اختار حميد قاسم عنوانا غامضا لروايته (ظهر السمكة) خاصة وانه لم يضع معه عنوانا ثانويا يقربنا من المعنى، اختيار الغموض هنا كان عمديا بعكس الاهداء الذي جاء صريحا ومباشرا (الى أمهات ضحايا الحروب الذين وضعوا السلاح في أيديهم ولم يكونوا أعداء بعضهم البعض يوما ما).
جاءت الرواية على شكل مذكرات لجندي فقد حياته في حرب (قادسية صدام) المشؤومة، بتفاصيل مثيرة ومؤلمة تقترب أحيانا من الفنتازيا او السوريالية، لكن حميد استغل بذكاء هذه المذكرات ليقول أشياء كثيرة ويناقش تفاصيل دقيقة تناوبت بين فكرة الخليقة والخطيئة الأولى لتهبط الى ذبابة الحدود وتمر بالأسئلة الكبرى المتعلقة بالحياة والسر الكبير وراء كل هذا العبث اللزج بالوجود.
في ذات السياق اختار حميد عناوين رئيسية لكل مقطع وهذا يسهل كثيرا على الراوي سيطرته على الحبكة والسرد لكنه لا يخدم القارئ كثيرا، فالقارئ يقرأ الرواية ككل وليس مقاطع بعناوين مختلفة، وهنا لابد ان نبين ان المقطع (خطيئة قديمة) كانت منتهى الروعة في السرد والمخيلة والابداع، في حين جاء المقطع (ذبابة الحدود) فائضا عن الحاجة ولا لزوم لها، ولو تم حذفه كليا لما أحدث تغييرا في الرواية. كذلك الحال مع المقدمة الأولى الخاصة بوالد حميد الذي (اغوى زوجة تاجر السمك التي كانت تشاركه المكان وكيف أمضى لياليه الثلاث وهما يغوصان وسط السمك، يغطسان في اللذة مفعمين بالزفر والملح الخشن والذروات العليا ص 9) ليكملها بمشهد سوريالي آخر لعمته حين (اسندت راس ابنها علي الى صدرها، مدت اصبعيها الوسطى والسبابة الى فمه لتفتح شفتيه قليلا، ثم أسندت رأسه أكثر وهي ترفع ساقها اليمنى.. انحنت قليلا على وليدها القتيل ودست حلمة ثديها بين شفتيه المنفرجتين لترضعه ص 13). نحن اذن امام عائلة من نوع خاص، فهم لا يشبهون الاخرين كثيرا ولهم طقوسهم في الحب والموت والحياة.
لم يتضح العنوان الا في متن الرواية وتحديدا في الصفحة (55) لنعرف بأن ظهر السمكة هي تلة كانت تقع في الأرض الحرام بين الإيرانيين والعراقيين وهي (تشبه سمكة تطوف في بحيرة عظمى لا يظهر منها سوى نصفها الأعلى برأسها وذيلها الزعنفي وظهرها الطويل ص 91).
ظهر السمكة هذا موقع غريب شهد قصة غرائبية للغاية، عندما صعد اليها (28) عسكريا من العراقيين والإيرانيين بعد ان انقطعت بهم السبل بفعل الطوفان الذي كان يشبه طوفان نوح لكن بدون السفينة والجودي هذه المرة.
في هذا الاجتماع الغريب والغرائبي، سقطت كل حجج الحرب، فلماذا وضعوا السلاح في أيدينا وطلبوا منا ان نقتل بعضنا؟ انه السؤال الازلي الذي يشعر به كل انسان سوي يجد نفسه في موقف ملتبس بين ان يكون قاتلا او قتيلا. من دون أن يلتفت أحد لمشاعر واحلام وآمال أولئك الشباب بعيدين عن امهاتهم وحبيباتهم او زوجاتهم وابنائهم وبناتهم… جميع العالقون في حرب القادسية كانوا يطرحون اسئلتهم الوجودية الكبرى التي تدور حول الـ ( لماذا؟)، من أجل من؟ ومن أجل ماذا؟ لماذا كل هذا الجنون وكل هذا العبث والموت والقتل والخراب؟ دون ان يحصلوا على إجابة لا من السماء ولا من (الوحش الدموي الذي اغتصب البلاد، والناس، وتفاصيل حياتنا المسالمة ص 47).