25 فبراير، 2025 8:04 م

كوبو آبي.. انشغلت أعماله باغتراب الإنسان وإدراكه لهذا الاغتراب

كوبو آبي.. انشغلت أعماله باغتراب الإنسان وإدراكه لهذا الاغتراب

 

خاص: إعداد – سماح عادل

“كوبو آبي” روائي، كاتب مسرحي ياباني، اسمه الحقيقي (كيمي فوسا). ولد في طوكيو، وتخرج من كلية الطب بجامعة طوكيو.

حياته..

ولد في طوكيو عام 1924، نشأ في موكدين في منشوريا، كان أبوه يعمل ضمن هيئة التدريس في كلية الطب. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية عاد إلى اليابان، حيث تخرج في جامعة طوكيو الإمبراطورية، بعد حصوله على درجة البكالوريوس في الطب، وفي عام تخرجه أصدر “آبي” كتابه الأول بعنوان “لافتة في نهاية الطريق” وابتعد، في رحلة اغتراب دامت ثلاث سنوات ليعود بروايته القصيرة “جريمة السيد س. كاروما” التي فازت بأهم جائزة أدبية في اليابان، وهي جائزة أكوتاجاوا.

وفي عام 1960، فازت روايته “امرأة الرمال” بجائزة يوميوري، وسرعان نقلت رواياته إلى السينما، وقُدّر لهذا الفيلم أن يفوز بجائزة التحكيم في مهرجان كان.

وتوالت أعمال “كوبو آبي”، ودفعت باسمه إلى مقدمة أسماء الأدباء في اليابان، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية، وفي مقدمتها “الرجل العلبة” و”الخريطة الممزقة” و”وجه الآخر” و”مرحباً بعصر الجليد”. وتتميز أعمال “آبي” بغرابة قد تصدم القارئ في كثير من الأحيان، خاصة القارئ الذي ألف مطالعة الأعمال التقليدية، ذلك أن أعماله هي حصر رحلات في عوالم مغتربة، إنها سفرات يقوم بها إنسان مغترب، ويدرك اغترابه ولا يكفّ عن محاولة تجاوز هذا الاغتراب، حتى عند حدود الموت.

موعد سري..

في رواية “موعد سري”،  يجد القارئ نفسه إزاء إنسان محاصر، وهو في غمار هذا الحصار يضرب في متاهة لا نهاية لها، وتأتي النهاية حاسمة كضربة سيف من ساموراي لا يرحم؛ فذات صباح يستيقظ البطل على وصول عربة إسعاف لم يستدعها أحد، ويصرّ طاقمها على حمل زوجته إلى المستشفى، وفي غمار الاضطرابات يتم الرحيل لتندلع رحلة طويلة بلا انتهاء، يقوم بها البطل في رحاب المستشفى المقام تحت الأرض وصولاً إلى الزوجة الراحلة.

تعددت مواهبه فهو أيضا كاتب مسرحي ومصور فوتوغرافي ومخترع ياباني. كما أنه شاعر نشر ديوان شعر بعنوان “قصائد لشاعر غير معروف” عام 1947. وفي الستينيات تعاون مع المخرج “هيروشي تيشيجاهارا” في تحويل بعض أعماله إلى أفلام سينمائية، وهي:”المأزق”، “امرأة في الكثبان” ، “وجه الآخر”، “خريطة مدمرة”.

وكان الأديب الياباني الحاصل على جائزة نوبل “كنزابورو أوي” من أصدقائه. وقال عنه إن رواياته تضارع في عظمتها روايات كافكا وفوكنر. وقال حين حصل على جائزة نوبل إن “آبي” يستحق أيضاً نيل هذه الجائزة، وكان “آبي” قد رشح فعلاً لنيلها عدة مرات. وقد شبّه النقاد أسلوبه الواقع تحت تأثير الحداثة بأسلوب “ألبرتو مورافيا”.

امرأة الرمال..

في روايته الأشهر “امرأة الرمال” يرد في متنها: “بدا أن الريح انتزعت نفسه من فمه، دار حول حافة حفرة، وتسلق بقعة يمكنه أن يرى البحر منها. كان البحر صفرة متسخة. تنفّس بعمق، لكن الهواء ضايق حلقه، ولم يكن له الطعم الذي توقعه، ارتفعت سحابة من الرمال عند مشارف القرية، ربما كانت الشاحنة ذات العجلات الثلاث تقل المرأة..آه، نعم ربما، كان يتعين عليه أن يبلغها بمعنى الفخ”.

“امرأة الرمال” تبدأ بفقدان هائل، هو الذي يدفع البطل، أو بمزيد في الدقة بطل الضدّ هنا، إلى الخروج إلى الصحراء بحثاً عنه. ويلفت المترجم “كامل يوسف حسين” إلى أنّ روايات “آبي” مليئة بالعلامات والدلالات والمفاتيح، تلقي الضوء على الأسرار. يقول “آبي”: فجأة تدفق في أعماقه أسى بلون الفجر، بمقدورهما على حد سواء أن يلعق أحدهما جراح الآخر، لكنهما سيظلان يلعقان إلى آخر الدهر، ولن تبرأ الجراح أبداً، وفي نهاية المطاف سيهترئ لسان كل منهما”.

وتصف الكاتبة العراقية “عالية ممدوح” رواية “امرأة الرمال” بأنها “رواية خانقة، مستفزة، صادمة، غير مريحة أبداً، لكنني لم أستطع تركها جانباً قط. مفتاحها الوحيد؛ كيف ننشغل بالفناء في كل ثانية ونحن نواجهه كل ثانية فنقوم بإزاحته جانباً، فلا يدوم فعل المقاومة إلا دقائق قليلة وهكذا. حكاية شاقة، مؤذية. أبدأ وأترك ثم أعود. الكاتب يسدد ضربة للقارئ، وهو عاجز عن غشه، فالرمال سوف تنسل عليه هو أيضاً. كل صفحة أقرأها كنت أتصور أن الرمال ستغطيني، وأن هذا الرمل كلما حاول الرجل والمرأة رفعه وتنظيف المكان منه، يعاود ودون انقطاع، لا يتخلى عن الهدف: خنقنا”.

تبدأ الرواية هكذا، كما تقول عالية ممدوح: “اختفى رجل، ذات يوم من أيام أغسطس. وكان قد انطلق في إجازة على شاطئ البحر، ثم احتجبت أخباره، والتحقيق الذي أجرته الشرطة والاستفسارات التي نشرت في الصحف كانت بلا طائل”. وتعلق الكاتبة العراقية: حين قرأت هذا المقطع، قلت، عال، هذه رواية تستنهض الخبرة في اكتشاف القاتل، أو السجان، إلخ. فإلى أين يمكن أن يذهب ويختفي الرجال عادة؟ هذا الرجل جامع حشرات، كان يضع فوق ظهره حقيبة خاصة لهذا الغرض لصيد أقل الحشرات حجماً. فنقرأ رأياً جديداً عن هذا النوع من الأعمال: “غالباً ما يشير الانشغال غير المألوف بجمع الحشرات إلى عقدة أوديب؛ فالطفل لكي يعوض عن رغباته التي لم يتم إشباعها، يستمتع بغرس الدبابيس في الحشرات التي لا مجال للخوف من هربها قط، وقد تراوده رغبة حادة في التملك وأنهم وإلى حد بعيد يميلون إلى العزلة، ويصابون بالسرقة المرَضية”.

نذهب مع هذا الرجل الذي تشي المعلومات عنه، أنه قد يكون حاملاً لبعض تلك الصفات، أو كلها. فيدخل في متاهة الرياح والعواصف والأمطار، وندخل معه أيضاً في طقس اليابان: تسونامي من العبقرية. الإبداع من نوع كهذا هو أيضاً، وفق عالية ممدوح، يشكل رعباً نادراً فيومئ إلينا قائلاً: “الرمل تجمع لشظايا صخرية، يشمل في بعض الأحيان حجر المغناطيس. فتحدث تيارات الهواء والماء اضطراباً هائلاً، وأصغر طول موجة في هذا التدفق المثير للاضطراب يعادل تقريباً قطر حبات رمال الصحراء. إنّ تدفق الرمل أمر لا مناص منه. يغزو سطح الأرض فيلحق الدمار به”.

خصوصية الأدب الياباني..

وعن خصوصية الأدب الياباني، يتوقف الكاتب “عدنان المبارك” عند “كوبو آبي ويوكيو ميشيما” كونهما الكاتبين الكبيرين الذين وضعا أكثر من أساس لأدب اليابان المعاصر. كلاهما ينتمي إلى الجيل نفسه. الأول ما يزال يُعامَل كمتمسك بالتقاليد اليابانية ووريث كاواباتا. الثاني معاد للتقاليد. ميشيما حشر في قالب واحد: إنه ذاك المتطرف في نزعته المحافظة، رغم أنّ دوراً لا يستهان به في تشكيل شخصيته الأدبية قد لعبه الأدب الأوروبي. ومرة اعترف بأن قصته “الموت في عز الصيف” تملك بنية كما لو أنّ التراجيديا اليونانية قد قلبت رأساً على عقب، وهو ما يعني نقضاً لتقاليد الأدب الياباني.

بينما “آبي” يعتبر كاتباً من كتاب الشمولية universalism، وهو مفهوم في كل أرجاء العالم، ما يعني أنه قد ابتعد عن التقاليد وصار كاتباً “غير ياباني” يتكلم أدبه عن لا عقلانية وجود الإنسان المعاصر، في حين أن هناك بين باحثي الأدب من غير اليابانيين من يجد أن آبي ليس بالأساس، شمولياً للغاية، كما ليس من السهل أيضاً ترجمته إلى اللغات الأوروبية مثلاً، رغم أنه يعلن ولأكثر من مرة أنه لا يدين أبداً بالفضل للتقاليد اليابانية، وهو موقف لا يطابق واقع أدبه؛ فكامل أدبه ينضح بـ (يابانيته)، رغم التقنيات الشمولية التي لجأ إليها.

وفاته..

توفى “كوبو آبي” في كانون الثاني (يناير) 1993.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة