اختفاؤك المستفز.. الغير مبرر.. انسحابك المتكرر.. الغير معلن.. صمتك الرهيب الذي يوحي بالانهزام.. أصبح يرعبني.. يقلقني.. يقتلني.. يدخلني دائرة الانتظار.. دوامة اسمها الإحباط.. صمتك الرهيب.. يجعلني أصاب بالجنون والهذيان.. يفتح أمامي باب التأويل على مصراعيه.. إنها ثورة بلا عنوان.. أبطالها نصب بلا أمجاد.. يجعل الأحلام تقع أمامي تباعا.. مثل الأنقاض.. إذا كان الصمت بالنسبة لك وسيلة للهروب.. تعفيك عن تقديم وثيقة الاعتذار والحلول.. أو قد تعني لك الرضا والقبول.. فصمتي أنا تلزمني به الفصول.. لا تجعل صمتك حكمة وسبيلا.. وتجعل صمتي يتحدث عني بديلا.. إياك أن تجعل من فصاحني فتنة.. فيصبح الصمت على جبينك عارا.. لا تجعلني أبدو كالأصنام في صمتي.. صورة جميلة في سكوني وموتي.. ولا تنتظر مني أن أنظم لعالم الخرفان.. لا تعد بي لأزمان.. ولت منذ أزمان.. ولا تعلمني أسوأ العادات.. لا تحدثني عن مزايا الصمت.. ولا تقل لي أنه أبلغ من الكلام.. فقيود الذل كسرتها.. بعدما نطق “باسمك” الحكم ظلما علي.. تلك هي مزايا (حقوق) ضاقت مساحتي فيها.. تلك هي مرايا حطمتها بيدي.. حينما لم أجد لأسئلتي جوابا.. بعد أن حصلت على وسام درجته العذاب والعتاب.. لا تفرض الصمت على من.. لم يعد الخوف يجدي معها شيئا.. في طيات الصمت براكين.. لن يدركها من.. جادت عليه الدنيا نعيما.. لا تمدح الصامتين في زمن.. تعددت منابر التعبير فيها.. لا تفسح مجالا للصمت.. تجعل منه أجمل ما في الكون.. فالصمت كما الحب.. هو تصريف بذكاء.. ألا تصمت كثيرا حتى لا تنسى الكلام.. وألا تتحدث كثيرا حتى لا تفقد البريق واللمعان.. هي كتابات مركبة وجدت فيها ضالتي.. فلا تعاقبني على تسلط لساني.. قضيت بقية العمر.. أتعلم كيف أنسى إساءة الظالم.. كيف أنسج الحروف.. كي أنطق بها.. كلمة “أحبك”.. من أجلك تعلمت كتابة الأشعار. من أجلك، أصبح كانون الثاني.. شهر ميلادي.. من أجلك تعلمت رقصة البالي.. نسيت الإهانة وعشقت فساتيني.. اشتريت أحلى ما في المتاجر.. أساور مرصعة.. كتب عليها اسمك يا وطني.. من أجلك أرغمت الكلمات ألا ترقص لسواك.. فكيف تجعلني أصمت اليوم مثل الخرساء.. يا وطنا فقد بريقه.. عطره.. وملامحه.. حينما غرد لسواي..
يا وطنا لا تطالبني بالفدية والغفران.. فلم أعد تلك التي تقبل بالإساءة والهجران.. كما لم أعد أخشى ظلم الأحباب.. ولم أكن يوما أومن بكرم الأقدار.. ما أقسى وجع الأيام.. ما أقسى ظلم الأوطان..
لقد خيرتك بين الاثنين.. أن تنتفض وتختار الحياة.. أو تقبل الوضع على ما هو عليه.. وتنسى الأمر.. كرهي للخيانة وللصمت.. يوازي حبي للحياة.. ما جدوى الكلمات إن لم تملأ الدنيا صراخا.. وما جدوى لياليها، إن لم نعشها سوادا.. لا تعلمني الصمت أرجوك.. فبين طياته لن تعثر على بريق اسمه “نجاة”.. سجل عندك.. الصمت ليس دائما أجمل خيار.. ولا يعني دوما أنك في الجنة وأنا في النار.. ولا يعني كذلك أن الأمور كلها على ما يرام.. لا تجعل صمتك أشد الأصوات قسوة.. ولا تجعل مقالاتي عنوانها “المعاناة”.. فالحياة أعظم مني ومنك.. والوطن لمن يستحقه حقا.. لا تجعلني أسكن قبرا فسيحا.. حفرته أنت بيديك.. لا تجعل إخلاصي لك ضعفا.. أعيشه بين السطور غبنا.. يا وطنا.. أدعوك لقيام النهار.. أن ترى الشمس كما لم تراها من قبل.. كيف أن تقبل بسجن قد حطمناه سوية بالأمس.. يا وطنا صليت صلواتي بدون يأس.. لك.. فانهض.. انتفض.. اصرخ.. اخلص لي كما أخلصت دوما.. لك.. احضني.. كما تحضن السماء الأرض.. حطم قيود الذل.. اصرخ.. ففي بعض الصراخ شيء من كرامة الإنسان.. وكثير من لملمة الجراح.. الكلمات وحدها قادرة على أن تخفف ما في قلوب العشاق.. انطلق واعتنق الوفاء.. انهض واستنشق الحياة.. لا تلتزم الصمت.. ولا تجعله آية من آيات الشيطان..