23 ديسمبر، 2024 8:45 م

تيوقراطي أم ديمقراطي أم إسلامي نظام الحكم في العراق  أم …!؟

تيوقراطي أم ديمقراطي أم إسلامي نظام الحكم في العراق  أم …!؟

أيامٌ قلائل تبّقت من عُمر الحكومة العراقية الحالية ولازالت الكثير من المناصب السيادية والوزارات الرئيسية المهمة تُدار بالوكالة ولعل أبرزها منصب رئيس جمهورية العراق ونائب رئيس الجمهورية ووزارات الدفاع والداخلية والمالية والاتصالات …. الأمر الذي يضعنا أمام تساؤلات شتى فهل عقمت أرحام نساء العراق الضارب في عمق التأريخ الذي علم الإنسانية معنى الحضارة أن تلد مَن يسد هذه الشواغر المفصلية الهامة ؟
أم هو التخوف من نظرية المؤامرة وعدم الولاء لمن بيده زمام الأمور ؟
أم هي محاولة لمسك كل الخيوط بيدٍ واحدة خشية ما لا يُحمد عقباه في نهاية المطاف وانفراط العقد ؟
أم ….؟ كثيرة هي علامات الإستفهام الأمر الذي يدفعنا الى التساؤل عن طبيعة الحكم في العراق هل هو نظامٌ تيوقراطي أم ديمقراطي أم إسلامي أم مزيج من كُل ما سلف ؟
وفي محاولة منا لسبر أغوار ما أشرنا إليه من أنظمة الحكم آنفة الذكر سنتناول الأمر بإيجازٍ بسيط مستعرضين آراء فقهاء القانون الدستوري الغربيين ومقتطفين بعض الدرر مما سطره الدكتور عبد الغني بسيوني  ومعرجين على وجهات نظر الفقهاء المسلمين  كأبي الحسن الماوردي علنّا نكون قد أسهمنا في إزالة بعض الغموض وأجّبنا عن فيضٍ من الإستفسارات آخذين بعين الإعتبار أن المضمون السلبي لسيادة الدولة يتجسد في عدم خضوعها لسلطة أخرى في الداخل وعدم تبعيتها لأية دولة أجنبية وعدم المساس باستقلال أي دولة في الخارج ، أما المضمون الإيجابي للسيادة فيمكن تمتع الدولة بالسلطة التي تعلو على الجميع في الداخل وعلى الصعيد الخارجي تقوم بإبرام المعاهدات وتوقيع الإتفاقيات والإنضمام الى المواثيق الدولية  وبما أن الدولة شخص معنوي فمن هو صاحب السيادة في الدولة ؟
للإجابة عن هذا السؤال سنستعرض نظريات الحكم بدءاً بالنظريات التيوقراطية التي تتفق أن صاحب السيادة هو الله لكنها تنقسم الى ثلاث نظريات الأولى تتمثل بالطبيعة الإلهية للحكام حيث يرى أصحاب هذه النظرية أن الحُكام آلهة يعيشون وسط البشر ويحكونهم كما هو الأمر في مصر القديمة والصين وفارس وروما لذا فالحكام لهم السيادة المطلقة والسلطان المقدس دون أن يجرؤ رعاياهم على إبداء أدنى اعتراض أو مناقشة باعتبار أن الحكام آلهة ، أما أصحاب النظرية الثانية من النظريات التيوقراطية فأنهم ينظرون إلى الحاكم بأنه وإن كان من البشر وليس له طبيعة إلهية إلاّ أنه يتم إصطفائه من الله الذي يمنحه السلطة ويختصه بممارستها دون تدخل البشر لذا فقد وجبت طاعتهم وامتثال أوامرهم لأن معصية الحكام تعتبر معصية لله وهذا ما اعتنقته الكنيسة المسيحية ونادى القديسون بأن الإرادة الإلهية هي مصدر كل سلطة على الأرض ، وأخيرا أصحاب النظرية الثالثة من النظريات التيوقراطية وهي نظرية الحق الإلهي غير المباشر التي يرى أتباعها أن اختيار الحكام يتم بواسطة الشعب ولكن بإرشاد وتوجيه من الإرادة الإلهية عليه فأن اختيار الشعب للحاكم بمقتضى الحق الإلهي غير المباشر لا يعني أنه سيكون حاكماً صالحاً بالضرورة فقد يدفعه الإعتقاد بتدخل الإرادة الإلهية إلى الطغيان والإستبداد !!!؟؟؟
والآن سنتناول النظريات الديمقراطية لمعرفة أين يقف العراق منها وأولى نظرياتها نظرية سيادة الأمة التي تبناها جان جاك روسو الذي يرى أن السيادة عبارة عن ممارسة للإرادة العامة وهي ملك للأمة جمعاء وليست ملكاً للحاكم لذا فسيادة الأمة وحدة واحدة غير قابلة للتجزئة ولا يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها والأمة وحدها هي المالكة لها وجدير بالذكر أن الثورة الفرنسية إعتنقت هذه النظرية وحولتها إلى مبدأ دستوري كما هو الحال في دستور السنة الثالثة للجمهورية الفرنسية عام 1795م وقد ترتبت عدة نتائج على وحدة السيادة وعدم قابليتها للتجزئة أو التنازل عنها لأنها مُلك الأمة ومن هذه النتائج وجوب اختيار من سيمارسون السلطة حيث يقتصر دور أفراد الشعب على انتخاب ممثليهم في المجلس النيابي ، ممارسة الأفراد لعملية الإنتخاب تعتبر وظيفة وليست حقاً لهم ، يعتبر النائب في المجلس النيابي ممثلاً للأمة وليس نائب عن كتلته أو حزبه الإنتخابي .
أما النظرية الثانية من نظريات الديمقراطية فهي نظرية سيادة الشعب التي تتمحور على تجزئة السيادة على أفراد الشعب السياسي في الدولة أي جمهور الناخبين بالتساوي بينهم وقد ترتب على هذا الأمر نتائج تتعارض مع نظرية سيادة الأمة ومن نتائج سيادة الشعب أن الإنتخابات تعتبر حقاً لكل فرد من أفراد الشعب باعتباره يملك جزءاً من السيادة ، لا يمثل النائب مجموع الأمة في المجلس النيابي بل وكيلاً عن الناخبين في دائرته الإنتخابية وكالة إلزامية بتنفيذ تعليمات هؤلاء الناخبين وإلا تم عزله من قبلهم ، يعتبر القانون تعبيراً عن إرادة الأغلبية الحاضرة الممثلة في المجلس النيابي وعلى الأقلية أن تذعن لهذه الإرادة وتحترمها ، يباشر أفراد الشعب السلطة بأنفسهم بطريقة مباشرة .
أما أصحاب الفكر الإسلامي فإنهم يرون أن الإسلام دين ودولة ، شريعة وعقيدة ، عبادة وسياسية فالقرآن الكريم هو دستور الدولة الإسلامية ، والسُنّة النبوية المطهرة بكل أقسامها (أقوال ، أفعال ، صفات ، إقرار ) قانونها الواجب التطبيق ، ولقد قام نظام الخلافة في الإسلام على أنه رئاسة ٌ عامة في أمور الدين وشؤون الدنيا نيابة ً عن النبي عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم حيث يتولى الخليفة حراسة الدين وسياسة الدنيا ، لهذا كان لابد من توافر شروط فيمن يبايع بالخلافة ( العدالة ، العلم ، سلامة الحواس ، سلامة الأعضاء ، الرأي ، الشجاعة ، النسب وهو أن يكون قرشياً ) أما آلية اختيار الخليفة فتتم بواسطة أهل الحل والعقد الذين يجب أن تتوافر فيهم شروط محددة تتمثل في العدالة ، العلم الذي يُمّكن من معرفة مَن يستحق الإمامة بالنظر إلى توافر شروطها ، الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو الأصلح للإمامة ومن هو الأجدر والأقوم والأعرف بتدبير المصالح .
يقع على عاتق الخليفة واجبات عدة تبدأ بحفظ الدين وإقامة الحدود وحراسة المِلّة وتمّر بحماية البيضة وتحصين الثغور والجهاد في سبيل الله ، وتنتهي بمباشرة الأمور وتصفح الأحوال وسياسة الأمة .
بعد سردنا للنزر اليسير بقي لنا أن نعرف أين يقف نظام الحكم في العراق في ظل الكثير من مواطن الخلل التي تعصف بالعملية السياسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن 17 نائب فقط في البرلمان الحالي الذي يتجاوز عدد أعضائه على 300 نائب حصلوا على الأصوات التي تؤهلهم للإرتقاء الى قُبة البرلمان أما الوزراء فقد تم حسم الأمر وفقاً للمحاصصة الحزبية  إضافة إلى تطبيق نظام مركزي وإتحادي في آن واحد ناهيك عن غياب رئيس الجمهورية لمدة توشك أن تتجاوز العام ، فضلاً عن تلاشي مبدأ الفصل بين السلطات التي تنبّه إليها مونتسكيو الذي أوضح أنه في كل دولة ثلاثة أنواع من السلطة ، السلطة التشريعية ، والسلطة المنفذة للأمور التي توقف عليها حقوق الإنسان والسلطة المنفذة للقانون المدني وينطلق مونتسكيو من هذا التقسيم الثلاثي إلى القول بأنه إذا اجتمعت السلطة التشريعية مع التنفيذية في يد شخص واحد أو تركزت في هيئة واحدة فستنتهي الحرية وذلك لأن ذات الحاكم أو نفس المجلس سيقوم بسّن قوانين إستبدادية وتنفيذها بطريقة إستبدادية وعلل مونتسكيو الأمر بقوله : ( إن الحرية السياسية لا يمكن  أن تتواجد إلا في ظل الحكومات المعتدلة ) وقد أثبتت التجارب أن كل إنسان يتمتع بسلطة لا بُد وأن يُسيئ استعمالها فالإستبداد قرين الإستئثار بالسلطة إلى أن يجد الحدود التي توقفه ، ولا بد من تعزيز مبدأ فصل السلطات التشريعية ، التنفيذية ، القضائية وإن تطلب الأمر قيام كل سلطة بمراقبة السلطات الأخرى لوقفها عند الحدود المقررة لها إذا اقتضى الأمر ولهذا أعلنت الثورة الفرنسية في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1897م أن كل جماعة سياسية لا تضمن حقوق الأفراد ، ولا تفصل بين السلطات لا دستور لها .
اللهم كُن للعراق ولا تكُن عليه
اللهم أمكر للعراق ولا تمكر به
اللهم إكشف هذه الغمة عن هذه الأمة