22 ديسمبر، 2024 3:20 م

رواية رجل المرايا المهشمة.. تفتت الروح والبعد عن الذات لافتقاد الأمان

رواية رجل المرايا المهشمة.. تفتت الروح والبعد عن الذات لافتقاد الأمان

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “رجل المرايا المهشمة” للكاتبة السورية “لبنى ياسين” تحكي عن البشر الذين يظلمون، ويفقدون تواصلهم مع ذواتهم، ويفقدون معنى الحياة وبل ويفقدون حلاوة أرواحهم.

الشخصيات..

دلال: فتاة جميلة، تظلمها الحياة بموت والدها فتضطر إلى الزواج من رجل فقير، كسول،غير مهتم، ثم تغتصب من قبل المعلم الذي يعمل زوجها لديه في الورشة، وتحمل معاناة اغتصابها حتى تموت قهرا.

ديبو: زوج دلال، لا يهتم بشيء، ولا يتواجد بشكل حقيقي كزوج وأب.

المعلم أبو نعيم: نجار يمتلك ورشة، يعتدي على دلال، ويعاقب على فعلته بموت ابنه الوحيد الذي أنجبه على عدد من البنات.

ناجي: ابن دلال، يسعى دائما للصعود الطبقي لذا تخرج من كلية الطب وأسرع بزواجه من فتاة من عائلة أعلى طبقيا منه وتنكر لعائلته.

سالم: الابن الثاني لدلال، أكثر حنانا واهتماما من ناجي، تخرج من كلية الهندسة، وتزوج من ابنة قريبة زوجة أبيه.

صطوف: هو الابن الذي نتج عن حادثة الاغتصاب التي اعتدى فيها المعلم أبو نعيم على دلال، عاش طوال حياته مكروها مظلوما، يعاني ويقاسي، وهو بطل الرواية، لكنه أصبح فيها بعد مؤذيا.

زوجة صطوف: فتاة صغيرة أجبرها والدها على الزواج من صطوف بعد أن اعتدى عليها، احتمت بصطوف لكي يبعدها عن والدها المغتصب لكنه خذلها.

وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية.

الراوي..

راوي عليم، يحكي عن الشخصيات، وعن ما يشعرون به في الداخل، ويحكي عن الأحداث التي تدور، ركز الراوي في حكيه على دلال ثم انتقل إلى صطوف، وحكي عن باقي الشخصيات بشكل أقل ومن خلال تقاطعهم مع البطلين.

السرد..

تقع الرواية في حوالي 300 صفحة من القطع المتوسط، وهي محكمة البناء، تحكي عن شخصيتين ظلمتهما الحياة والناس، لكنهما أيضا لم يكونا أبرياء تماما فهما قد ظلما هما أيضا، وكل منهما أذى آخرون بطريقته. والرواية حزينة تنتهي بنهاية مفجعة للبطل صطوف.

أحلام مجهضة..

تبدأ الرواية بالحكي عن دلال وأحلامها المجهضة، بزواجها من رجل فقير غير مهتم، ورغم جمالها تبقى ربة منزل فقيرة، لكن فاجعتها الحقيقية هي في اغتصابها على يد أبو نعيم، وعدم قدرتها على المقاومة، وعيشها بعد ذلك سنوات طويلة حاملة الذنب والإثم في داخلها والشعور بالقهر الذي قتلها في النهاية.

خاصة وأن نتيجة ذلك الاغتصاب كان طفلا لم تعرف كيف تجهضه قبل مجيئه، وظلت تعامله بقسوة شديدة، وأصبحت بالنسبة له أما شريرة ظالمة، تقهره وتظلمه وتحرمه من حنانها ومحبتها، وهو لا ذنب له فيما اقترفه أباه وفي حادثة اغتصابها، لكن دلال حملته نتيجة فجيعتها، وعاقبته بدلا من معاقبة الجاني الحقيقي، فنشأ الطفل مريضا نفسيا من كثرة الظلم والقسوة والجفاء، لأنه لم يجد إما تحتضنه وتحنو عليه وترعاه وإنما وجد منها الغضب والضرب والإبعاد، حيث خصصت له مكانا منعزلا ليتواجد فيه بعيدا عن طفليها الآخرين خوفا عليهما منه.

قسوة الحياة..

ثم تركز الرواية على صطوف بعد موت أمه قهرا وكمدا، فيتخبط صطوف في الحياة مع إهمال أبيه وأخويه له، وتواجد زوجة أب قاسية وغير مهتمة، فلا يسمح له بإكمال تعليمه، ويتم تشغيله لصالح الأسرة ومصلحة أخويه، ويظل يعاني من أوهامه وخيالاته المريضة، تتاح له أكثر من فرصة لحياة أفضل، لكنها لا تكتمل بسبب خوفه الشديد من التواصل مع الناس وعدم قدرته على التعامل معهم بشكل سوي.

بداية من مها ابنة أخت زوجة أبيه، التي يحبها سالم ويتزوجها، ثم زوجته التي يرتب والدها أمر تزويجها من صطوف ليستمر في الاعتداء عليها تحت غطاء اجتماعي مقبول، وقد فشل أيضا صطوف في عمل حياة معها لأنه خاف من مواجهة والدها، وحين قرر أن يفعل كانت الزوجة قد هربت.

لكن الحياة أتاحت له فرصة ثالثة، بوجود زميلة له في العمل الجديد الذي التحق به بمساعده أخيه سالم، وهو مراقبة الموتى في المشرحة لكنه أيضا لا يقترب من زميلته التي أبدت اهتماما كبيرا به، وكان موشك على عمل علاقة حب معها لكنه جبن وخاف ولم يظهر أية رغبة في تواصل حقيقي حتى ضاعت منه هي الأخرى.

التحول..

لينتهي أمره باغتصاب إحدى الفتيات التي ماتت يوم عرسها، ليتحول من شخص ظلم وقهر إلى شخص مؤذي ينتهك حرمة الأموات، لكن الكاتبة أيضا وهي تصور اعتدائه على الفتاة الميتة لم تجعله شريرا تماما وإنما كان بفعلته هذه يحلم بمها التي أحبها ويحلم بتواصل دافئ معها، هو لم يكن واعيا تماما بما يقوم به من انتهاك لجثة ميتة.

وتنتهي الرواية بفاجعة تحطيم صطوف لوجهه، بعد أن اكتشف أنه عاش طوال حياته بوهم أنه مسخ مشوه، وأن وجهه به تشويها يمنع الناس من محبته، ليكتشف أنه لا سبب حقيقي لكراهية أمه له ومعاملتها له بكل تلك القسوة والجفاء.

رواية حزينة ترصد مشاعر الشخص الذي يفقد الأمان في الحياة ويفقد الحنان والرعاية ويكون عرضة لكل أنواع الظلم والتهميش والمهانة والإذلال، لكنها للأسف لم تحاول أن تجد له نهاية أخف وطأة وكأن الرواية تجزم بأن من تربي كذلك لا نهاية سعيدة له، وإنما سيظل يعاني حتى الموت، ولا أفق له أو أمل في تغيير مصيره.

لا يمكن القول أن الرواية رصدت معاناة المرأة في مجتمع يظلمها ويهمشها لأنها رصدت معاناة الإنسان بشكل عام الذي يتعرض للظلم والتهميش سواء امرأة أو رجل، ورصدت تبعثر الروح وتفتتها والبعد عن الذات بما يجعل الإنسان غريبا تماما ومنفصلا عن نفسه وعن روحه وعن عالمه وواقعه حتى أنه يخشى النظر في المرأة.

الكاتبة..

“لبنى ياسين” كاتبة وصحفية سورية، وعضو اتحاد الكتاب العرب، عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات، ومحررة في مجلة حياة. لها زاوية مقال ساخر في نفس المجلة تحت عنوان (ضوضاء)، وزاوية قصصية بعنوان (مرايا لا تبوح). كتبت زاوية حرة في مجلة شباب اليوم الإماراتية تحت عنوان (صور أخرى). كتبت في مجلة إلى الأمام الفلسطينية الصادرة من لبنان (تغطيات وتقارير). كما تكتب بشكل متقطع في جريدة الوطن اليومية في سلطنة عمان.

حاصلة على بكالوريوس علوم جامعة دمشق. دبلوم عالي للتأهيل تربوي جامعة دمشق. دبلوم في الرسم والنحت في معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية التابع لوزارة الثقافة في دمشق. ترجمت قصصها إلى الفرنسية والانكليزية والاسبانية والإيطالية والبنغالية والهندية والكردية.

صدر لها:

– ضد التيار- مجموعة قصصية.

– أنثى في قفص- مجموعة قصصية.

– طقوس متوحشة- مجموعة قصصية.

– المشاركة في مجموعة قصصية بعنوان (استفهامات خرساء) الصادرة عن وهج الحياة للإعلام.

– رواية ” رجل المرايا المهشمة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة