22 نوفمبر، 2024 11:27 م
Search
Close this search box.

السمّ القاتل

شريكي مصاص دماء عاطفي”… عندما يتحوّل الحب إلى “سمّ قاتل”
في بداياتها غالباً ما تكون العلاقة العاطفية جميلة، مليئة بالشغف والأدرينالين والإثارة، ولكن مع مرور الوقت ونضوج العلاقة، قد ينتهي “شهر العسل” هذا ويصطحب معه “الحب الوردي” الخالي من المشاكل، فتبدأ مرحلة جديدة في حياة الثنائي: تتآكل العلاقة وتتسمم، بسبب تصرفات مؤذية وسلوكيات غريبة يقوم بها الشريك الذي يتحول إلى “مصاص دماء عاطفي” Emotional vampire، الأمر الذي يطفئ “شرارة الحب” ويحول العلاقة إلى “جحيم”.
وبخلاف العلاقات الإنسانية الصحية التي تركز على الاحترام المتبادل والاهتمام والقدرة على مشاركة القرارات، والتي تسمح للمرء بأن يكون على طبيعته من دون خوف أو الحاجة إلى وضع قناع زائف، فإن العلاقات السامة تتسم بانعدام الشعور بالأمان والتمركز حول الذات ومحاولة السيطرة والهيمنة على الطرف الآخر.
ما هي العلاقة السامة؟ ولماذا يصعب على البعض الخروج من هذا النوع من العلاقات المؤذية رغم أنها تدمره؟
“الحب مثل عقار مخدر. في البداية تشعر بالمرح والغبطة بالاستسلام الكامل. وفي الغد تريد منه أكثر. هو ليس تسمماً بعد، بل إنك ترتاح للشعور وتعتقد أنك قادر على البقاء مسيطراً عليه. تفكر بأنك تحبه لدقيقتين وتنساه لثلاث ساعات. ولكنك تعتاد شيئاً فشيئاً هذا الكائن، وتصبح متعلقاً به تماماً، عندئذٍ تفكر به ثلاث ساعات وتنساه لدقيقتين. ومع أنه ليس ساماً ولكنك تعاني من الإحساس نفسه الذي يحس به المدمنون عندما يفتقدونه، وكما يفعل المدمنون، يسرقون ويُذلون النفس ليحصلوا على ما هم بحاجة إليه، كذلك أنت تكون مستعداً لأي شيء في سبيل الحب”. (باولو كويلو).

تخيّلوا أنفسكم في علاقة مع شخص يسيء معاملتكم، يجرحكم ويهينكم باستمرار ويجعلكم تشعرون بأنكم دون قيمة، وبالرغم من تحذيرات الجميع من حولكم وتنبيهكم من طباعه السيئة، إلا أنكم تجدون أنفسكم “عالقين” في هذه العلاقة وغير قادرين على التفكير حتى في الانفصال، لأنكم تعتبرون أن هذه الخطوة تحتاج إلى مجهود أكبر من البقاء. هذه عيّنة من الوقوع في فخ ما يعرف بـ”العلاقة السامة”.
منذ وجودهم على هذه الأرض، سعى البشر ليكونوا قريبين جسدياً وعاطفياً من بعضهم البعض، إذ إن الحياة تبدو أفضل وأجمل عندما نتقاسم اللحظات والخبرات مع الآخرين، ومع ذلك لا يوجد مجال محفوف بالمخاطر والتحديات أكثر من علاقاتنا العاطفية، التي تتطلب مجهوداً كبيراً وتضحيات وتنازلات، في سبيل الحفاظ على شرارة الحب وضمان نجاح العلاقة واستمراريتها، فكل شيء مقدور عليه باسم الحب، ولكن في بعض الأحيان يتحول الحب الجامح إلى سمّ قاتل.
في كتابها Toxic People الصادر في العام 1995، تُعرّف الدكتورة ليليان غلاس، “العلاقة السامة” بأنها عبارة عن “علاقة بين أشخاص لا يدعمون بعضهم البعض، حيث يوجد صراع ويسعى أحدهم إلى تقويض الآخر، وحيث توجد منافسة وحيث يوجد عدم احترام ونقص في التماسك”.
وفي حين أن كل علاقة تمرّ بحالة من “المدّ والجزر”، فإن العلاقة السامة “تستنزف أصحابها، لدرجة أن اللحظات السلبية تطغى على اللحظات الإيجابية”، وفق ما قالته غلاس.
حب التملك
يمكن تعريف العلاقات السامة بأنها علاقة تتسم بوجود نمط متكرر ومؤذٍ من السلوك بين الطرفين، قد يشمل هذا النمط الغيرة المرضية، الاستغلال، الرغبة في الهيمنة، الأنانية والرفض.
وتعد قلة الثقة بالنفس إحدى الركائز الأساسية التي تولد أشكالاً متعددة من العلاقات السامة، ولا يقتصر الأمر هنا على طرف دون الآخر، حيث كثيراً ما يتبادر إلى أذهاننا فرضية أن الطرف الذي يسعى للسيطرة هو الطرف النرجسي المتمتع بالثقة، لكن هذه النرجسية في الحقيقة قد تخفي مستوى أعمق من اهتزاز الثقة وانعدام الشعور بالأمان، وهو ما قد يدفع الكثيرين لمحاولة تعويض هذا النقص بالسيطرة على الشريك.
واللافت أن عدداً من الأفراد ينجذبون بأنفسهم للدخول في هذا النوع من العلاقات السامة، بخاصة في حال ترعرعوا في كنف بيئة سامة مليئة بالأذى والعنف والمشاعر السلبية، ما يفقدهم القدرة على تمييز العنف والإيذاء، فيتحوّلون بشكل غير واعٍ لأفراد يمارسون أنماطاً من السلوكيات السامة التي اعتادوا عليها ولم يعرفوا غيرها.
بالرغم من كونها في الثلاثينيات من العمر، إلا أن نجوى (إسم مستعار) لم تتمكن حتى اليوم من الانخراط في علاقة عاطفية صحية، والسبب يعود إلى بحثها الدائم عن عاطفة لم تلمسها يوماً مع أمها التي كانت تبخل عليها حتى بكلمات التشجيع والحب، بحسب ما كشفته.
وعن هذه العلاقة المضطربة مع والدتها، تقول لرصيف22: “أمي لا تشبه سائر الأمهات، فهي نموذج مختلف عن الجميع، لم تقف يوماً إلى جانبي حتى عندما كنت أمرض وألازم السرير، لم أسمع منها أي كلمة جميلة. لا أعرف لماذا هذا الحقد عليّ رغم أنها تغمر أشقائي بالحب والاهتمام”.
ومع مرور الوقت، حاولت نجوى سدّ الفراغ العاطفي الذي خلّفته والدتها، فكانت تنخرط في علاقات عاطفية سرعان ما تنتهي بالفشل، وذلك بسبب رغبتها في السيطرة على الشريك وغيرتها المرضية والشكوك التي تحاصرها: “وقتا حبّ شخص بعطي من قلبي بس بنفس الوقت بضل خايفة أخسره، بتكمش فيه ومن دون قصد بصير أخنقه بأسئلتي وغيرتي وشكوكي”، وفق ما قالته.
هذا وكشفت أنها تواظب على زيارة أخصائي نفسي لمساعدتها على إيجاد حلّ لهذه المشكلة، التي تصادفها في كل مرة تتعرف بها على شاب تقع في حبه.
أشكال العلاقات السامة
في حين أنه يمكن ملاحظة علامات الإيذاء الجسدي، فإنه في بعض الأحيان يصعب تمييز العلاقة السامة التي تدمر احترام المرء لذاته وتستنزف طاقته.
وعليه نستعرض لكم أشكال السلوك السام الأكثر انتشاراً، مع العلم أن هذه الأنماط قد تكون متداخلة:
السخرية والإهانة: في هذا النمط، يقوم أحد الأطراف بالتقليل من شأن الآخر بشكل مستمر، بمعنى آخر، فإنه يعتبر أن ما يقوله الطرف الثاني وما يعبر عنه من أفكار ومعتقدات هي مجرد أمور سخيفة وغبية.
فالشريك السام لن يتوقف عن السخرية منكم وإحراجكم أمام الآخرين، وعلى الرغم من استيائكم ومطالبتكم المستمرة بالتوقف عن إهانتكم، إلا أنه سيواصل سلوكه زاعماً بأنه يمزح، لا بل قد يتهمكم بأنكم تفتقرون لحس الدعابة، هذا ويحاول الشريك السام أن يبسط سيطرته عليكم ويكون هو دائماً صاحب القرارات، وفي حال استمر هذا السلوك لفترة طويلة، فقد تشعرون بانعدام الثقة وبأنكم عاجزون عن اتخاذ أي قرار بدون العودة إليه.
واللافت أن هذا النوع من الأفراد السامين يخبرونكم باستمرار بأنكم محظوظون لوجودهم في حياتكم، لكونه لا يوجد شخص آخر قد يتقبلكم، والهدف هو هز ثقتكم بأنفسكم حتى لا تتمردوا على سيطرتهم المطلقة على العلاقة.
سرعة الغضب والانفعال: هناك سلوك كلاسيكي يعتمده الشريك السام وهو عبارة عن”السيطرة عن طريق التخويف”.
غالباً ما يكون لدى الشخص السام مزاج متقلب لا يمكن التنبؤ به، فيشعر الطرف الثاني في علاقته معه وكأنه يسير “فوق قشر البيض”، بحيث أنه لا يعرف أبداً ما الذي قد يغضبه.
هذه الحاجة المستمرة لليقظة، وعدم القدرة على معرفة ما الذي سيؤدي إلى فورة غضب الآخر، قد تؤثر على صحتكم العاطفية والجسدية.
الجدير بالذكر أنه نادراً ما يظهر الشريك السام هذا الجانب العصبي للعالم الخارجي، بحيث أنه غالباً ما يُنظر إليه على أنه انسان لطيف ومن السهل الوقوع في إعجابه.
الشعور بالذنب: في هذا النوع من العلاقات، يقوم الشخص بالسيطرة على قرارات الطرف الآخر من خلال إثارة شعوره بالذنب والتقصير، فالتحريض على الشعور بالذنب مصمم للتحكم في سلوككم حتى يحصل شريككم السام على ما يريده منكم.
المبالغ في ردود أفعاله: عند توجيه اللوم له، يبالغ الشريك السام في ردود أفعاله ويغرق في الغضب أو الحزن والإحباط، فيجد الطرف الآخر نفسه يهدئه بدلاً من مناقشة المشكلة الرئيسية، والأسوأ أنه يشعر بالغضب من نفسه وبأنه كان “أنانياً” لدرجة أنه أزعج شريكه.
الشريك الاعتمادي: إحدى طرق التحكم السام هي أن يكون أحد أطراف العلاقة يعتمد على الطرف الآخر في اتخاذ جميع القرارات، لكنه في المقابل سيتعامل بعدوانية إذا كان القرار المتخذ “خاطئاً” من وجهة نظره، أو لا يناسبه.
مثل هذا النوع من العلاقات السامة يخلق شعوراً مستمراً بالقلق والتوتر نتيجة الخشية من اتخاذ القرارات الخاطئة، بالإضافة إلى الشعور بالإرهاق نظراً لاضطرار أحد الطرفين اتخاذ جميع القرارات.
الشريك المستقل: قد يخفي المرء سلوكه المسيطر السام من خلال الزعم بأنه “إنسان حر ومستقل، لا يسمح لأحد بالتحكم بحياته”، الأمر الذي يجعله يتفلت دائماً من مسؤولياته ووعوده، وبالتالي فإن هذا الشخص قد يعمد إلى التحكم بكم عن طريق إبقائكم غير متأكدين مما سيفعله.
هذا النوع من العلاقات يجعلكم في حالة دائمة من انعدام الأمان والاستقرار، نظراً لعدم قدرتكم على التنبؤ بتصرفات الشريك، أو بمدى التزامه العاطفي تجاهكم، الأمر الذي سيؤثر بقوة على صحتكم النفسية والعاطفية والجسدية.
المستغلّ: في بداية العلاقة، قد يبدو الشخص لطيفاً وممتعاً طالما يحصل على ما يريده من الطرف الآخر، فتكون العلاقة معه باتجاه واحد، بحيث يبذل أحد الطرفين كل الوقت والجهد، غير أن الشخص السام سرعان ما يقرر وضع حدّ للعلاقة في حال وجد شخصاً جديداً يستطيع فعل المزيد من أجله.
المتملك: في وقت مبكر من العلاقة، قد تجدون أن غيرة الشريك طبيعية ومقبولة وتستمعون بها على اعتبار أنها دليل على الحب، إلا أنه مع مرور الوقت سيصبح الشريك السام يلاحقكم بغيرته الجنونية، فيحاصركم بشكوكه وأسئلته، ويعمل على عزلكم عن الأصدقاء وبعض أفراد العائلة، وذلك كله بهدف تملككم.
ما العمل في حال كنتم منخرطين في علاقة عاطفية سامة؟
لا شك أن العلاقات السامة، بمختلف أشكالها، قد تكون مدمرة على المستوى العقلي والعاطفي، وحتى الجسدي، لأحد الطرفين أو لكليهما.
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الأخصائية في علم النفس رنا الصياح، أن “العلاقات السامة تعني الصلة بين شخص وآخر حيث تشبه بطبيعتها مفعول السمّ الذي يرفضه الجسم أو يقتل صاحبه”.
وأشارت الصياح إلى أنه في التحليل النفسي يكون البحث عن السؤال الذي لا يجد الشخص المعني جواباً عليه، موضحة أنه عند الحديث عن العلاقات الاجتماعية، هناك سؤال مهم يبرز دائماً: ما الذي يريده الآخر مني؟
أكدت رنا أن العلاقة السامة بطبيعتها علاقة مقلقة، يشعر فيها أحد الطرفين أو كلاهما بالتنغيص الدائم، بعدم الراحة وبأن هناك “شيئاً” مزعجاً لا يمكن تحديده ويستنفذ طاقة أحد الطرفين، كأن يجعل المرء شريكه ينهمك به طوال الوقت لدرجة تجعل هذا الأخير يصاب بالإرهاق الجسدي والنفسي.
وعليه أشارت الصياح إلى أنه في العلاقات السامة تكثر المشاكل والخلافات، وتغيب نقطة التقاء تسمح ببناء علاقة صحية تنمو بشكل تشاركي وتضمن الأمان والطمأنينة للطرفين.
واللافت أن الأشخاص الذين يبسطون سيطرتهم على الشريك/ة أو يتسببون له/ها بالأذى، سواء كان ذلك عن قصد أم عن غير قصد، فإنه غالباً ما يكون هناك سبب معيّن يكمن وراء سلوكهم هذا، حتى ولو كان ذلك في عقلهم الباطني، من هنا أوضحت رنا أن الأسباب التي تدفع المرء إلى الانخراط في علاقة سامة قد تكون مرتبطة ببنية الشخصية ونمطها وتاريخها الشخصي العلائقي، بمعنى آخر كيف طور المرء نماذج علائقية، بدءاً من المحيط القريب أي المنزل، مروراً بالمدرسة والأصدقاء وصولاً إلى بيئة العمل… فالشخص الذي سبق وأن تعرض لعلاقة سامة في طفولته، فإنه من المرجح أن يعيد ممارسة هذا التصرف السام مع الآخرين في وقت لاحق من حياته.
وعن كيفية الخروج من هذه العلاقات السامة، أكدت رنا أن المسألة تحتاج إلى جهد ووقت، لأن التصرف السام هو وليدة تراكمات كثيرة تعود إلى سنوات طويلة، من هنا شددت على ضرورة العودة إلى طفولة الشخص المعني والوقوف على جميع النماذج الذي مرّ بها في حياته وإعادة بناء حدوده الخاصة وعلاقاته الشخصية التي تحقق له السعادة، وذلك بمساعدة معالج نفسي، لأن “البحث في الماضي هو أمر مؤلم والشخص بحاجة لكي يكون هناك شخص آخر يشهد على آلامه ويساعده على إعادة بناء نماذج حقيقية بشكل واع، تقدم له الراحة في العلاقة”.
هذا وأكدت رنا الصياح أن الخروج من العلاقات السامة ليس أمراً “ميؤوساً منه”، بخاصة إذا كان الشخص مدركاً لوجود خلل ما في علاقاته: “هناك الكثير من الأشخاص الذين ينخرطون في مثل هذا النوع من العلاقات دون أن يدركوا ذلك، لأنهم يكونوا في صميم العلاقة ويعيشون الأحداث من ضغط وقلق ولا يستطيعون تحديد طبيعة العلاقة”، وأضافت: “بيجي نهار ببلشوا يحسّوا إنو عم بينهاروا، وقتها بيسألوا حالن: أنا شو عم بعمل؟ وليه أنا بهالعلاقة وهون منكون أصبحنا على الطريق الصحيح للعلاج”.
باختصار، يعتبر التعرف على علامات العلاقة السامة خطوة حيوية وأساسية، سواء قررتم الرحيل والتخلص من العلاقة أو كان الأمر صعباً ولا يمكنك التخلص منها، لكن مجرد الوعي بوجودها سيساعدكم على التعامل معها وعدم استنزاف طاقتكم.

أحدث المقالات