أبو أمل هذا شخص بسيط حالته المادية صعبة. له عائلة مؤلفة من بنات وأولاد في مراحل عمرية صغيرة. أبو أمل يعمل في محل بقالة في حيينا وهو يبدأ العمل من ساعات الصباح الباكرة وحتى ظلام الليل. يتقاضى أبو أمل عشرة الآف دينار فقط لا غير عن عمله المتعب هذا.
عدة مرات تحدثت إلى صاحب المحل لزيادة راتبه شيئاً ما ليكون له عوناً في إعالة أطفاله وسد احتياجاتهم وخاصة البنات منهم. إلا أن صاحب المحل يرفض الطلب على الدوام. الأمر الذي دفع بأبناء الحي للقيام بمساعدته بين الحين والآخر وأن كان نزراً يسيراً.
وأنا اتطلع إلى إحدى الكروبات الخاصة ببيع السيارات شاهدت سيارة من نوع (تاهو) حديثة موديل ٢٠٢٠. السعر المطلوب للسيارة هو ٦٠٠ ورقة أي ٦٠ الف دولار أي ٨٨.٢٠٠.٠٠٠ ثمانية وثمانون مليون ومائتا الف دينار فقط لا غير. المبلغ كبير بطبيعة الحال وليس من حق من مثلنا حتى النظر إلى الصورة.
المدهش في الأمر هو أن أشاهد أبو أمل يكتب تعليقاً على الصورة يقول فيه:
– أخويا هذا آخر سعر لو بي مجال؟
وفي سؤال آخر يطرحه أبو أمل يقول فيه:
– مكان السيارة وين؟
السيارة التي لا يتمكن أحد من الإقتراب منها خوفاً من لهيب سعرها، أبو أمل يعامل عليها لشرائها!
وماذا لو كان في السعر مجال آخر؟ يعني إذا قام صاحب السيارة بإكرامه فكم سيخفض من السعر؟ ألف دولار ام الفين؟ حتى إذا اخفض السعر خمسة الاف دولار فأن السعر سيكون ٥٥٠ ورقة أي ٥٠ الف دولار وهذا كثير أيضاً.
وإن كان الأمر لا يعنيني لكنه بقي عالقاً في مخيلتي طوال الوقت. حتى تحججت في شراء شيء ما لكي أتردد على محل البقال هذا وأسال ابو أمل عن الأمر.
كان منشغلاً كدأبه في أمور المحل. دنوت منه وسألته عن حاله وأحواله وثم دخلت الموضوع:
– أبو امل عيني اشسويت على هاي السيارة الـ(تاهو) اتعاملت ويا لا؟ خفضلك السعر لا؟
– عمي آخر شيء طلب ٥٨ ألف دولار؟
– زين أنت اشكد انطيت؟ انت سعرك شنو؟
بابتسامة ملئها الاشمئزاز والسخرية أجابني:
– عمي يا سعر أنت صدكت؟ هو أني لاكي خبزة أكلها حتى أشتري سيارة بهذا السعر؟
ليس من المعقول أن يكون أبو أمل يناقش صاحب السيارة ويسأل عن مكانها من باب المزحة. سألته:
– طيب أبو أمل لعد اشلون اتناقش صاحبها إذا أنت مو جاد بالموضوع وما عندك فلوس؟!
أجاب ابو أمل:
– عمي الدنيا حرمتنا من كل شيء.. وأنت اتريد تحرمنا من الحلم والأمل؟ خلينا نحلم عمي ونخلق الأجواء اللي ما عشناها بالحقيقة ونعيشها في مخيلتنا. لعد أني ليش سميت بنتي أمل؟ غير حتى أنشر ثقافة العيش على الأمل؟!.
– زين شتحصل من العيش على الآمال اللي ما تتحقق؟
– عمي العزيز. انتو كلكم تحلمون بس ما تعرفون بنفسكم.. سنين كنا نحلم بانتها الحرب العراقية الايرانية وبعدها حلمنا بإنتها حرب الخليج وبعدين حلمنا بفتح الحصار وبعدين حلمنا بإسقاط النظام والرفاهية والعيش السعيد وبعدين حلمنا بالكهرباء والماء والبنزين والنفط وحلمنا بعراق متطور محصن خال من الارهاب ومدارس وكليات لأبنائنا. حلمنا وحلمنا وحلمنا واشحصلنا؟ اشو لا بنزين لا كهرباء ولا امان ولا تعينات ولا عيشة مرفهة ولا أي شيء ونركض والعشا خباز؟! وصار ٥٠ سنة نحلم وماكو قبض.. عمي احنا في هذا البلد نعيش عالاحلام وعلى الامال اللي ما تتحقق.
الحقيقة لم يكن لي إلاّ أن أترك أبو أمل هذا وأنصرف عنه دون كلام بعد أن اكتشفت أننا جميعاً أناس حالمون أكثر من أبو أمل ونعيش الأحلام لكن دون أن ندري بحالنا. وفعلا الاحلام اخترعت لامثالنا.
أحلاماً سعيدة لنا جميعاً.