يعد شارع المتنبي من اهم شوارع عاصمتنا الحبيبة بغداد ماضيا وحاضرا، حيث يضم في احضانه اقدم المطابع العراقية التي تعود تأريخها الى القرن التاسع عشر فضلا على بنايات حكومية تعود للعهد الملكي كالمحاكم المدنية المعروفة اليوم بالقشلة ومئات المكتبات وآلاف الكتب والمطبوعات الأخرى في مجالات مختلفة.
الشارع حاله حال جميع احياء وشوارع بغداد القديمة تاثر بما مر عليه العراق من احداث مدمرة كالحروب والانقلابات والحصار والأهمال المتعمد الأمر الذي ادى الى تحوله الى شارع بائس،ورغم كل ذلك حافظ على مكانته المرموقة بين الشوارع البغدادية وظل ملتقى للكتاب والأدباء والمثقفين والفنانيين وكذلك سوقا مهما لبيع وشراء وتوزيع الكتب والمجلات والصحف وجميع النتاجات الثقافية،بالأضافة الى مكان او منبرللنشاطات والفعاليات الفنية والثقافية المختلفة.
تعودت الطبقة المثقفة البغدادية قبل ثورة تكنولوجيا الأتصالات وحتى اليوم على زيارة هذا المعلم الثقافي في الأيام الأعتيادية وبالأخص في ايام الجمعة و العطل والمناسبات،وفي الماضي كان غالبية روادها من المثقفين والادباء والشعراء وجميع عشاق المطالعة واصحاب القلم وذلك لوجود مئات المكتبات الخاصة ببيع الكتب والكسبة الآخرين للأطلاع على كل ماهو جديد من المنتج الثقافي.
اليوم الشارع يعاني من زحمة الرواد ولكن نسبة كبيرة منهم لا علاقة لهم بالثقافة والصحافة والادب ولا حتى بالمطالعة وهم عبارة عن هياكل عظمية و رؤوس خاويه من الفكر ونفوس مريضة شيطانية تحاول العبث بسمعة هذا الصرح الكبير ، لذلك ترى مجاميع مختلفة منهم يعجون في الشارع، مجموعة جاءت للتحرش بالجنس الآخر، ومجموعة من العاطلين عن العمل لقضاء وقت الفراع واخرى لألتقاط السلفي لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لتقمص شخصية المثقف العراقي،ومنهم ضعاف النفوس من السراق المحترفين.
للأسف الشارع مزدحم بالرواد،المطاعم واكشاك بيع الأغذية والمقاهي تغص بالزبائن، لكن المكتبات و بسطيات الكتب تكاد تكون مهجورة وفاقدة لأي حركة تجارية حقيقية توحي ان الشارع مخصص لعرض المطبوعات من الكتب والمجلات والصحف.
لو كان نصف رواد شارع المتنبي حقا من اصحاب الفكر والقلم والمطالعة لكان العراق اليوم في مصاف الدول المتقدمة، ولما عانى خلال العقود الاخيرة من الحروب والصراعات القومية والطائفية فضلا على المشاكل السياسية والأقتصادية والأجتماعية وظواهر شاذة انتشرت في جسد المجتمع العراقي وبالأخص بين شريحة الشباب من البطالة والمخدرات والرذيلة، وكل هذه الأمور مؤشرات على أن نسبة الوعي والمطالعة قد تدنت في مجتمعنا المنهك الى مستويات كبيرة يمكن ان نقول انها تهدد ما تبقى من حضارة العراق الذي يمتد للآلاف السنين.
في ظل هذه الأوضاع الشاذة التي يعاني منها هذا الشارع التوعوي والارث الثقافي الكبير لم يبق امام غالبية اصحاب المكتبات الا غلق ابواب محلاتهم والتوجه الى مجالات اخرى لكسب الرزق واستمرار الحياة وهذا بحد ذاته يعد كارثة وتراجع كبير في المستوى الثقافي وينذر بخطر كبير لمستقبل العراق والمجتمع العراقي ودوره الفاعل على مستوى المنطقة والعالم.
عدد من الكتاب والمثقفين والفنانيين يقترحون ان يكون دخول الشارع خلال ايام العطل وبالاخص ايام الجمعة مقابل مبلغ بسيط من المال حاله كحال الاماكن الترفيهية الاخرى وجمع هذه الأموال وصرفها على تطوير وادامة الشارع وبناه التحتية وانشاء مراكز ثقافية ودور وصالات المسرح ودعم طبع الكتب والنشاطات الثقافية والفنية.
برأيي المتواضع ارى ان المقترح وجيه ويمكن لأمانة بغداد ان تقوم بأستيفاء المبلغ من الرواد وصرفها على الضروريات لأخراج شارع المتنبي من الحالة المأساوية، لكي يبقى المتنبي لأصحاب القلم وعشاق الكتاب والمطالعة وليس مجرد سوق لزحام الأرواح الشيطانية.