عندما كنت أدرس في الجامعة المستنصرية للحصول على شهادة الماجستير,عام 1997, التحق معنا عدد من الطلبة العرب, من اليمن والأردن والصومال, تم قبولهم مجاناً, وبتزكية من (القيادة القومية), واستثناءاً من كثير من الشروط التي تطلبها الجامعات العراقية من الطلبة العراقيين المتقدّمين للدراسة فيها, ومنها اجتياز امتحان الكفاءة باللغة الانكليزية, وقد عانيت شخصياً من هذا الامتحان, فأسئلته ليست نمطية, ولا محددة بمنهج معين, إضافة إلى إنه كان لديَّ بعض الضعف باللغة الانكليزية, كما إني لا أطيقها, ولأجل ذلك تطلب مني الأمر؛عدّة محاولات, حتى تمكنت من عبوره, لأُفاجأ بأن زملاءنا من الطلبة العرب, قد تم اعفاؤهم من هذا الامتحان!!.
وممّا لاحظته؛ إن كثيراً من أولئك الطلبة العرب, كانوا بمستويات دراسية متدنيّة, وبعضهم الآخر ليسوا جديّين, وكأنهم جاءوا للنزهة وقتل الوقت, للحصول على لقب علمي لا يستحقونه من جامعات عراقية مرموقة. فأحد هؤلاء, على سبيل المثال, وهو من أقرباء عضو القيادة القومية؛ قاسم سلام, كان مستواه العلمي ضحلاً, ولا يتوائم مع مستوى طالب دراسات أولية, وليست عليا, ولا يشارك في النقاشات الدراسية, إلاّ نادراً. ولكن الغريب إن هذا الطالب كان أول من أكمل كتابة رسالته العلمية وقدّمها للمناقشة, وأمام اللجنة, فشل في الدفاع عنها, ولم يتمكن من الإجابة على الكثير من الأسئلة, مما يدل على إنه لم يبذل جهداً في كتابتها, أو قد كتبها له آخرون بالأجرة.
ذكرتُ في مقالي السابق, إنه بعد احتلال العراق ,هرب أعضاء القيادة القومية جميعاً, عدا واحد منهم, مكث في منطقة البتاوين ببغداد متنكّراً ومتخفيّاً مع العمال السودانيين, وساعده على ذلك إن وجهه لم يكن معروفا في الإعلام, وحاول أن يبدأ اتصالات مع بعض زملائه من أعضاء القيادة العراقية المختفين قبل القاء القبض عليهم من قبل الغزاة, ولكنه لم يتمكن من فعل شيئ, فالأوضاع كانت صعبة للغاية, وحثالات إيران كانت تنظر لكل عربي في العراق, بأنه هدف لميليشياتهم الاجرامية. المهم؛ غادر العضو المذكور بغداد لواذاً, بعد أشهر قليلة من الاحتلال. وأغلب الظن إن السبب الأساسي لمكوثه فيها هذه المدة القصيرة, هو إنه تقطّعت به السبل!!. أما البقية, فقد هربوا فور وقوع الاحتلال, أو قبل ذلك, فالهزيمة عند هؤلاء (المناضلين), ليست فقط (ثلثا المرجلة),كما يقال, بل (المراجل كلّها)!!.
والآن لنأتي على مواقفهم بعد الاحتلال؛ فبعضهم صمت صمت القبور, ولسان حاله يقول: لا أرى..لا أسمع..لا أتكلم!!.والبعض الآخر, اكتفى بالجلوس متفرجاً على التل, ليصدر بيانات جوفاء, كل عدة سنوات من باب إسقاط الفرض ,مستخدما اللغة الخشبية القديمة نفسها, والتي غادرها الزمن وتجاوزتها الأحداث.
أما القسم الثالث, فكان أسوأهم على الإطلاق, وسأضرب مثلاً باثنين منهما, كانا يوصفان سابقاً, بأنهما من (القيادات التاريخية)!! في حزب البعث. ففي برنامج(أوراق نيسان), الذي عرضته قناة العربية سنة 2007, من أربعة أجزاء, كان أحد الضيوف هو البعثي (الديناصوري)؛ شبلي العيسمي, وفيه شنَّ حملة شعواء على (رفيقه) صدام حسين, ولمّا تمضي سوى فترة قصيرة على اغتياله, بتوافق واتفاق أمريكي-إيراني. واتهمه مع حافظ أسد, ب(تدمير الحزب)!!.
شبلي العيسمي الذي أخرجه حافظ أسد من سوريا؛ طريداً, شريداً, ذليلاً, فوفّر له صدام حسين المأوى والجاه والكرامة, وأحاطه برعايته الخاصة, على مدى 35 سنة, يساويه بحافظ أسد؛ النُصيري الذي استخدم حزب البعث كغطاء ومطيّة, لتحقيق أطماعه الشخصية في الحكم والتسلط, والولاء لإيران والصهيونية والغرب وخدمته لهم مقابل بقائه في الحكم هذه المدة الطويلة, ومقابل الجولان الذي سلّمه لـ(يهود) بدون قتال يوم كان وزيراً للدفاع في حزيران 1967. وفي النهاية لم ينقذه ذلك من غدر النُصيرية, ففي سنة 2011, كان في زيارة لبيروت فخطفته مخابرات (الأسد الإبن), ونقلته الى دمشق, ومات تحت التعذيب, بعد أن بلغ من العمر أرذله. وانطوت صفحته الطافحة بالانتهازية والنفاق, إلى غير رجعة, غير مأسوف عليه.
أما الآخر,فهو؛(عبد المجيد الرافعي)أمين سر قطر لبنان ونائب الأمين القومي, فيقول الكاتب مؤيد عبد القادر,في بصمة صوتية بتاريخ 5-2-2021: إن؛(قائدا حزبياً كبيرا, يمنعه الخجل من ذكر اسمه)!!, [من الواضح إن المقصود؛ هو الرافعي ], قد استولى على 40 عقاراً, تم شرائها بأموال عراقية في بيروت, ومن ضمنها عمارة من 13 طابق, ومعها عشرات الملايين من الدولارات, تم تحويلها من بغداد قبيل الغزو بفترة قصيرة, على أساس أن يتم صرفها على فروع الحزب في البلدان العربية, ولكنه, سرق (الجمل بما حمل), وباع تلك العقارات, وحوّل الأموال الى سويسرا, وسجلها باسم ابنتي شقيقه المتزوج من شقيقة زوجته أيضاً, وباسم إبن خالته رئيس الوزراء اللبناني وحليف حزب اللاّت؛[نجيب ميقاتي ؟], حيث انه لم ينجب أولاداً, وترك رفاقه يتضوّرون جوعاً !!.
علماً إن مجيد الرافعي غادر بغداد في شباط 2003, قبل أكثر من شهر على بدء العدوان, هو وزوجته متوجهاً الى باريس, بحجة العلاج, عندما أيقن ان الحرب قادمة, ولكنه خرج ولم يعد!!. فهل هذا(نضال),أم(احتيال) ؟!!!.
المصيبة؛ إنه لا زال لحد الآن بعض البعثيين في العراق, يحترم هؤلاء, ويعتبرهم؛(رموزاً),و(قيادات تاريخية)!!. ولو وُسّد الأمر لي, لشحنتهم, بحاوية نقل بضائع(اكسباير), ورميتهم في (جزيرة الأفاعي), الواقعة في المحيط الأطلسي, ليتابعوا من هناك؛(نضالهم حتى آخر قطرة من دمائهم)!!, قبل أن تفترسهم ثعابين الجزيرة الجائعة.
قد يكون هناك واحد أو اثنان من أعضاء؛(القيادة القومية), أفضل نسبياً من بقيتهم. فذلك استثناء, والاستثناء لا يُقاس عليه. والقاعدة هو ما ذكرته, معزّزاً بالوقائع والشواهد, ولم أتجنَ على أحد.