الإرادة لا تقنّن، وأي محاولة لحصر ارادة الجماهير في قوالب مستوردة لن تقود سوى إلى الفتة والفوضى، لا سيما في البلدان التي تعاني من هشاشة سياسية وامنية واجتماعية.
ومن هذا المنطلق ينبغي اجتراح العلاجات والحلول التي تقلص من الفجوة وتردمها وتعالج الخلل الحاصل في المنظومة السياسية، لا ان يحصل العكس، وهو ما حصل فعليا في العاشر من تشرين الأول من هذا العام وما قبل هذا التاريخ بشهور قليلة.
الذي جرى قبل الانتخابات هو إقرار قانون انتخابي مفصل وفق مقاسات كتلة معينة، وهذا القانون لا يتيح لتلك الكتلة الفوز؛ إنما يتيح لها “التزوير المريح”. ولعل مصطلح “التزوير المريح” هو الأقرب لوصف إنتخابات ٢٠٢١ المبكرة، وتعريف هذا النوع من التزوير هو: تلاعب بسيط في الأصوات يفضي لتغيير كبير في النتائج. ولو أخذنا نموذجا حيا لوجدنا انّ اكثر المرشحين الاحتياط ينتمون لكتل معينة، بينما لم يحل اي من مرشحي الكتلة الصدرية في الاحتياط!
وفي ذات المثال لو اجرينا عملية حسابية بسيطة، فأن تيارا ةالحكمة مثلا والذي حصل على ٣٢٠ (ثلاثمئة وعشرون) ألف صوتا او اكثر، قد حصل على أربعة مقاعد، بينما حصلت الكتلة الصدرية على ٧٤ (اربع وسبعون) مقعدا بمجمل أصوات لم يصل عتبة ٧٠٠ (سبعمئة) ألف صوت. المنطق يقول وفق هذه الأرقام أن الحكمة يجب أن تكون مقاعدهم ٣٦ (ستة وثلاثين) مقعدا، أو أن تكون مقاعد التيار الصدري ٨ (ثمانية) مقاعد!
من هذا المثال ندرك أنّ العملية عبارة عن خداع استراتيجي لا يعبّر عن ارادة الناس ويرتكز على قانون كتب تحت ضغط مؤامرة كبرى. إنَّ الغاية من تغليب طرف شيعي سطحي على جهات شيعية تاريخية ولها امتداد كبيرة، هي بساطة الطرف الغالب وسهولة الاطاحة به مستقبلا، ويبدو ان القرار يقضي بإنهاء التجربة الشيعية في العراق والى الأبد.
الطرف الغالب منتشي بفرحة الفوز، بيد أنه لا يدرك حجم الخسارة التي ستقضي عليه بعد سنتين من تشكيل الحكومة، إذا شكلت بالطريقة التي يريدها هذا الطرف.
الأطراف الاخرى، كالفتح الذي يمتلك جمهورا يفوق جمهور الصدر، لن يسكت على تمرير معادلة الفوز الفضائي او الإلكتروني. فهنا نتحدث عن طرف فائز فضائيا يعبر عن نواياه بإستهداف الحشد الممثل سياسيا بالفتح، وهذا على ما يبدو هو ثمن المقاعد التي حصل عليها الصدر، لكم سبعون ولنا رقبة الحشد!
حجر الفتنة الآخر في هذه المعادلة هي نسبة المشاركة، فاليوم يتحدث السيد الصدر عن تمثيله للشعب العراقي بنسبة مشاركة لم تصل ٢٠٪ بمعنى ان الكتلة الصدرية لا تمثل سوى اقل من ٤٪ من الوسط والجنوب وتريد ان تستأثر بتمثيل ٩٤٪ من هذه الجماهير.
معطيات جماهيرية وقانونية واضحة ولا لبس فيها قادرة على دحض نتائج هذه الإنتخابات، وطالما هي لا تمثل حقيقة الجمهور وتطلعاته فينبغي إلغاء نتائجها على أن يشرع قانونا جديدا يتضمن نسبة مشاركة معتد بها، فضلا عن إلغاء نظام الدوائر المتعددة الذي يغبن حق مئات الآلاف بالتمثيل.
أخيرا: اثبتت هذه الإنتخابات عدم استقلالية القرار العراقي وتعاون بعض اطرافه مع جهات دولية، والا بماذا نفسر احتفال بعضهم بمباركة ممثلة البعثة الأممية في العراق؟!