لا أدري لماذا كلما قرأت وإستمعت لطروحات المفكرين والفلاسفة العرب , تحضر هذه المقاربة التي خلاصتها , أنهم يبحثون عن أسباب سقوط الجدار , ولا يجتهدون في بنائه!!
فما يذهبون إليه يغوص في الأسباب تلو الأسباب , وعلى مدى أكثر من قرن ونصف , ما تمكنوا من الخروج من دائرة الأسباب المفرغة.
وتراكمت الأسباب وتنامت وتزايدت وتحولت إلى تلال وجبال , وخنادق ومستنقعات تتساقط فيها الأجيال تلو الأجيال.
ولو قارنا ما طرحه النهضويون الأوائل مع ما نتداوله في عصرنا الحالي , لما وجدنا تباينا كبيرا في المنهج والتفكير , والتأشير للأسباب , التي يلخصونها بالدين والتأريخ وبعضهم صار يضيف إليها اللغة.
وكأن العرب لوحدهم أصحاب دين وتأريخ ولغة!!
ومنذ ذلك الحين والمصطلحات السلبية تسوَّق , ويتم تداولها لدفع الأمة إلى التوهم بعجزها , وبأنها تابعة لغيرها وعالة على الأمم الأخرى.
وبرز في الأمة العديد من الذين ينادون بأنها خامدة ومنحطة ومحنطة , وعليها أن تستسلم وتستلطف الخنوع والذل والهوان.
وما قدّم مفكروها وفلاسفتها خارطة طريق عملية لخروجها من وهدة التمحن بالعدم , وكأنهم يشاركون القوى الطامعة فيها بتأمين مآربهم التي يخططون لها بعناية ودراية.
وخلاصة ما يذهبون إليه تثمين السلبي وتعزيزه , والتنفير من الإيجابي وتصغيره , مما جعل الأجيال تغطس في أوهام الدونية والتبعية , وتفقد الثقة بذاتها وبموضوعها , فأصبحت الأمة مفتتة منكودة ومنكوبة , بعقول معطلة وإرادات مصادرة , وقدرات مبددة , وثروات مبذرة ومنهوبة , والفقر عميم , والقهر مقيم , والظالمون مقدسون , وبإسم ربهم يتاجرون , ويستحوذون على حقوق البلاد والعباد , وأسيادهم معهم ما داموا يذلون الناس , ويكسرون شوكة وجودهم , وينغصون عليهم حياتهم.
فهل أفلح المارقون الذين على أوطانهم يعتدون؟!!
فلا تقل لماذا سقط الجدار , وقل كيف نبني الجدار!!