19 ديسمبر، 2024 1:10 ص

العرب من وجهة نظر يابانية

العرب من وجهة نظر يابانية

غالبا ما تكون تحليلات الأمريكان والأوربيين عن الأوضاع السياسية في المنطقة العربية، بعيدة عن الواقع الا في حالة توضيح موقف حكومانهم عن تلك الأوضاع على إعتبار انهم الأقرب من مصدر المعلومات ومراكز البحوث والدراسات في بلدانهم، وعلى قدر من التفهم لسياسات حكوماتهم تجاه العالم الخارجي. لكن تحليلاتهم الخاصة عما يحدث في الدول الأخرى والتي يستقوها غالبا من الزعماء السياسيين المحليين في البلدان الأخرى لا ترتقي الى مستويات مقنعة او منطقية، بل ربما رجل الشارع يقدم تحليلا أفضل منهم، وهذا ما نشهده في العراق، فغالبا ما تكون تحليلاتهم السياسية بعيدة عن الواقع العراقي، وكما يقال صاحب المشكلة ادرى من غيره بها. بل ان بعض تحليلاتهم تدعوا الى السخرية فهم في وادِ، والواقع في وادِ آخر.
ولأن لكل قاعدة شواذ ففي بعض الأحيان نجد من المحللين الأجانب من يقدم تحليلات سياسية ويشخص المشاكل بشكل واقعي ويتفوق على المحللين السياسيين المحليين، سيما من يختص في الشأن الذي يكتب به، وعنده معايشة مع البلد الذي يتحدث عنه، وله إلمام جيد بلغة البلد، ويتابع ما يحدث فيه بشكل متواصل، لأن الإنقطاع حتى الجزئي يمكن ان يفوت على المحلل أمورا مهمة، تجعل كتاباته تعاني من هوة في نقص المعلومات، او الترتيب الزماني والمكاني للحوادث، فتقل قيمة البحث ولا تُعدم منه بالطبع الفائدة.
في حين بعض المحللين السياسيين يتعامل مع أية مشكلة سياسية او اقتصادية او اجتماعية تخص مجتمعات أخرى بالطريقة المختبرية، وهي أفضل طريقة لتقصي الحقائق بشفافية، وتقديم تحليلات صائبة، فيضع المشكلة تحت المجهر ويدرسها بإمعان من كل النواجي، ويراقب مواصفاتها وتحركاتها وتفاعلاتها، والمؤثرات الخارجية عليها. وقد لفت انتباهنا التحليل المهم الذي قام به البروفيسور الياباني (نوبواكي نوتوهارا) وهو أحد أساتذة جامعة طوكيو، وكان متخصصا واستاذا في الأدب العربي، وترجم عدد من الكتب العربية الى اللغة اليابانية، وقضى شطرا طويلا من حياته متنقلا بين الدول العربية وما يقارب الأربعين سنة، وزار الشقيقة مصرعدة مرات في سنوات متفرقة، فرصد التغيرات التي حدثت في مصر من جميع النواحي السياسية والاجتماعية، وكان يدون ملاحظاته بدقة وحيادية، ويتابع كتابات كبار الكتاب العرب سيما إبراهيم الكوني، علاوة على غسان كنفاني، يوسف أدريس، محمد شكري ونجيب محفوظ وآخرين.
لخص افكاره عن العرب في كتاب مهم نشره عام 2003 بعنوان (العرب من وجهة نظر يابانية)، ويعتبر الكتاب من أهم ما كتب عن العرب من خصائص اجتماعية، ولعل ابرز ما فيها:
يتميز العرب بتدينهم الشديد من جهة، وفسادهم الشديد من جهة أخرى.
عدم تعامل الحكومات بشفافية وجدية مع شعوبها، بل هي تسخر منهم وتضحك عليهم.
على عكس مجتمعنا الياباني الذي تستجد فيه حقائق جديدة يستفاد منهم لخدمة الشعب وتطوير حياتهم وتحقيق رفاهيتهم، تجد العرب يهتمون بإستعادة حوادث ماضيهم وتأريخهم القديم. بمعنى اننا ننظر الى الأمام وهم ينظرون الى الخلف.
يؤمن العرب بأن مكانة الدين في الصدارة، ويقدم لهم كل ما يحتاجوه من العلوم والمعارف، ويكتفوا بهذا القدر من العلم، دون مواكبة بقية العلوم في مختلف المجالات. مع ان الدين لم يساعدهم في التخلص من حالات الفساد والفشل والتخلف الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
من الصعف التعرف على سلوك العربي دون الدوران في فلكي الحلال والحرام، فهذا الأمر مهم عنده، ولو من الناحية الشكلية فقط.
من المظاهر الغريبة عند العرب، وكيابانيين لا يمكننا ان نتفهمها أو نستوعبها هي طريقة العرب في الثناء والمديح غير المبرر لحكامهم، وبطريقة مبالغ فيها. فيصوروه بأوضاع مختلفة كأنه ممثل أو مغني في فيلم سينمائي او مهرجان فني، وليس زعيما سياسيا جاء لخدمتهم، وليس هم من يخدموه.
من المظاهر الغريبة للعرب النظرة العدوانية للآخر من ابناء وطنهم بسبب الاختلاف الديني والمذهبي والعنصري والعشائري والاقليمي، مما يخلق حالة من التذمر والفوضى في المجتمع بسبب إنعدام الثقة فيما بينهم.
اول ما يلفت نظرك في خصائص المجتمعات العربية هو إنعدام العدالة الإجتماعية، ومبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وهذا من أهم أسباب تخلفهم عن بقية الأمم.
إزدواجية الشخصية العربية، فهو في داخل البيت الآمر والناهي، وكلامه مسموع من قبل الجميع ولا أحد يعارضه، والا اعتبره نقيصة، في حين في العمل والشارع يختلف تماما سلوكه عن البيت، فهو انسان عادي ويتصرف بشكل طبيعي مع الآخرين.
من مميزات الدول العربية كثرة الإنقلابات العسكرية، وحكم العسكر، وهؤلاء العسكر يفتقرون الى المعرفة والمهنية في إدارة مؤسسات الدولة المدنية. وغالبا ما يحشروا شعوبهم في حروب عبثية لا معنى ولا جدوى منها.
انعدام الكفائات واحيانا محاربتها، وعدم تشجيع المواهب وتبنيها ورعايتها وتوفير مستلزمات النهوض بهم.
غالبا ما تتنكر الحكومات والشعوب العربية للمناضلين من أجل حريتهم، فيتناسوهم وويهملونهم بطريقة جافية، بل منهم من يُسجن او ينفى او يهرب من بلده بعد كل التضحيات التي قدمها لوطنة.
لا يجود شعور عند العرب بأن ممتلكات الدولة هي في الحقيقة ممتلكاتهم، ففي الإضطرابات والثورات يدمروا ممتلكات الدولة أو يسرقوها بلا وازع ضمير، ولا شعور بالمسؤولية الوطنية.
يعاني قطاع التربية والتعليم من مشاكل جمة منها طبيعة المناهج الدراسية المتخلفة، والفشل التعليمي وإيصال المعلومة، وتحديث المناهد، واستخدام حالات الضرب والقمع ضد الطلاب، علاوة على تخلف مستلزمات التعليم التقنية.
لا تزال القيم والأعراف التقليدية هي الصفة الغالبة في المجتمعات العربية، مثلا مفاهيم الشرف والغيرة والعار والكرامة والثأر تأخذ حبزا كبيرا من حياتهم الاجتماعية.
رغم تذمر المجتمعات العربية من العنصرية وقد عانوا منها كثيرا، لكنهم يمارسونها بشكل واسع داخل مجتمعاتهم وفيما بينهم.
اليس من الغريب بعد كل هذا يتشدق العرب بالقيم الديمقراطية وهم الأبعد عنها واقعا؟
ما رأيكم في تحليله لواقعنا المأساوي، وهل كان محقا في تقييمه لنا؟ أظن بلا مواربة كان على صواب في جميع ملاحظاته.

العراق المحتل

أحدث المقالات

أحدث المقالات