18 ديسمبر، 2024 10:00 م

الخرطوم.. نكبة الحوار الوطني

الخرطوم.. نكبة الحوار الوطني

لم تنته أصداء ضجيج احتفالات الخرطوم بانتهاء مؤتمر الحوار الوطني وتسلُّم الرئيس عمر البشير توصياته أكتوبر الماضي، حتى اشتعل جدل جديد الأسابيع الماضية عند بدء لجنة برلمانية مناقشة توصيات المؤتمر توطئة لمواءمتها دستوريا، الأمر الذي أثار مخاوف البعض من تطور الخلاف إلى نكبة سياسية جديدة في السودان. يشار إلى أن مؤتمر الحوار بعد أكثر من عامين من الشد والجذب انتهى بتوقيع المؤتمرين على 993 توصية تناولت ملفات الهوية والحريات والحقوق الأساسية والسلام والوحدة والاقتصاد والعلاقات الخارجية وقضايا الحكم والحوار، ومثل المشاركون 90 حزبا، و34 حركة مسلحة، و75 شخصية قومية. ويقود الجدل المشتعل حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل الدكتور حسن الترابي، ويأتي اعتراض الحزب بسبب فتح باب النقاش حول التعديلات الدستورية المتعلقة بالحريات. لماذا هذا اللغط حول تفاصيل تعنى بها القوانين وليس الدستور؟ فهناك فروقات موضوعية بين الدستور والقانون، فالدستور عبارة عن مجموعة من القواعد الملزمة التي تنظم أمور الدولة، وكذلك القانون عبارة عن مجموعة من القواعد الملزمة التي تنظم أمور الدولة. ولكن الدستور هو القانون الأول والأساس والأصيل في الدولة وهو المهيمن على باقي القوانين، ولا يجوز سن قانون أيا كان يخالف الدستور مطلقا. الدستور يضع القواعد العليا ويهتم بالأمور الكلية الشاملة في الدولة كلها، أما القانون فيعالج جزئية واحدة مفردة، والقانون يناقشه الفنيون من ذوي الاختصاص والدراية بمجاله، فلذلك في كل دولة دستورًا واحدا ولكنك تجد قوانين شتى، فتجد قانونًا للعمل وقانونًا للتجارة وقانونًا للضرائب وقانونًا للانتخاب وقانونًا للأحوال الشخصية وقانونًا للعقوبات. فإن كان هناك استحقاق سياسي .

يسابق الوقت فلماذا الغرق في هذا الجدل والخوض في كيفية تزويج الفتاة؟ وكما يقولون فإن الجدل مثل الطرق الفرعية لا تؤدي إلى الطريق الرئيس، فمن صاحب المصلحة في الهروب من الاستحقاق السياسي الناتج عن مؤتمر الحوار الوطني؟ هل وجد المؤتمر الوطني بعد رحيل الترابي مسارا للهروب من الالتزام بتوصيات الحوار الوطني وينفرد أكثر بالساحة السياسية؟ ما من شك أن حزب المؤتمر الشعبي أكبر الخاسرين من غياب الترابي الذي وافاه الأجل في الخامس من مارس الماضي، كما يبدو أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة البشير أكبر الرابحين، ويقر البشير بأن وفاة الترابي ستضعف المعارضة. لقد ظل حزب المؤتمر الشعبي أشرس الأحزاب المعارضة لحكومة البشير، وشكل الحزب صداعا مستديما لحزب المؤتمر الوطني منذ تأسيسه في 1999 عقب ما عرف بالمفاصلة بين البشير والترابي قبل 17 عاما. على حزب المؤتمر الشعبي أن يستوعب عدة متغيرات سياسية مستجدة، ففضلا عن غياب الترابي فقد أتت رياح السياسة الإقليمية والدولية بما تشتهي سفن حكومة البشير، فالعلاقات مع واشنطن آخذة في التحسن بعد الرفع الجزئي لعقوبات استمرت أكثر من 20 عاما، وتطورت علاقات الخرطوم بكل من الرياض وأبو ظبي بسرعة كبيرة لم تكن في حسبان الكثيرين. فالمؤتمر الوطني اليوم ليس ذلك الحزب قبل نحو ثلاثة أعوام عندما بادر بذلك الحوار الذي ربما قصد منه تخفيف الضغط السياسي الذي كان يحاصره في ذلك الوقت.

نقلا عن الشرق