حان الوقت الذي تتحول فيه ذكرى استشهاد الامام الحسين” ع” الى يوم نداء وطني، نستذكر فيه أخوة ضحى في سبيلها بالغالي و النفيس و كرامة شعب زحف اليها و عيونه تراقب حركة العدل في السماء قاطعا الشك باليقين من أن طرق باب الحق ليس ميدانا للمزايدة بل واجبا مقدسا لتحقيق العدل و المساواة بعيدا عن ملذات الدنيا و صراع القوى الثانوية فيها.
ان استذكار ملحمة استشهاد الحسين لاينبغي تحويلها الى مناسبة لتمرير الأهداف السياسية باستغلال مشاعر المواطنين، مثلما من الخطأ الأعتقاد بأنها تمثل نهجا عقائديا دون غيره، فالحسين هو شمس التاريخ العربي ، والعراقيون يتساوون في عشقه و الولاء له ، لذلك لا يجوز تحويل هذه المناسبة العظيمة الى وسيلة لتحقيق المنافع الشخصية و الحزبية على حساب ملايين تزحف الى سيد الشهداء، جاعلة منها ملحمة وطنية لامناسبة طائفية.
لا يحق للسياسيين العراقيين استغلال هذه المآثرة التاريخية و الانسانية لتبييض وجوههم عبر ممارسات مفتعلة لاغراض انتخابية رخصية ، فلو أنهم أعتنقوا قيم الحسين و تربوا عليها عن قناعة لما مارسوا كل أساليب الفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ولما أخفقوا في تحقيق العدل و المساواة و اجارة المظلوم ، بينما نجحوا بسرقة أحلام شعب بأكمله لتنهار اركان الثقة الأخلاقية بين الراعي والرعية ، ما يمثل خروجا على قيم و مباديء الأمام الحسين ” ع “.
هل فعلا نحب الحسين و نقتدي به؟؟، سؤال لا ننتظر الاجابة عليه من المواطن البسيط الذي يمارس طقوسه بعفوية ، لكننا نخص الذين يوظفون كل شيء لمنافع شخصية، يخافون من ترك مدرعاتهم المصفحة في الأيام الأعتيادية لكنهم يوزعون الخيرات في الشوارع في ذكرى استشهادك سيدي”، ما يشكل خرقا لمباديء سيد الشهداء، الذي افترش الأرض لتحقيق عدالة السماء، بينما يسير السياسيون في العراق بالاتجاه الخاطيء وكأنهم يتجاهلون أن مثل هذا الغلو في الدنيا يقض مضاجعك الطاهرة ياسيد الشرفاء!!
لم يكن الحسين من أصحاب رؤوس الأموال و الثروات مثلما لم يجتهد الا في المحافظة على أخوة المسلمين ، فاين هذا من سلوكيات مقامات حكم عراقية تزحف على بطونها من أجل المزيد من السحت واشاعة الخوف في النفوس، ومع ذلك يتباكون على نصير الفقراء و المحرومين، أنها مآساة الخلط بين المباديء الحقيقية و المزاجيات الوقتية، التي لا تحقق عدلا ولا تبني وطنا، لذلك تغرق محافظات العراق في ذكرى استشهادك سيدي لأن السياسيين مشغولون عنك في قرارة أنفسهم، لكنهم يوظفون مقامكم السماوي لتحقيق ملذاتهم، والفرق كبير بين مخلص للحسين و راغب في تحقيق ذاته من خلال ادعاء تقليده!!
ولأن الأمام الحسين”ع” تحدى غطرسة الحاكم وتخطى عناوين الوجل من أي شيء باستثناء مخافة الله والسجود اليه، والتباهي الانساني بخصوصية نسبه، نقول لأن الامام الحسين موجود فينا نخوة ورجولة وتضحية وعزيمة وكبرياء، فعلينا التعجيل بمراجعة أنفسنا ألف مرة، لنحدد بصدق اذا كان من حقنا الانتساب اليه، أواذا كنا فعلا من المؤمنين بقيمه ومبادئه، فليس العبرة بالبكاء أو الحسرة، بل في كيفية الانتصار الى قيمه الكبيرة في نصرة المظلوم ومحاسبة الحاكم.
أين نحن من مآثر سيد الشهداء؟؟ سؤال أخر ننتظر اجابة عليه من سياسيين ورجال دين وفقهاء شريعة، لم يقدموا ما يلزم من تضحية لترسيخ قيم استشهاد الأمام الحسين، التي ترفض بشكل قاطع توظيفها لتخندقات عرقية أو طائفية، مثلما أبت ولا تزال أن تكون ميدانا للمضاربات السياسية، فهي مأثرة اتباع الانبياء على الأرض، وأن كل من يحب الحسين فعلا، مفروض عليه الالتزام بالحد الأدنى من ثوابته، ولو تقيد الجميع بنسب عشرية من هذه المآثر الخالدة، لما وصلنا الى هذا الحد من التناحر، وهذا الفشل المتراكم في اسعاد النساء من خلال المحافظة على أخوتهم الانسانية!!
ان الأمام الحسين عليه السلام، هو الباب العالي في خصوصية أخوتنا، وهو نسب عشائرنا كلها ، وهو من بين اسرار عدم جفاف ارحام الخير والكبرياء بين ظهرانينا، و نحن نتباهى بحب الحسين والشوق اليه، ولايساوم على ذلك أحدا، وقد حان وقت السير معا الى الحسين ” ع” لا لزيارته فقط بل لطلب العفو منه ، بعد أن تجاوز كثير منا على سماوية توجهاته وقيمه، فهل من عاقل يعيد تريب الأمور!!، هذا ما نتمناه في ذكرى استشهادك يا سيدنا جميعا، لطي صفحة من خلافات تتقاطع مع كل قيم الأخوة و الولاء التي ضحيت في سبيلها، ويحاول المغرضون تحويلها الى شقاق و نفاق ، متعكزين على هلى مفاهيم الانفعاليين الكسالى غير المؤهلين للتضحية.
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]