ان سياسة الانقياد وراء الولايات المتحدة الامريكية التي اتبعتها كثير من الدول ومنها غالبية الدول العربية جعلت امريكا تتعامل معها بطريقة عدم المبالاة باعتبار ان تلك الدول مضمونه الانجرار وراء مواقفها سواء كانت سلبية ام ايجابية وحسب مقولة الرئيس الاسبق دونالد ريغن مصالحنا مع العرب لا تتأثر لا بالصداقة ولا بالخصومة لانهم ينفذون ما نطلب منهم او ينفذون ما نريد، وقد تعمقت تلك السياسة بعد الاحتلال الامريكي للعراق حتى اصبح كثير من الدول غير قادرة على قول كلمة لا لأمريكا لان العقلية الامريكية المتغطرسة والمتعالية لا تقبل لحلفائها الدائمين التفكير في مصالحهم خارج اطار المظلة الامريكية، بالرغم من ان مصر اول من كسر هذة القاعدة في عهد الرئيس السيسي بعدما ارادت امريكا قيادة العالم في مواجهة الارهاب بشكل انتقائي بينما أصرت مصر ان يكون التعامل شامل لان ارهاب داعش في سوريا وليبيا لا يختلف عن الارهاب في سيناء لهذا كان لمصر موقف مغايير للاجندة الامريكية مما هددت امريكا بقطع المساعدات عنها وقد جوبه هذا الموقف بتجاهل وتحدي من قبل القيادة المصرية واستمرت مصر في محاربة الارهابين في سيناء خارج اطار السياقات الامريكية ورفضت اي تدخل دولي في هذا الشأن مما جعلها تتمكن من دحر الارهابيين .. بينما كانت اغلب الدول العربية وبالاخص دول الخليج لم تتمكن من معارضة امريكا حتى في معالجة الامور التي تسبب اضرار في مصالحهم الوطنية مثل رفض امريكا دعم دول الخليج للمعارضة والاقليات الايرانية رداً على التدخلات الايرانية السافرة في الشأن الداخلي لدولهم خشية من انفجار الوضع الداخلي المحتقن في ايران .. اما اليوم بعد تولي الحزب الديمقراطي السلطة واخفاق ادارة بايدن في تعاطيها لكثير من الملفات ومنها انقسام الرؤيا في التعامل مع الصين التي تعمل بخطى ثابته لتحقيق طريق الحرير وكذلك تحدي روسيا لحلف الناتو في اوكرانيا التي باتت تتطلع لإعادة رسم خطوطها الحمراء في مناطق جوارها الحيوي .. وكذلك الاخفاق في التعامل مع الملف النووي الايراني واتباع سياسة الانبطاح والتحابي لايران لانهاء هذا الملف بأي صيغة كانت لان اولوية ادارة بايدن الصين وليس ايران لهذا يؤكد بايدن دائماً على ان الخيار الدبلوماسي هو الخيار الوحيد في حسم الموضوع والجميع يعلم ان سياسة ايران تتسم بالمماطلة والخداع وهذا ما اضعف موقف المفاوض الامريكي في فيينا وايضاً ادى الى الشعور بالقلق من قبل حلفاء امريكا التقليديين في منطقة الشرق الأوسط فضلاً عن عدم الاستجابة لمطالبهم بالضغط على إيران لوقف سياساتها المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة وأهمية وقف برنامج تطوير الصواريخ الباليستية مما يعني اخفاق ادارة بايدن وتراجعها في حسم الملفات التي ركزت عليها في برامجها الانتخابية ناهيك عن هزيمتها في افغانستان وقرار الانسحاب غير المنظم مما اثار معارضة شركاء أميركا في حلف شمال الأطلسي الذي جعل اورباً تفكر جدياً في بناء قوتها الموحدة التي سيكون بمقدورها قيادة مهمات خارجية دون الاضطرار للركون إلى القوة الأميركية. بالاضافة الى سياسة التهرب من قضايا الشرق الأوسط واللجوء إلى استراتيجية “القيادة من الخلف”بعد تقليص التواجد العسكري الأميركي فيها علاوة على الانقسام الداخلي غير المسبوق بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري .. حيث كان لهذة العوامل الأثر الأكبر في تراجع السياسة الخارجية لامريكا وفقدان تأثيرها على القرارات الدولية مما جعل كثير من الدول لا تحسب حساب لرد الفعل الامريكي خصوصاً في منطقة الشرق الاوسط بالرغم من تحالفها الاستراتيجي الدائم معها مثل اسرائيل التي هددت بالتصرف مع ايران بشكل مغايير لمواقف ادارة بايدن، وايضاً ما قامت به السعودية بعد معاناة من ازدواجية تعامل الولايات المتحدة الامريكية في اليمن وغضها الطرف عن تدخلات ايران وارسالها الاسلحة الى الحوثيين بشكل مكشوف ومنها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة لخلط الاوراق لجعل اليمن ورقة ضغط للحصول على مكاسب في مباحثات فيينا ولكن جاء الرد السعودي والاماراتي مفاجئ لامريكا وايران بتدخل قوات التحالف بشكل مكثف وخصوصاً الطيران بالاضافة الى تشكيل الوية العمالقة التي حررت الكثير من المناطق في اليمن دون مبالاة للموقف الامريكي المخادع خصوصا بعد اندفاع الامارات نحو اسرائيل من اجل ان تكون هذة العلاقة مظلة سياسية تحميها من الضغوط الامريكية ( بالرغم من عدم توافقنا مع الموقف الاماراتي ) ولكننا نتحدث عن واقع الحال الذي كسر حاجز الهيمنة الامريكية وجعلها اي الامارات تتحرك عسكرياً وسياسياً بشأن قضية اليمن من خلال الضغط العسكري على الارض، والسياسي في اروقة الامم المتحدة ومجلس الامن .. ناهيك عن انحسار الدور الامريكي في العراق وسوريا، مما يعني هذا التراجع في مختلف الملفات الاقليمية والدولية في ظل سياسة الرئيس بايدن قد يوحي الى امكانية تشكيل اقطاب دولية جديدة يكون لها تأثير اعمق على السياسة الدولية وبالتالي قد ينخرط العقد الامريكي وتخسر امريكا الكثير من نفوذها في مختلف مناطق العالم .. وايضا نتيجة السياسة البراغماتية التي تنتهجها امريكا وتخليها عن كثير من تعهداتها القانونية والاخلاقية وخصوصاً بعد المواقف المتذبذبة لادارة الرئيس بايدن وتجاهل مصالح الحلفاء الدائمين في منطقة الشرق الاوسط والتي ادت الى عدم المصداقية وانعدام الثقة بالسياسة الامريكية مما يفترض دراسة تأسيس تحالف اقليمي جديد يضم مصر والسعودية والامارات وتركياً فضلا عن الدول العربية الاخرى لتشكيل محور سياسي يكون نقطة التقاء في القضايا التي تحقق مصالح استراتيجة لدول المنطقة بعيداً عن الخلافات الايدولوجية والفكرية، كذلك العمل على تحقيق الامنية الخليجية في تطوير مجلس التعاون الخليجي الى اتحاد كونفدرالي يوحد السياسة الخارجية والدفاع لدول الخليج في مواجهة الاخطار والتحديات الخارجية.