27 ديسمبر، 2024 7:37 ص

من يكافح الأرضة ؟!

من يكافح الأرضة ؟!

في يوم من أيام تسعينات القرن العشرين، وسنوات الحصار العجاف؛ يوم كانت الأرضة البعثية تصول وتجول في أرض الوطن؛ صادفني رجُلاً متجعد الوجه عليه إثار العناء والشقاء؛ يتلفت يميناً وشمالاً، فدنوتُ منه لعلي أُسدي له خدمةً ما، فاديت له تحية الإسلام اللطيفة، وسألتهُ عن مكان قدومهِ، وما يدور في رأسهِ الغير مُستقر من كُثرة الألتفات، فأخبرني بأنه فلاحاً قادماً من الجنوب بيئة الأجداد والأباء؛ لزيارة أحد أقاربهِ وغير متأكد من صحةِ عنوانهم، أما أسماءهم فتشابكت على جمجمتهِ ولايذكر سوى أسم رب العائلة( سويجت)، وفي نفس الوقت؛ يبحث عن مبيدات كيمياوية لإنقاذ أرضهِ من الأرضة التي جعلتها جرداء قاحلة؛ لما سببتهُ من موت الأشجار وتلف الزرع، وبدأ يسرد قصته المأساوية مع هذه الآفة الضارة، وبحثهِ عن مبيدات أكثر فاعليةً، كون أصحاب أسواق المواد الكيمياوية في قريته أرشدوه الى صنفٍ فعال يوجد في بغداد؛ فرافقتهُ الرحلة الشاقة بالبحث عن رحِمه أولاً، ولم يوجد في جيبه سوى بضعة دنانير، وورقة مكتوبٌ بها أسم المبيد الكيمياوي، اما عنوان أقاربه؛ كان وصفاً من عائلته؛ وبدأ البحث جرياً على الأقدام بين الأزقة والشوارع؛ الأمر الذي أربكني هو أسم رب الأسرة التي يبحث عنها؛ والذي حيرَ الأشخاص الذين سألناهم لعلهم يرشدونا الى ما نقصِده؛ فشعرت أن جهودي ذهبت أدراج الرياح وكبلني اليأس؛ أما الفلاح المسكين، فطاولهُ الشأم والضرر حتى وجدنا أقاربه بالدعاء والتوسل الى الله جل في علاه؛ كانت المفاجئة إن أحد أقاربه الذين أرهقوني في البحث عنهم؛ كان من أصدقاء الدراسة آنذاك يدعى( محمد ساجت) وعند رؤية الصديق للفلاح أقبلَ على عناقه وتقبيل يديه؛ فأندهش الرجُل لعدمِ معرفةِ من عانقه! وكيف تعرفَ عليه! وعند التحري عن صلة القرابة، أخبرني (محمد) أن هذا الفلاح هو أبن عم أبيه، ولم يزرهم سوى مرة واحد منذ زمنٍ بعيد يوم كان الصديق صغيراً، فتنفستُ الصعداء آنذاك، وتركتُ عملية البحث الثانية عن المبيد الكيماوي لأقاربه الفرِحين بزيارة قريبهم الفلاح( المتيه صول اجعابة) فأدخلَ قلوبهم البهجة والسرور.
بعد مرور ثلاث سنوات، قطعت شوطاً من الدراسة مع صديقي(محمد) فتذكرتُ قريبه الفلاح؛ فسألته عن أحواله، هل وجدَ المبيد الذي بحث عنه؟ وهل عالج أرضهُ المريضة؟ فأجابني بحزن وأسى بأن أرضه لا زالت تعاني؛ فتجفيف الأهوار وشحة المياه، كما أن النملُ الأبيض(الأرضة) أخذ يتكاثر ورجعَ الفلاح في النهاية صفراً الى الشمال.
بعد زوال أرضة الأهوار والأشجار والإنسان عام 2003، زرتُ بيت(سويجت) لأتفقد أحوال صديقي، وتفاجئت برؤية الفلاح في منزلِهم، ورحبَ بي، وتذكرني في عملية بحثه الشاقة، وسألته عن أحواله وماذا حل به مع عدوه اللذوذ( الأرضة) وهل قضيً عليها؟ فأجابني بأبتهاج قائلاً: ” لقد دمَرتني الأرضة ولم تقتل الأشجار وتأكل الأخشاب فقط، بل قتلتنا من الجوع ايضاً! ولمجردِ ما زالَ مُجفف الأهوار، فرِحت الأرض وأصرت على مقاومة الأرضة والتخلص من أسرِها، وهذا أهم شي عندي”
إنساقَ ذهني الى رؤية الشارع العراقي اليوم، وهو يعاني كثرة الأَرَض الضارة، كأرضة الأرهاب، وأرضة الفساد الإداري، وبعض القيادات السياسية، والتي تنهش بأرض الوطن كيفما تشاء؛ ولمكافحة هذه الآفات يتطلب مبيد أنتخابي يرشهُ أبناء الوطن باللون البنفسجي..!