لا أقصد إبهام اليد , فهو الذي تفقد الأصابع قيمتها بدونه , وإنما الإبهام : كلام غامض لا يُدرَك ومُلتبس , وبَهِمَ الأمر أيْ خفيَوإستشكل.
فالكتابة بأنواعها ليست أن نغطس بالغموض ونمعن بالإدغام والإختفاء وراء الكلمات.
الكتابة فن الوضوح , والبساطة والتكثيف , وإيصال الفكرة بأقل عدد من الكلمات.
الكتابة خطاب مفهوم وليست كلاما مدغوما , وما يحصل في واقعنا الثقافي , أن المكتوب غير معلوم مما يتسبب بالنفور والحجوم , أي أن المكتوب لا يُقرأ
والمشكلة أن النفد المنصف الصريح ممنوع , لأنه يستثير الإنفعالات السلبية , لأن الكاتب مصاب بوهم أن ما كتبه نادر وعظيم , ويستحق المدح والثناء والتقييم.
ومن أهم أسباب توجّع الإبداع وإصابته بأمراض وعلل وخيمة هذا التفاعل الكاذب ما بين الكتّاب أنفسهم.
فالسائد تبادل المديح والمجاملات , وتحولت العديد من المواقع إلى محطات للتواصل الإجتماعي وحسب.
أما كونها منارات ثقافية وذات إرادة معرفية وقدرة على صناعة التيار المتنور الفاعل في الحياة , فهذا أمر بعيد المنال.
ويلعب الفهم الأعوج للديمقراطية دوره الخطير في هذه المرحلة الخالية من المسارات الواضحة , والقدوات الصالحة.
فتجدنا أمام ما يُسمى بالنخب , وهي حالات تتراقص على الهامش ومنقطعة عن نهر الحياة , وما يعانيه المواطن في العديد من البلدان , وأصيبت بوباء الحداثة وما بعدها , وراحت ترتل آيات التحليق بعيدا في صوامع الإكتنان.
فلماذا الخوف قائد , والجرأة عدوان , والإبداع مجرد من الألوان؟
ولماذا اليراع يكتب بمداد البهتان؟
إيها المبدعون , الأمم لا تتحقق إذا ضاعت قيمة الإنسان , وصار ذوو الأقلام يكتبون لأنفسهم , ويهربون من واقع عليهم أن يعملوابإجتهاد وصبر ومثابرة وجرأة , لتغييره وتنوير الإنسان فيه , وتثويره لتنطلق إرادته وتصنع ما يريد , فالحق واضح وعنيد!!