الديمقراطية لا تعرف الإنتصار والإندحار , بل مواصلة الإبحار لتحقيق ما ينفع البلاد والعباد من جهد الأخيار.
فهي إرادة دفع الأفاضل إلى المقدمة , ومنع الأراذل من الإتيان بالأعمال المؤلمة , ولهذا تعتمد على القرار الواعي للإنسان الحر في المجتمع , الأدرى بمصلحته وما يريده.
وعلى هذا الأساس تتحرك المسيرات الإنتخابية في البلدان الحرة , ذات السيادة والوطنية الفاعلة في أرجائها.
أما إذا خابت السيادة , وإنكمشت الوطنية , وإنحدر المجتمع إلى قاع الغابية , فأن الديمقراطية تصبح هراءً.
وفي مجتمعات فيها مَن يوالي أعداءها , ويستمد قوته من الآخرين , فالتفاعلات ستكون عدوانية , وذات تأثيرات ضارة , وتداعيات متنامية , تتسبب بإنهيارات سلوكية دامية.
فالديمقراطية بحاجة لروح وطنية , وسيادة عامرة , وشعب حر أبي , لقيمة الإنسان فيه دورها وأثرها الكبير , لكي تحقق غاياتها وتنجز أهدافها.
فليس من الصائب الكلام عن الديمقراطية في مجتمعات ترزخ تحت طائلة الحرمان والقهر والإمتهان , وفيها كينونات عقائدية متطرفة متحزبة متسلحة , لا تؤمن بالوطن ولا بحقوق الإنسان , فالإنتخابات لا قيمة لها في عرفها , ولابد للقوة من سلطان وتأثير فائق العنوان.
إنها تفوز بالقوة , وتحكم بالقوة , وإن كانت النتائج ضدها , فأنها سترفع السلاح , وتجبر الرافضين لها على الخنوع لإرادتها.
فتصير البلاد والعباد بأمرتها , المؤزرة بإرادات القِوى الطامعة , والساعية لهتك عرض البلاد.
فكيف تقام الديمقراطية , بلا بُنى تحتية , ولا ضوابط دستورية ذات هيبة وفاعلية , وبلا قضاء حر نزيه ومستقيم؟!!