من ثوابت السلوك البشري العجيبة أن الخير يلد شرا , وفاعل الخير إن لم يتوَقَ من الشرور الناجمة عنه فأن الشر سيتعاظم وينتقم من الخير الذي أوجده.
فالتعليم – على سبيل المثال – عمل خير لكنه سيتحول إلى شر عندما يتكاثر عدد المتعلمين , ولا يجدون فرصا للتعبيرعن معارفهم وعلومهم التي إكتسبوها , فتحصل البطالة وتجد خريج الجامعة بائعا متجولا وعالة على المجتمع , مما يتسبب بمشاكل متنامية ذات تداعيات قاسية.
والكثير من الأنظمة الشمولية إنتهت بمآسي مروعة , لأنها إنطلقت بمشاريع الخير فوصلت إلى مستنقعات الشر , ووجدت نفسها عليها أن تتخلص مما أوجدته من حالات لا تستطيع إستيعابها , ولهذا تجد معظمها تلجأ إلى إذكاء الصراعات الداخلية , وإلهاء ما أنجبته من الخير بمشاريع شرور وبغضاء.
وبعضها زج بهم في الحروب العبثية للتخلص منهم , ومن أهم أسباب الحرب العراقية الإيرانية المغفولة , أن العراق صنع أجيالا متعلمة متوقدة المعارف , والدولة عاجزة عن إستيعابهم والتفاعل الوطني المعاصر معهم , فزجتهم في الحرب التي أرضت رغبات الجانب الآخر, ومنحته فرصة تثبيت أركان حكمه , فلولاها لما إستمر حكمه طويلا.
إن الفعل الإيجابي في أي نظام حكم مهما كان نوعه عليه أن يتحسب للمعطيات السلبية الناجمة عنه.
ولا يوجد نظام حكم يمكنه أن يستوعب إرادة مجتمع , بل المجتمع عليه أن يستوعب تطلعاته , ويوظف إرادته لصالحه , فالدول القوية ليست شمولية , وإنما فيها أبناء المجتمع أصجاب أعمال حرة وشركات , وهم الذين يوفرون فرص العمل للأجيال المتوافدة.
أما الدولة فوظيفتها التنظيم , وتوفير الأمن والجاجات الأساسية اللازمة للحفاظ على الإنسان وحقوقه.
وعليه فأن مجتمعاتنا لن تكون إن لم تستوعب ما تريد , وتبتكر النشاطات اللازمة لهذه الأغراض الإقتصادية الإبداعية المولدة للحياة الأفضل.
فهل لنا أن نستعد لما يلده الخير؟!!