النقد إظهار المزايا والعيوب , والتصدي للموضوع بمنهجية وعلمية , تكشف عن مزاياه وما يتوطنه من مثالب وأخطاء , ويرجى تصحيحها أو تعديلها , ليبلغ النص تمامه الجمالي والتعبيري , فالنقد للتقويم لا للتعويم.
وما يجري في واقعنا الثقافي , الإنهيال العاطفي السلبي على النص المتناول تحت إدّعاء النقد , وهو نزوع إستبشاعي تشويهي للنص وعدواني غير مبرر , لا ينفع صاحب النص ولا القارئ , ولا الذي يدّعي بأنه ناقد.
النقد لا يعني المجاملة , والمحاباة , والتسويق الرخيص لنص لا قيمة له ولا معنى , لأسباب شخصية وأخرى خفية.
النقد نشاط ثقافي علمي فكري , يساهم في بناء النص وتحفيز صاحبه على رؤية وضوح الطريق , وإختيار ما يطلق منه أفضل ما فيه.
فالتحدث هنا ليس عن نقد بنّاء وهدّام , وإنما عن تفاعل إيجابي صالح ما بين الكاتب والناقد , لخدمة الثقافة والفكر بعيدا عن أي مؤثرات شخصية , المهم النص الذي يتعامل معه الناقد بنكران ذات وتجرد.
هذه التفاعلات المعرفية المهمة , تكاد تكون نادرة في واقعنا الثقافي , ونميل إلى المجاملات والمحاباة , والعجيب في أمرنا , أن من يكتب نصا يضفي عليه هالات القداسة , ويحسب من يقترب منه بغير ما يعجبه عدوان وتحامل , وكأن النص ” فركاس ما ينكاس”!!
فركاس: دملة أو فقاعة جلدية مؤلمة , ما ينكاس: لا يُجس أو يُلامس.
تلك عاهة وخيمة فاعلة في واقعنا الثقافي والفكري , تتسبب بالجمودية والإستنقاع , وتنامي آفات الخيبات والبلاء المقيم , فالتجدد يكون بالتفاعل المتنور والتفاضل النوعي ما بين العقول , وأي خلل في هذا التفاعل الإبداعي يصيب الإبداع بالركود , والتعفن وعدم القدرة على صناعة الحياة.
وهذا أحد أهم أسباب غياب التيار الثقافي الصالح لبناء الأمة , والتعبير عن ذاتها الحضارية في مجتمعاتنا.
والمطلوب ثقة عالية بالنفس , وإيمان بالقدرة على العطاء الأفضل , والتفاعل الأجمل مع العقول المبدعة في أرجائها , للوصول إلى تحقيق الغاية الكبرى , والأمل الأروع اللازم لمنطلق حضاري لائق بجوهر ما فينا من الطاقات والقدرات الأصيلة اللامعة.