للحوثيين ان قرصنوا السفينة الإماراتية المدنية في البحر الأحمر، وقبلها قرصنوا السفينة صافر التي تتواجد حاليا قرب ميناء الحديدة، وتعاني من تسربات نفطية ستؤدي الى كارثة بيئية خطيرة.

نقطة نظام
كلمة لرئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي: انك تقوم بالتوسط بين ايران والسعودية، على الرغم من ان الوساطة في طريقها الحتمي للفشل، بسبب تناقض مواقف ولاية الفقيه دول من الخليج العربي، فهو يمد يد للسلام، وفي الأخرى يحمل خنجر. اعتقد انه من الأفضل للحكومة العراقية القادمة ان توسِط دولة أخرى لتحسين العلاقات بين العراق من جهة، ودول الخليج العربي من جهة أخرى، سيما بعد تورط الحشد الشعبي بقصف منشأة ارامكو السعودية والهجوم الأخير على الإمارات العربية من قبل حزب الله العراقي، الذي سبق ان تبرع للحوثيين بمليار دينار عراقي لشراء طائرات مسيرة وصواريخ لضرب الإمارات والسعودية.