22 نوفمبر، 2024 7:12 م
Search
Close this search box.

مواسم الهجوم على النبي ( محمد صلى الله عليه وسلم)

مواسم الهجوم على النبي ( محمد صلى الله عليه وسلم)

كعادتي لا أدع مجالاً لعيني تطالع الأخبار التي تتناول النبي الأكرم محمداً (صلى الله عليه وسلم ) بالسب سواء في وسائل الإعلام الغربية أو عن طريق أقباط المهجر ، لأن ذاكرتي تعي وتحفظ ما وجده النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم) من عنت الكافرين ، وما لقيه من أساليب حاولت دونما فائدة أن تقوض دين الله الحنيف أو تنال من كرامته. وإذا كان الغرب يجتهد قليلاً في صناعة أفلام ومقالات ودراسات تسعى سعي الحية في جحرها ، فإن المسلمين في شتى بقاع الأرض كل يوم وليلة يشاهدون فيلماً روائياً طويلاً يحكي عن حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) ، أو بعض التصريحات الفارغة التي تحكي عن الإسلام وعن رسوله الكريم.
هذا ما رصدته وأنا أطالع بيان الكنيسة الأرثوذكسية بشان الكاهن المشلوح زكريا بطرس والذي يفيد تبرأة الكنيسة وقياداتها المحترمة من تصريحات الكاهن المعزول منذ عقدين من الزمان ، وهي التصريحات التي حملت إساءة واستهزاء بالنبي الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ، وجاء البيان حفاظا على وحدة الأمة ونسيجها القوي في الوقت الذي تنبري فيه وحدات موجهة ليس فقط للنيل من الإسلام بل من مصر وقوتها وشعبها المتماسك.
وأول هذه المشاهد هو تعرض النبي (صلى الله عليه وسلم ) للسخرية والاستهزاء ، والغرض منهما توهين قوى المسلمين المعنوية ، وخذل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أصحابه ، وليستحضرني حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين سأله سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا رسول الله ، أي الناس أشد بلاء ؟ قال : ” الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه ، وإن كان في في دينه رقة ابتلي حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة ” .
والجانب المعنوي في هذا الأمر هو أشد وأعنف من جانبه المادي ؛ وما بالكم بهؤلاء السفهاء الذين تضاحكوا وسخروا وطعنوا في أكرم مخلوق على الأرض ، وما أقوى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) في الصبر على هذا الإيذاء المعنوي . ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أسوة حسنة في الصبر على الضراء ، وفي البأساء ، وحين البأس ، ومن حكمة الله ( تبارك وتعالى ) أن جاء الحديث في القرآن عن الصبر على الحق والاستشهاد في سبيل الله بعد ذكر جانب الأسوة الحسنة ، يقول الله تعالى في محكم التنزيل : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ).
وكان السفهاء من قريش يسخرون من النبي(صلى الله عليه وسلم) باتهامه بأنه رجل مسحور ، وبأنه شاعر ، وبأنه مجنون ، وبأنه كاهن يأتيه الشيطان ، وأنه ساحر كذاب ، ومفترٍ متقول ، هذا بالإضافة إلى نظرة النقمة والازدراء التي كانوا ينظرون بها إليه ، كما قال الله تعالى : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ).
ويصف الله تعالى في كتابه العزيز كل افتراءات مشركي مكة لرسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، يقول تعالى : ( وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ . ، وقوله تعالى : ( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) ) . ولقد قص الله علينا في كتابه هؤلاء السفهاء الذين سخروا من سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) ، يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) ).
ويقول رب العزة ( تبارك وتعالى ) واصفاً هؤلاء المستهزئين حينما بثوا دعاياتهم وافتراءاتهم الكاذبة عن رسول الله r ، وحول ذاته وشخصه : ) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) .
ولأن طبيعة العهد المكي اتسمت بالجدلية المطلقة في أحداثها ، ولأن الرسالة المحمدية جاءت لتحرك الراكد والثابت الأسن ، فإن أهل مكة ـ أنفسهم ـ احتاروا وهم يحاولون تشويه صورة رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وإيذاءه بالقول ، فنجد مثلاً الوليد بن المغيرة وهو من زعماء قريش يقول عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولا نذكر منه : ” والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لغدق ، وإن فرعه ، لجنى ، فما أنتم بقائلين شيئاً من هذا إلا عرف أنه باطل ” .
ويذكر صفي الرحمن المباركفوري في كتابه ” روضة الأنوار” أن عظماء المستهزئين والمعذبين برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه خمسة : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والأسود بن بن عبد يغوث الزهري ، وأبو زمعه الأسود بن عبد المطلب الأسدي ، والحارث بن قيس الخزاعي ، والعاص بن وائل السهمي .
ولقد أخبر الله ( سبحانه وتعالى ) أنه سيكفي شرهم بقوله تعالى : ) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) (. ثم أنزل على كل رجل منهم ما فيه عبرة وعظة لمن يفكر في أن يعتدي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) بالقول أو بالفعل . فها هو الوليد بن المغيرة ، أصيب بخدش من سهم ، وكان خدشه بسيطاً حقيراً ، فلم يزل يؤلمه ويؤذيه حتى ملا ، وأما الأسود بن عبد يغوث فخرجت من رأسه قروح فمات منها ، والأسود بن عبد المطلب فلما تضايق رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من أذاه دعا عليه ، وقال : ” اللهم أعم بصره ” ، فرماه جبريل بشوك في وجهه حتى ذهب بصره. والحارث بن قيس فأصيب بالماء الأصفر في بطنه ، حتى خرجت فضلاته من فيه ، فمات بها . والعاص بن وائل فدخلت شوكة في أسفل قدمه ، وجرى سمها إلى رأسه حتى مات.
وإذا كانت أقلامهم وأصواتهم وأفلام ذرياتهم سينالون بها الأوسكار والسعفة وغيرها ، فإن فيلمنا الطويل الشريف سيقربنا من طاعة الله وشفاعة النبي (صلى الله عليه وسلم).وكم هو غريب وعجيب منذ سنوات انتفاضة المؤسسات الدينية غضباً وحزناً على الفيلم المسئ للنبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) وهي تعد سبباً في ضعف المعرفة الدينية والوازع الديني الجوهري لدى الناشئة وبعض الكبار، لأنها تخلت في برامجها عن القيام بتقديم سيرة المصطفى وحياته لهؤلاء.
ولقد تعددت وكثرت مطاعن المتهوكين ضد الدين الإسلامي الحنيف ، وكيف وجه بعضهم سهامه إلى صدر هذا الدين القوي باتهامات ظناً منهم بأنها كفيلة بتقويض هذا الدين الذي تعهد الله ـ سبحانه وتعالى ـ بحفظه ، وفي السطور القادمة نعرض باختصار جهودهم التي شرعوا فيها بعد فشل خطتهم التي بدأوها في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، مع تفنيد هذه المطاعن والشبهات الكاذبة. ولم يأنف هؤلاء الحاقدون على الإسلام ورسوله الكريم جهداً في حملتهم المسعورة ضد الإسلام والمسلمين ، بل ودفعهم غرورهم العلمي أن ينكروا وجود الله ، ولقد بذلوا جهوداً مضنية في الكيد والنيل من الإسلام والقرآن الكريم بوصفه دستور المسلمين .
وعليك أن تكتب كلمة إسلام باللغة الإنجليزية Islam في أي محرك بحث إليكتروني باللغة الإنجليزية لتدرك حجم وقدر الهجمة الشرسة التي يوجهها أعداء الإسلام له، وإذا أراد الباحث الإسلامي أن يعد دراسة علمية حول حملات التشكيك في الدين الإسلامي فلسوف يحتار كثيراً عندما يجد كماً هائلاً من الكتب والدراسات والمراجع والمواقع الإليكترونية التي تكيل التهم المتنوعة للعقيدة الإسلامية.

والملفت للنظر أن الهجوم على الإسلام والقرآن الكريم والنبي ليس جديداً ، بل بدأ منذ ظهور فجر الإسلام وحينما قويت شوكته ازداد الهجوم الضاري عليه، وفي هذه الآونة أصبح الغرب بصفة عامة مصاب بمرض الإسلاموفوبيا ، بل إن زيادة دخول الغربيين في الإسلام شكل للبعض الآخر من غير المسلمين هوساً بالتفكير في هذه العقيدة الفريدة القادرة على الصمود والرسوخ في ظل استعار الرأسمالية ، وانحلال القيم والآداب والتقاليد والأعراف.
ورأى أعداء الإسلام أنه يشكل خطراً جسيماً على الحياة العامة ، وأنه يقف حجر عثرة في طريق التقدم الاجتماعي للمجتمعات المدنية ، وأنه يكدرها ويعكر صفوها، لأنه يحرم على الناس شهواتهم ويقمع غرائزهم. والإسلام في حقيقة الأمر خلاف ما يزعمون ، فهو يدعو إلى تقدم البشرية بصفة عامة، كما أنه يضع قواعد وضوابط شرعية في صالح البشرية . والرائي يستطيع أن يدرك مقاصد الشريعة الإسلامية من سمو الأغراض وشرف الغايات.
فالإسلام استطاع أن يستبدل الحاجات المادية التي تجعل المرء عبداً لها بروابط روحانية قائمة على مبادئ راقية وأصول ومرتكزات ثابتة أصيلة. والحقائق التاريخية تؤكد وتشير إلى الروابط الاجتماعية القوية التي سادت المجتمع الإسلامي منذ ظهور الإسلام الحنيف.كما أن الإسلام قد أقر مجموعة من الأصول والواجبات التي يقوم عليها الاجتماع والتعارف والمشاركة الحياتية العامة.
بل واستطاع الإسلام التوفيق بين المصالح الدينية للمجتمع ، وبين مصالحه الدنيوية ، بحيث تتكافل في إيصاله إلى كماله المادي والأدبي ، ويمكننا إدراك هذه الحقيقة المطلقة من خلال حياة الصحابة الكرام ، حيث استطاعوا بالإسلام وتعاليمه السمحة في التوفيق بين السمو الديني وروح العمل الدنيوي دون خلل أو نقص أو عيب.
ودون أن نخوض مع الخائضين في مسألة الدولة الدينية والدولة المدنية ، التي يراها بعض العلمانيين متناقضتين تماماً ، فإننا نؤكد أولاً أن ما خطر بأذهان هؤلاء الموتورين أن المدنية في معتقدهم تعني الملاهي والمراقص والفتن التي لا ضوابط لها ، وأن الدين هو زهد وتقشف وحرمان ، وهذا افتراء موجه للإسلام. فالإسلام ينطبق عليه المثل الأعلى للمدنية ، ويزيد عليه سمواً ، فهو يدفع الإنسان للتجرد من الأحوال البهيمية ، والتخلق والتحلي بالأخلاق الإلهية في أسمى ما يتخيله العقل من نزاهة ورفعة روحية.

وكما فتح الإسلام للنفس البشرية باب الارتقاء الروحاني على مصرعيه ، ووسع مداه إلى ما لا يصل إليه خيال المتخيل ، فتح كذلك لها باب الارتقاء المادي ، فلم يحرم عليها علماً نافعاً ، ولم يضع للعلوم حدوداً ، كما يشير فريد وجدي إلى أن الإسلام استنهض الهمم للشئون الصناعية ، والإبداعات الفنية ، وعد الارتقاء في هذه المجالات فتوحاً إلهية يثاب عليها الموفق لها ثواب العاملين على ترقية الإنسانية.

ولقد سعى محترفو الهجوم على النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) منذ بداية حملتهم المسعورة إلى تشويه الإسلام بأنه يخالف وينافي الحياة الثقافية والنشاط الفكري ، وأنه يقف عائقاً ضد الأفكار المستنيرة الحرة . ولاشك أن الإسلام هو الدين السماوي الوحيد الذي أعلى من شأن العقل والفكر الإنساني ، ورفع من مكانته، فالعقل هو مناط التكليف والمسئولية، وبه يعرف الإنسان خالقه ويدرك أسرار الخلق وعظمة وقدرة الخالق.
وإذا كانت التيارات والفلسفات الإلحادية سالفة الذكر قد حرمت الإنسان من حق وحرية النظر والتفكير ، فإن الإنسان الحنيف دعا المرء إلى ضرورة استخدام النظر والتفكر غي نفسه والكون، بل عاب على أولئك الذين لا يعملون عقلهم ويعطلون قدراتهم التفكيرية ، يقول الله تعالى  لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل.

بل سبق الإسلام موجات هادمة للتفكير وحجب النظر والتدبر والتعقل ، فجاء مدحضاً هذه الأفكار ، داعيا الناس كافة إلى ضرورة النظر العقلي والاعتماد على الحجة والبرهان. يقول الله تعالى:  وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تعقلون . بل ويدعو القرآن الكريم الإنسان إلى ضرورة النظر في مخلوقات الله وظواهره وإعمال العقل ، يقول تعالى :  فلينظر الإنسان إلى طعامه* أنا صببنا الماء صباً* ثم شققنا الأرض شقاً* فأنبتنا فيها حباً * وعنباً وقضباً* وزيتوناً ونخلا* وحدائق غلبا* وفاكهة وأبا، متاعاً لكم ولأنعامكم .

والقرآن الكريم يزدحم بالشواهد والآيات التي تحث الإنسان على ضرورة التفكير وإعمال العقل والتدبر والنظر والاستدلال ، كقوله تعالى :  أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت* وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت* وإلى الأرض كيف سطحت.

ورغم حصول كثير من العلماء المسلمين على جوائز علمية في مجالات التكنولوجيا والطب والعلوم الفيزيائية والكيميائية ، إلا أن الذين يهاجمون الإسلام ورسوله في هذا الزمان لا يزالون عند رأيهم بأن الإسلام يحارب العلم والعلماء ، بل يمثل عقبة تاريخية في وجه تقدم العلوم والتقدم التكنولوجي، وأنه عقيدة جهل وتخلف. والتاريخ يؤكد أن علماء المسلمين لهم أياد بيضاء على الحضارة الأوروبية والنهضة العلمية في الغرب ، وللأستاذ العقاد كتاب في ذلك يوضح فضل الإسلام والمسلمين على النهضة الأوروبية. ونذكر من التاريخ الإسلامي ما قام به أبو جعفر المنصور حينما نقل عاصمة الملك إلى بغداد وجعلها عاصمة العلم والعلماء ، وبذل جهداً كبيراً في تطوير مدارس الطب والعلوم ، أما هارون الرشيد فقد أضاف مدرسة إلى كل مسجد في جميع أرجاء ملكه

ولن نغالي حينما نقول بإن الإسلام قد أعلى من شأن العلم ، والتشديد على أهميته ودوره في رقي المجتمعات والأمم، يقول الله تعالى :  شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وألو العلم قائماً بالقسط. كما أن الله ـ تبارك وتعالى ـ رفع من قدر العلم ومكانة العلماء حين يقول في كتابه العزيز :  قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.ويشير القرآن الكريم إلى أن الله يرفع العلماء مكانة في الدنيا والآخرة ، يقول تعالى :  يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.

ويستحضرني موقف من السيرة النبوية لصاحبها  ، فلقد روي عن أسامة بن شريك ( رضي الله عنه ) أنه قال : ” أتيت النبي  وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير ، فسلمت ثم قعدت ، فجاء الأعراب من ههنا وههنا ، فقالوا : يا رسول الله أنتداوى ؟ قال : تداووا ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ، غير داء واحد : الهرم “. وهذا يؤكد أن الإسلام متمثلاً في نبيه  لا يحارب العلم والطب ، بل يسعى إلى الأخذ بالأسباب، فقرن الفعل بالقول ، حتى يكون الأمر في علم الطب قولاً صريحاً ، أنه علم بالداء، وعلم بالدواء، وأن الدواء له أثره في الشفاء.
ولقد بادر المستشرقون في سلب خصوصية الإسلام وانفراده المتميز المتمثل في القرآن الكريم ، وادعوا أنه دين ملفق من كتب سماوية وعقائد دنيوية سابقة. ولنا أن نسأل هل كان معاصرو النبي محمد  ومعارضوه في غفلة عن هذا وقت بزوغ فجر الإسلام ؟ . بالطبع كان هؤلاء موجودين ، ولكن لم يستطع أحد منهم أن يذكر قرينة واحدة على قولهم هذا ، بل لهم نقول إن الإسلام جاء بتعاليم ومبادئ وقوانين لم تشملها الكتب السماوية السابقة ، بل الإضافة إلى ما تمتع به القرآن الكريم من مزية فريدة اختص بها وهي الإخبار عن الأمم السابقة ، والحديث عن أمور غيبية حدثت بعد ذلك.

بل ولم يجد مستشرقو العصر الحديث من شبهات يلصقونها بالإسلام فادعوا كذباً بأن الإسلام عقيدة تدعو إلى التواكل والسطحية واللامبالاة تجاه المتغيرات الحياتية والمجتمعية ، ومن يقرأ القرآن الكريم ويتدبر معانيه وآياته الحكيمة يتأكد أن الإسلام دين يحث على العمل ، ويدفع الإنسان نحو ، والمطالع لآيات القرآن يدرك ويفطن الربط المستدام بين الإيمان والعمل، يقول الله تعالى :  وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.

والقرآن يحث المؤمنين على العمل حتى في أوقات الراحة ، وأقصد يوم الجمعة ، فيقول الله تعالى في ذلك :  فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله. فأين هذا التواكل الذي يلصقه الملاحدة بالإسلام والمسلمين؟ . والسنة النبوية لصاحبها  تحث على العمل والسعي الدءوب غير المنقطع من أجل عمارة الأرض ، يقول الرسول  : ” إذا قامت الساعة في يد أحدكم فسيلة فإذا استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل” . بل ونجد الرسول الكريم  يضرب مثلاً أعلى في الدعوة إلى العمل حيث رفض انقطاع الناس للعبادة في المسجد واعتمادهم على غيرهم في المأكل والمطعم والمشرب والملبس، وامتدح من يعمل ويكد من كسب يده بشرف وأمانة وتقوى ومراقبة من الله تبارك وتعالى.

ولقد خلط أولئك المستشرقين بين التوكل الذي يعني تدبر الأمور والأخذ بالأسباب والتزود بالطاقة الروحية والعبادة ، وبين التواكل الذي يعني الكسل وعدم الأخذ بالأسباب والوسائل المعينة. وكلنا يعرف كيف طرد الفاروق عمر بن الخطاب أولئك المتواكلين المنقطعين للعبادة في المسجد معتمدين على غيرهم في رعايتهم وقضاء شؤونهم ، وقال عبارته المشهورة : ” إن السماء لا تمطر ذهباً” ، واستشهد في ذلك بحديث النبي  الذي يقول فيه : ” لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطانا ً” .

وليس هذا فحسب بل جعل الإسلام العمل المفيد من أسباب الثواب وزيادة الحسنات، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تتعلق بهذه المعاني ومن ذلك قوله تبارك وتعالى : هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وقوله تعالى : وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ، كما أن السنّة الشريفة تضمنت العديد من النصوص التي تحث على العمل والكسب الحلال مثل قول الرسول  : “ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده”، وقوله  : “من أمسى كالاًّ من عمل يده أمسى مغفوراً له” .

وطالما رصدنا الحملات المذعورة من مروجي الفتنة الذين يهاجمون الإسلام الحنيف بالاتهام خفية وعلانية بأن الإسلام معاد حقيقي للمرأة ، وأنه هضم حقها، وأغفل حقيقتها ودورها التاريخي قبل الإنساني. والمجال غير متسع لعرض وضع المرأة قبل الإسلام، وما كان عليه النكاح من صور أكثر وحشية وهمجية واحتقاراً لها من نكاح استبضاع، إلى نكاح الرهط، مروراً بنكاح صواحبات الرايات، انتهاءً بنكاح الشغار والبدل والضغينة.

ولا شك أن موقف المرأة كان صعباً في ظل التصور الإسلامي لبعض الصحابة، ورغم ذلك شاركت النساء في النضال اليومي للعيش والحياة الاجتماعية والاكتشاف اليومي لطبيعة الإسلام، فكن يعملن بالإضافة إلى اكتشاف أحكام القرآن والإسلام دون تمييز أو تهميش أو إلغاء، وهذا يدل على أن المرأة ليست هي العورة، بل إن العورة هي العورة، وهو ما فصله رسولنا الكريم  ، فكانت المرأة تغزل وتنسج وتبيع ما تصنعه وسط مرأى ومسمع الجميع، وهذا يؤكد طبيعة المجتمع المدني الذي لا يميز أي فرد عن بقية أعضائه.

ولو أن الإسلام قد قوض مكانة المرأة، وسعى إلى تغييبها حضارياً لما سمعنا أسماءً بعينها من نساء الإسلام الصالحات، كالسيدة خديجة، والسيدة صفية، والسيدة فاطمة، وزينب بنت جحش، وأم أيوب الأنصاري، وجهيزة، وأم حكيم، وغيرهن كثيرات. ولابد أن نقر حقيقة تاريخية وهي أن الإسلام أنصف المرأة الإنصاف كله، وأزال عنها ما لحقها من ظلم، وحررها من العبودية واستغلال جسدها، ورفع مكانتها وأعلى منزلتها، في الوقت الذي لم يعترف الغرب بحقوق المرأة إلا في القرن التاسع عشر بعد جهاد طويل.

وعجيب جداً أمر هؤلاء الذين يقصرون حقوق المرأة في حجاب رأسها، وارتدائها للبنطال، ومشاركتها العمل وسط الرجال، وذهابها إلى صلاة التراويح، وغيرها من القضايا الجدلية لصرف الأنظار عن سماحة الإسلام وإتاحة الحرية للمرأة في معاملات البيع والشراء، والاحتفاظ بمالها ، وقد أجاز لها حق التملك،وساوى بينها وبين الرجل. والله تعالى يقول في ذلك: ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فألئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا.
والإسلام الحنيف لم يمنع المرأة من الجهاد والعمل، قال تعالى: من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، والتاريخ الإسلامي يحفظ أسماء الصحابيات اللاتي جاهدن في سبيل الله مثل الربيع بنت معوذ التي قالت: كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم ونخدمهم ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة.هذا بخلاف ما صنعه الإسلام للمرأة من حق الميراث وكانت لا ترث، وكذلك تحريمه لوأد البنات وهن صغيرات.
لكن معظم المستشرقين من العصر الحديث يضيقون النظرة نحو الإسلام ويصرون على إظهار الفروق القليلة بين حقوق وواجبات كل من الرجل والمرأة، ونؤكد لهم أن هذه الفروق المعدودة كما ذكر شيخنا محمد الغزالي احترام لأصل الفطرة الإنسانية وما ينبني عليها من تفاوت الوظائف، فالأساس قوله تعالى:  فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض.

وأكاد أجزم لهؤلاء الذين يؤكدون خفية وجهراً على أن الإسلام قد قهر المرأة، بأن أبين لهم أن الإسلام منح لها حق الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتدريس، بل ومجادلة الملاحدة والمارقين. لكن المحاربين ملتزمون بقضايا فتنة ذكر المرأة لاسمها، ووجهها العورة، وصوتها العورة، والكارثة أننا ابتلينا منذ فترة ليست بالقريبة بأناس لا يتدبرون القرآن، ويحرفون كلام رسول الله  عن مواضعه، فيبذلون قصارى جهدهم في إحداث فتنة حقيقية سلاحهم فيها المرأة.
لقد بنيت حقوق المرأة في الإسلام على أعدل أساس يتقرر به إنصاف صاحب الحق، وإنصاف سائر البشر معه، وهو أساس المساواة بين الحقوق والواجبات،وإذا كانت الدول المتقدمة اليوم تنادي بتمكين المرأة اجتماعيا وسياسياً ودينياً ،فإن الإسلام منذ أربعة عشر قرناً وثلاثين سنة قام بها وخير دليل بيعة العقبة الكبرى، ومن العجب ترك الزمام لهؤلاء الذين يصرون على جعل المرأة كائن غير طاهر، وهذا باطل، وأنها كلها عورة، وهذا باطل، وأنها كائن ناقص ـ ومن منا يتسم بالكمال والتمام ـ وأنها عديمة التفكير ولهم جميعاً أردد قول الشاعر:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم

ولابد وأن يعي المسلم القوي أن شريعته السمحة قد وفرت له عدة أسلحة يمكن أن يستخدمه في حربه ضد الملاحدة والعلمانيين ، وهذه الأسلحة ليست عنيفة أو متطرفة ، إنما هي أسلحة وقائية وحجج يستطيع أن يستخدمها المسلم في صراعه ضد مزاعم وافتراءات الذين يهاجمون الإسلام ، مثل تعميق الصلة بالقرآن الكريم ؛ فعلى المسلم أن يسعى إلى تعميق صلته بالقرآن الكريم ؛ تلاوة وحفظاً، وتفسيراً، ووعي أثره في حفظ وحدة المسلمين الفكرية، وإبراز فكرة إعجاز القرآن ، والحرص على إقامة اللسان بقراءة آيات القرآن على أنها حجة في ضبط اللفظ العربي والجملة العربية. كذلك تعميق الصلة بالسنة النبوية الشريفة، في حرص المسلم على تعميق صلته بالقرآن الكريم ، يجب عليه أن يعمق صلته أيضاً بالسنة النبوية الشريفة ، وتعرف سيرة الرسول ، ودراسة الحديث النبوي الشريف، وحفظه وفهمه وتمثل ما يحتويه من الأحكام والآداب والقيم ، وإدراك منزلته مع ما يتطلبه من الاتباع و الاقتداء، ثم تقدير الجهود العظيمة التي بذلها علماء المسلمين في تدوين الحديث وتنقيته من الدس والوضع والتشويه.
ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية (م).
كلية التربية ـ جامعة المنيا ـ مصر

أحدث المقالات