أول مرة طُرح مشروع الأغلبية السياسية كان قبيل أنتخابات ٢٠١٠ وطرحه رئیس الوزراء آنذاك نوري المالكي، كان المالكي يرى أنه لكي تنجح الحكومة لابد أن يكون لرئيس الحكومة سلطة على الوزراء، وأنَّ الوزير يجب أن ينفذ سياسة وخطة رئیس الحكومة وليس رغبات وتوجهات الكتلة السياسية التي تأتي به إلى الوزارة والتي قد تكون مغايرة ومختلفة عن سياسة رئيس الحكومة، وأن لرئيس الوزراء الحق بإقالة الوزير إذا ما ثبت فساده أو فشله دون الرجوع إلى كتلة الوزير وفق مبدأ «التوافقات السياسية».
طرّح المالكي لحكومة الأغلبية منطقي جداً، وهو المعمول به في كل الأنظمة البرلمانية في العالم، لكن هل المالكي يؤمن فعلاً بمشروع الأغلبية السياسية؟.
إذا كنت مؤمناً فعلاً بمشروع الأغلبية السياسية يجب أن تكون مؤمناً أيضاً بمشروع الاقلية المعارضة داخل البرلمان، بمعنى آخر، إذا فشلت بتكوين أغلبية سياسية لتشكيل الحكومة عليك اللجوء لتكون أقلية معارضة داخل البرلمان، وهذا ما لم يفعله المالكي بعدما فشل في الفوز في أنتخابات ٢٠١٠ بما يمكنه من تشكيل حكومة أغلبية، كان بإمكان المالكي لو كان فعلاً يؤمن بمشروع الأغلبية السياسية أن يلجأ إلى المعارضة بدلاً من ترأس حكومة تشارك فيها جميع الأحزاب التي نجحت في الوصول إلى البرلمان. الواضح أن المالكي لا يؤمن بمشروع الأغلبية السياسية وكان يستخدمه مجرد شعار لا أكثر.
لاحقاً صار الجميع يردد شعار «الأغلبية السياسية» ويذم «التوافقات السياسية/حكومة المحاصصة» ، قبيل أنتخابات ٢٠١٤ أعتبر زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم أن حكومة «الشراكة /التوافقات السياسية» هي السبب في فشل وفساد الحكومات السابقة وأن الوقت حان لتطبيق حكومة الأغلبية السياسية التي تتحمل فشلها جهة واحدة ويحسب نجاحها لجهة واحدة أيضاً بدلاً من رمي كل طرف فشل الحكومة على الطرف الآخر، لكن بعد الانتخابات لم يلجأ الحكيم إلى المعارضة وفق الشعار الذي رفعه قبل الأنتخابات وشارك حزبه في حكومة حيدر العبادي مثلما شاركت جميع الأحزاب في تلك الحكومة وفق مبدأ الشراكة والتوافقات السياسية.
تطرف الأمين العام لـــ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي قبيل أنتخابات ٢٠١٨ في ذم حكومة «الشراكة/التوافقات السياسية/المحاصصة» وأعتبر أن من يؤمن بحكومة المحاصصة مجرم وخائن وطني، وأن الوقت حان لحكومة الأغلبية السياسية التي يشكلها طرف ويعارضها آخر داخل البرلمان، وبعد فوز سائرون في أنتخابات ٢٠١٨ لم يلجأ قيس الخزعلي وتحالف الفتح إلى المعارضة وفق مفهوم «الأغلبية السياسية» الذي طرحوه بل هددوا أن أنفراد تحالف سائرون بتشكيل الحكومة قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية وهذا كان تهدید مُبطن باللجوء إلى السلاح والقوة في حال قيام التيار الصدري/ سائرون بإبعاد القوى والفصائل الحشدية[تحالف الفتح] من المشاركة في الحكومة، وقد صرح لاحقاً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أنه وافق على حكومة الشراكة التي جاءت بعادل عبد المهدي على مضض بعد أن هدده الأخرون بــ«حرق العراق» في حال عدم مشاركتهم بالحكومة [يقصد تحالف الفتح] ،وهكذا، فقد نقض قيس الخزعلي وتحالف الفتح كلامهم قبل الانتخابات وشاركوا بتشكيل حكومة محاصصة، وكذلك فعل مقتدى الصدر فلم يلجأ إلى المعارضة ويترك لتحالف الفتح تشكيل الحكومة.
تستمد القوى السياسية والأحزاب في العراق قوتها من المشاركة في الحكومة، فحصول الحزب على وزارة معينة يعني حصوله على نسبة من الأموال المخصصة لمشاريع تلك الوزارة عن طريق اللجان الإقتصادية التي يشكلها الحزب داخل الوزارة، ويعني سيطرته على الدرجات الوظيفية في تلك الوزارة لصالح أتباعه لخلق شبكة زبائنية موالية للحزب أو بيع كل درجة وظيفية مقابل آلاف الدولارات، وبهذا يستطيع الحزب من خلال الوزارة الحصول على الأموال التي تمكنه من تمويل أنشطته السياسية، لهذا لا ترغب كل الأحزاب باللجوء للمعارضة ومستعدة للمشاركة في حكومة المحاصصة التي يذمها الجميع ويتسابقون للمشاركة فيها لأن عدم مشاركتهم فيها يعني إنقطاع شريان الأموال عنهم.
منذر أشهر ومقتدى الصدر يردد شعار حكومة الأغلبية الوطنية التي يسعى لتشكيلها خصوصاً بعد فوز الكتلة الصدرية بـ٧٣ مقعد بفارق كبير عن أقرب منافسيه، لكن هل مقتدى الصدر جاد بشأن حكومة الأغلبية أم مجرد شعار يرفعه مثل سابقيه؟.
قبل كل شيء المشروع الذي يطرحه الصدر ليس ضد المحاصصة الطائفية والعرقية لأن بنية النظام السياسي في العراق قائمة على أساس الطائفية والعرقية وكل الأحزاب التي تقود العملية السياسية منذ ٢٠٠٣ إلى الآن هي أما أحزاب طائفية أو أحزب عرقية إذ لا معنى هنا لذم المحاصصة في ظل نظام قائم على أساس التقسيم الطائفي والعرقي للمجتمع، ولم تظهر لحد الآن أحزاب وطنية عابرة للمكوناتية تستطيع أن تطرح مشروع وطني عابر للمحاصصة، فمثلاً في الانتخابات الأخيرة لم تحصل الكتلة الصدرية على مقاعد خارج نفوذها في الوسط الشيعي ولم يحصل الحزب الديموقراطي على مقاعد خارج الوسط الكردي وكذلك تحالف تقدم لم يحصل على مقاعد خارج الوسط السني، إذن كيف يمكن أنهاء المحاصصة في ظل هكذا أنقسام طائفي وعرقي في بنية الأحزاب السياسية؟ . لذا الأصح تسمية مشروع الصدر بــ«المحاصصة الجزئية» وليس «الأغلبية الوطنية» كما يسميه هو، وفي هذا المشروع يشارك الطرف الفائز شيعياً [الکتلة الصدرية] مع الطرف الفائز كردياً [الحزب الديموقراطي] والطرف الفائز سنياً [تقدم] في تشكيل الحكومة وتذهب الأطراف الأخرى الشيعية والكردية والسنية [الإطار التنسيقي، الاتحاد الوطني، عزم] إلى المعارضة، لهذا فإن مشروع الصدر هو «المحاصصة جزئية» بدلاً من «المحاصصة الشاملة» التي كان يشارك فيها الجميع بتشكيل الحكومة. وبغض النظر عن التسمية [أغلبية وطنية أو محاصصة جزئية] هل الصدر مستعد وقادر على تطبيق مشروعه؟ .
تبدو الأمور مغرية جداً للتيار الصدري لتشكيل حكومة«محاصصة جزئية/أغلبية سياسية» فإستبعاد «قوى الإطار التنسيقي» والتي تضم القوى الشيعية [الفتح ودولة القانون] من المشاركة في الحكومة يعني أستحواذ التيار الصدري على جميع حصة الشيعية من الوزارات والتي يصل عددها إلى أكثر من ١٣ وزارة ومع أرتفاع أسعار النفط فإن السيطرة على تلك الوزارت يعني الحصول على مليارات الدولارات سنوياً وهذا ما لا يريد مقتدى الصدر تفويته فهو يعلم جيداً أن هذه الفرصة قد لا تتكرر له ثانية لكنه يبقى متخوفاً من لجوء قوى الإطار التنسيقي إلى السلاح في حال عدم إشركها بتشكيل الحكومة وهو غير مستعد واضعف من مواجهتهم في الوقت الحالي، أما قوى الإطار التنسيقي فهي تعلم جيداً أن أنفراد التيار الصدري بتشكيل الحكومة مع الأطراف الفائزة من الكرد[البارزاني] والسنة [الحلبوسي] سواء بتكليف رئيس وزراء «صدري قُح» أو التجديد للكاظمي يعني سيطرة الصدر على القوات المسلحة [الجيش، الشرطة،مكافحة الإرهاب، الشرطة الإتحادية، الرد السريع] وعندها يكون الصدر أقوى منهم ومستعدٌ لإنهاء وجودهم والفتك بهم، لهذا تقاتل قوى الإطار التنسيقي لضمان المشاركة في «حكومة محاصصة» لمنع الصدر من الانفراد بالسلطة. إذن رغبة الصدر بتنفيذ مشروعه تصطدم مع قوة سلاح الإطار التنسيقي فهل ينجح الصدر بتحقيق مشروعه وفرض إرادته أم يبقى شعار الأغلبية الذي يردده الجميع بتسميات مختلفة مجرد شعار يرفع دون تطبيق؟.