(( عندما كلف الله تعالى نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم برسالته السماوية الجامعة وجعلها هدى ونور واضحة فيها تبيان لكل شيء في حياة الإنسان ودستورا أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا جامعا لشروط العيش الرغيد للإنسان على الأرض حتى قيام الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها وخدمة للبشرية على مر العصور مما حملته هذه الرسالة السماوية من قيم التي تسمو بالإنسان نحو الرفعة والكمال في الخلق والأخلاق ضمن أطار ما أكدته مفاهيم هذه النظرية الإلهية من خلال الاتصاف بها وبما جاءت به فقد بدأ الله تعالى بتعليم الأخلاق والقيم السامية لأنبيائه ورسله حاملي رسالاته وآخرهم نبيه الكريم محمدا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الجامع للشرائع كلها ممن سبقه فقد كان ذو خُلق عظيم شهد له القاصي والداني والعدو والصديق كما جاء وصفه في القرآن الكريم ( وأنك لعلى خلق عظيم ) كان رسول الله الأعظم محمدا مثالا في الأخلاق الحميدة وتطبيقاتها التي أهلته لحمل الرسالة السماوية للإسلام والسلام فقد سار النبي على الخلق العظيم والتواضع لله تعالى أولا ولمجتمعه طيلة فترة حياته ومع أصحابه وحثهم على العمل بها وسار على ما كلفه به الدستور الإلهي الذي نزل عليه من قبل الحق تعالى متمثلا بالقرآن الكريم الذي أكد على الأخلاق والقيم والمبادئ العظيمة في التعامل بين الناس بعضهم مع بعض من خلال آيات بينات حملها القرآن بين دفتيه وسار على طريقته ونهجه المسلمين الأوائل المعروفة لديهم والأخرى التي أمرهم بها نبيهم ودينهم الجديد حيث أن القرآن الكريم فيه العديد من الآيات التي تحث المؤمن في المجتمعات العالمية على التحلي بالأخلاق والمبادئ والتعامل الخلوق الذي يرتب وينظم حياة الفرد يوميا في المجتمع والأسرة والمجتمعات المتعايشة معه لإيجاد مجتمع إنساني واحد مبني على العلاقات العامة الرصينة ومنها على سبيل الحصر وهي جزء من فيض منها أكدت على التكافل والتعاون الاجتماعي المادي وسد الفارق الطبقي بين الأغنياء والفقراء ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين ) وكذلك ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ومنها التأكيد على رفض الفساد وأشكاله في جميع مفاصل الحياة المجتمع ليكون نظيفا نقيا ( ولا تبخسوا الناس أشيائهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وكذلك رتب العلاقة الحميمة بين العائلة الواحدة وبين الأبناء والآباء في داخل الأسرة الواحدة ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك وإلي المصير ) وخصوصا ما يؤكده الله تعالى الحفاظ على العلاقة ما بين أعلى السلم الهرمي للعائلة وأفرادها وهما الوالدان من خلال احترامهما وتوطيد العلاقة القوية بعدد من التوجيهات الصارمة ونظم المواريث والعلاقات الزوجية لبناء أسرة وبيت ملائم للعيش بسعادة وهناء يصب في مصلحة المجتمع الواسع الفضاء ومن الشرائع والأوامر التي تساهم في تذليل العقبات بين المجتمعات المتنازعة وفضها بالتي هي أحسن وبطرق مدنية حديثة وفق معايير رسم ملامحها القرآن الكريم ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )وكذلك ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فأن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ….. ) و( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) ومن الآيات الكريمة التي نبذت الكذب والتعامل بالربا والسحت وقول الزور في المعاملات اليومية والحذر من العمل بها خشية تلوث المجتمع بها والانجرار إلى التعقيدات التي سيواجهها المجتمع في المستقبل وساهمت النظرية القرآنية الإسلامية في بناء الشخصية الفردية للإنسان من خلال التوصيات التي أوضحها الله تعالى للإنسان وهو العالم بالنفس البشرية وكينونتها ومصادر الضعف والقوة فيها كما جاء ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن لا لا يحب كل مختال فخور) و( عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ).
و( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ) و( والكاظمين الغيض والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )و( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا ) وغيرها من الآيات التي تضمنها دفتي كتاب الله المقدس ( القرآن ) التي توصي بالإنسان العمل بها وترجمتها إلى الواقع والعمل بها في مجتمعه.لكن المشكلة التي يعاني منها أصحاب الدعوة الإسلامية المحمدية التي حملت لوائها الأمة العربية لأكثر من أربعة عشر قرنا مضت وصاحبة النظرية الإلهية القرآنية ذات المفاهيم والقيم الأخلاقية العادلة التي سادت بها الأمم المعاصرة لها لم تُترجم على أرض الواقع بعد انتهاء عصر النبوة ولم تستطع تصديرها إلى العالم الخارجي والمجتمعات الغير عربية بل على العكس أضاعوا الكثير منها وبكوا على أطلالها لسنوات عدة ودرسوا ما فيها بعد تشويه مفاهيمها وأغراضها مع تغير نمط حياة المسلم وأفكاره وذاب في بودقة المفاهيم وتصرفات الجيل الجديد من العالم وحضارته الخادعة والمنحرفة في أكثرها وسيرت به نحو الهاوية وانعكست مسيرتها وغيرت اتجاهها حيث أصبح الغرب يصدر لنا أفكاره وقيمه وحضارته وكثير من سلوكه الأخلاقية المأخوذة أكثرها من تراثنا الديني والموروث العربي ويمرر ما يريد من الانحرافات الأخلاقية لغزو المجتمع العربي والإسلامي بآلياته الفكرية التي فرضها على المجتمعات الإسلامية والعربية فالمسلم لم يتغير نحو الأفضل بثقافته العربية الإسلامية ولا أستطاع أن يغير في المجتمع فلو أستطاع المسلمون إيصال تعاليم القرآن الكريم بالقراءة والتطبيق إلى العالم والغرب بالخصوص لكان الإسلام شئنا آخر ونالوا الاحترام لدينهم وعقيدتهم ونبيهم الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم لكن بقينا ندور في حلقة كنا وكانت أمتنا في الماضي الجميل ومفهوم كنا خير أمة أخرجت للناس أما الحاضر فقد ضاع كل شيء جميل فيه واندثرت أكثر مبادئها وقيمها بين طيات الكتب الفلسفية والمعرفية والموروث التاريخي فحسب ).