لا يختلف اثنان بان التعليم الالكتروني في العراق واجه العديد من الصعوبات خلال العامين الماضيين ، لكونه طبق فجأة للمرة الأولى في التربية والتعليم ومستلزماته لم تكن متوفرة بسبب فقر البنى التحتية في اغلب المجالات لهذا النمط من التعليم ، ومن الأشياء التي باتت معروفة للجميع إن التعليم في العراق لم يعد قادرا على الاستمرار من خلال التعليم الالكتروني لوحده لأسباب عديدة يعرفها الكثير ، كما إن معظم الامتحانات غير الحضورية أثبتت من نتائجها ومحتواها بأنها لا يمكن لها أن تستمر لأنها امتحانات ويجب أن تتمتع بموثوقية بالحد المطلوب ، فاستمرارها بهذا الشكل يعرض الأجيال إلى التجهيل والجهل ، فليس من المعقول أن يرحل طالبا إلى الثالث الابتدائي وهو يجهل كتابة دار دور ، ولهذه الأسباب وغيرها لجأت التربية لاعتماد الامتحانات الحضورية للمراحل الدراسية الحرجة رغم علمها إنها ستكون بالحدود الواقعية من المقبول ، حيث تمت بظروف الجائحة الخطرة وبعد حذف العديد من المناهج او تقليص عدد الدروس ومنح تسهيلات في تصحيح نتائج الامتحانات والسماح للاشتراك بالدور الثاني حتى للراسبين بالغش الجماعي ، والتربية لوحدها لا تتحمل سيئات الوضع الدراسي المحلي في ظل سريان الوباء وظهور سلالاته بل تشترك فيه مجموعة من العوامل والظروف ، واهم ما أمكن تشخيصه إننا كنا نسير بنمط تعليمي لغير قادر على تلبية كل احتملات المستقبل بالشكل المطلوب ، ولهذا تمكنت العديد من الدول أن تكيف أوضاعها التعليمية بما يناسب ظروف Covid -19 رغم إن وضعها الوبائي أتعس من العراق بعدة أضعاف ، والسر في ذلك أنها تتبع أنظمة متعددة في التعليم وليس نظاما باليا يتكرر كل عام منذ عقود .
لقد حددت وزارة التربية الأول من تشرين الثاني القادم موعدا لمباشرة الطلبة بدوامهم الاعتيادي في مدارسهم حضوريا وبواقع أربعة أيام أسبوعيا على مدار الأسبوع بعد أن ألغت عطلة السبت ، كما أبلغت ملاكاتها بالدوام الكامل 100% وألزمتهم بالحصول على جرعات التطعيم ، وهذه الخطوة ايجابية من وجهة نظر الكثير لأنها تعيد الطلبة إلى مكانهم الطبيعي وربما تعوض ما فاتهم من حيث تعلم الأساسيات بالجوانب التربوية والمعرفية والمهارات ، ولكن الموعد المحدد تزامن مع تحذيرات وزارة الصحة بان البلد يتعرض حاليا إلى موجة خطيرة من انتشار وباء كورونا بعد ظهور سلالة دلتا + التي انتقلت للعراق ، وحسب بيان لوزارة الـصـحـة صدر قبل أيام إن دخــول الـسـلالـة الـرابـعـة لـكـورونـا ستشكل تحديا كبيرا وعبئا ثقيلا على النظام الصحي للبلاد الــذي اسـتـنـزفـت مــوارده وخـدمـاتـه خـلال الموجات السابقة ، وقال مدير تعزيز الصحة بالوزارة في تصريح صحفي : إن العراق خرج مـن المـوجـة الثالثة وقـد اسـتـنـزف كميات هـائـلـة مــن المــــوارد المـخـصـصـة لــلــوزارة ومـــراكـــز الــعــزل والــخــدمــات الـصـحـيـة وان أفضل سلاح لـلـمـواطـنـين في بغداد وبقية المحافظات ( حيث تشهد الموجة انتقال وانتشار سريع ) هو بعـدم الاختلاط وذلك بسبب عدم بلوغ المناعة المجتمعية ، حيث كان من المفروض أن يكون عدد العراقيين الملقحين 20 – 24 مليون في نهاية العام الحالي ولكن عدد من تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح حتى الآن وصل إلى خمسة ملايين ، فيما بـلـغ عـدد ممـن لـقـحـوا بجرعتين ثلاثة ملايين و500 ألفا ، منوها بان الوزارة سوف لم تصل إلى الأرقام التي توقعت إن تصلها بحلول نهاية العام الحالي لان المتبقي هو شهران ، ونوه إن الــفــيــروس يـتـعـرض باستمرار إلى طـفـرات وراثـيـة جينية من خلال تغيير تركيبته وإمكانية أن يصاب بـه الـشـخـص مــرة أخرى، مـا يتطلب من المـواطـنـين الالــتــزام بالإجراءات الـوقـائـيـة لاسيما ارتداء الكمامات وعدم الاستغناء عنها خلال المدد المقبلة .
ولسنا هنا بصدد إحباط جهود التربية في إعادة الدوام والامتحانات بشكلها الحضوري والذي أصبح يشكل ضرورة حاسمة للحفاظ على مستويات التعليم ، ولكن السؤال المهم هل تستطيع التربية ومدارسها في مختلف المستويات الدراسية والملكية ( الحكومية ، الأهلية ) من توفير الظروف الملائمة للطلبة في وقايتهم من الوباء؟ ، فذلك يتطلب أولا حصول ملاكات التربية كافة والطلبة الذين تزيد أعمارهم عن 18 سنة على جرعتي اللقاح وربما الجرعة التنشيطية فيما بعد ، ومن المتطلبات أيضا وجوب توفير الأجواء الصحية للطلبة من حيث التباعد وعدم الكثافة وتوفير شروط النظافة والتعفير وارتداء الكمامات منذ الخروج من المنزل لغاية العودة إليه ، كما إن ذلك يتطلب إجراء مسحات دورية للطلبة والملاكات وعوائل الطلبة للتأكد من عدم إصابتهم بالوباء ، فهناك تقارير تشير بان الاعمار التي تقل عن 15 سنة ربما تكون وسطا ناقلا للفيروس ( Carrier ) ، ولا نعلم هل إن الأمور التي تطرحها بيانات الصحة وخلية الأزمة أخذت في الحسبان وهل إن مديريات التربية قد وفرت التخصيصات المالية اللازمة للمدارس للوقاية مثل الكمامات والتعقيم وهل النثرية موجودة بشكل كافي أم يتم التعويل على الاجتهادات ؟ ، فاليوم يبدأ الدوام بصيغته الحضورية التي تعيد الأمور للصحيح ، ونتمنى بصدق أن تنجح التربية وأجهزتها في انجاز عام دراسي جديد يختلف عن العامين السابقين وذلك يعد انجازا للجميع ، و تحقيق هذه الأمنية يتطلب تفعيل منظومات التربية بأعلى ما يمكن من جهود وتطمين العوائل بان أولادهم سيكونون بصحة وخير وسيتلقون ما يحتاجوه من تعليم .